اذا انهارت مصر؟*


عبدالامير الركابي
2025 / 3 / 24 - 14:48     

توشك مصر محمد على الالباني على الانهيار، الكيانيه الاكبر الاكثر رسوخا نمطيا كمجتمع دوله احادي تاريخي، وقد بلغت تعدادا مايزيد على المائة مليون، منهم اربعون مليون عاطل عن العمل، ظلت تعيش لبضعة عقود متاخرة على، التحويلات الخارجية، والسياحة، والمساعدات الخارجيه، من دون ان يثير هذا الانقلاب الانحداري المواكب لاكذوبة الحداثة في البلد الاضخم حجما وسكانا وقدما تاريخيا، وثقل اهرامات شرق متوسطيا، اي ميل الى التعرف لدى من يعتبرون انفسم منتمين للعصر وللحداثة، على ماهو الجوهر الناظم للديناميات الانحدارية ذاتيا بحسب احكام الخصوصية المجتمعية خلافا للاعتقادات التوهمية الايديلوجية التي طبعت مفهوم المنطقة للعصر الحديث، و" النهوض الزائف" الذي رافق ظاهرة محمد على الالباني.
هذا علما بان الايديلوجيين من قوميين ويساريين وليبراليين، مازالوا الى الان يهرجون بلا اي تحسس بضرورة التوقف امام تناقضية الحركة التاريخيه الذاتيه والنقلية الببغاوية التي هم عليها، فخرج كليا عن وعي هذه الظاهرة الكارثية الكبرى، نوع مفهوم من نوع "الدولة النيلية" و "الدولة المركبه من خارج الكينونه التاريخيه البنيوية"، تلك التي تقام بالشعارات وبالنقل الجاهز للنموذج البراني "الحديث"، ولايمكن ان يعذر اولئك الذين ظلوا يصفقون للعصر على مدى يقارب القرنين، اذا هم سقطوا في الامتحان الصعب امام ديناميات ونوع بنى مجتمعاتهم كما وجدت عند بدايات التاريخ المجتمعي، حين قامت " الدولة الوطنيه" الاولى بالارتكاز الى الفعل النيلي، وتوافقه مع العملية الانتاجية والحمائية التي توفرها الصحراء شرقا وغربا والبحر شمالا، للكيانيه المحلوية وللبنية المتجسده في الدولة والاهها الفرعون، في مجتمع بلا تصارعية داخليه، له دورة وحيده تكرارية اجترارية، مايعني واقعا وحقيقة تاريخيه تاسيسية اولى لنمطية بعينها، وجودها نهري نيلي لاوجود للمجتمعية بكل خاصياتها من دونها.
لم يكن واردا ان يخطر على بال المتماهين مع الظاهرة الغربية من المصريين انفسهم، او غيرهم، كون مصر النيل هي كينونه مجتمعية مترابطة كوحدة، وان الانتقال من مصر بما هي "هبه النيل " بحسب هيرودوت، الى توهمية مصر الصناعية على النسق الاوربي المجتمعي الازدواجي الطبقي، يعني امحاء مجتمعية تاريخيه، والاجهاز عليها لدرجة ازالتها من الوجود، فلا مصر بلا نيل ونمطيته المجتمعية، هذا غير التصادمية الطبيعية بين الكينونه التاريخيه والنمطية المنقولة وادواتها، المطابق لاليات نوع مجتمعي اخر، هي التي افضت الى انبثاق الالة فيه، ماقد جعل مسالة الانتقال للصناعة مصريا، عملية قلب نمطي مجتمعي مقارنه بعملية الانقللاب الطبقي الاوربي، الامر الذي كان من شانه وضع البلد الاضخم، والاكبر مساحة، المتميز موقعا، تحت طائلة نوع اخر من الاصطراعية، الجانب المنقول منها اي الحداثي، بلا ارضية، ولا محركات مجتمعية ذاتيه، بالمقابل فان الاسباب المؤدية الى قتل فعالية الاساس التكويني النيلي، صارت حاضرة بقوة، ومع تزايد عدد السكان، العنصر المساعد على اضعاف حضور النيل انتاجيا، واجمالي المترافق مع حضور الغرب والصناعة عالميا وآليا، ومايفضي له ذلك على مستوى الاستعمالات النهريه، باخراجها من عالم الحضور والمشاركة الطبيعية الموروثة، بالاخص بين البلدان المتشاركة بالانهار الكبيرة، ماصار ظاهرا في حالتي النيل من جهه، ودجله والفرات عراقيا، بما يمكن اعتباره من قبيل انتقال من بلدان الانهار، الى بلدان مابعد الانهار.
وليس واردا هنا البحث في التفاصيل وبين تضاعيف ظاهرة هائلة المعطيات والتشابكات المجتمعية التاريخيه، خصوصا مع ماهي واقعه تحت طائلته من اهمال وتجاهل كلي من جانب العقل البراني الاتباعي، غير ان المتغير المراد التنوية به هنا، بالامكان اجماله على سبيل الانذار الكارثي الافنائي الخطير، ليس في مصر وحسب، بل على مستوى المنطقة ككل، ومنها العراق وسوريا، وان لم تكن الاخيرة نهرية الاانها معرضة هي الاخرى ومن هنا فصاعدا للانهيار الكيانوي لذات الاسباب التناقضية، بين الاعتقاد الايديلوجي النقلي البداهي، وماحكم ويحكم الاليات الفعليه للمنطقة الشرق متوسطية، ببنيتها التاريخيه، وخاصياتها المتعدية للنمط والنموذجية الغربيه.
ولنتخيل وضعا من نوع دخول مصر حالة الانهيار والفوضى الاحترابية الداخلية، والحال نفسه بما خص سوريا، مع الامية المعرفية بالذات وتراكماتها الانهيارية المستمرة منذ قرون، مع ماقد اضيف اليها من كوارث تفكرية زائفه، مالا يمكن تخيل حل له، او اي درجة او نوع مقاربة عادية، او حتى من نوع الاستثنائية الكونية.
قد يكون من اهم ما يجب التوقف عند ه، استمرار النمطية الايديلوجيه بالغلبه على اهتمامات العقل، او من يسمون انفسهم الكتاب والمتابعين المحللين من متبقيات الطور الايهامي الببغاوي العام والشامل، وهو يحلل ويتابع الاوضاع في سوريا وفي مصر والعراق، مكرسا نفس الاسباب التي افضت الى ماهو وشيك من كارثية عظمى، سببها الاصرار على نكران الحقيقة الذاتيه لصالح نموذجية منقوله جاهزة، لااساس لها، اريد بوسائل دون الحد الادنى من الفعالية، فرضها على واقع تاريخي، جنوح مرضي انحطاطي موروث، تمت اعادة صناعته بالاستعانه بقوة من خارجه.
بالمقابل هل ستسلم مجموعة "دول الابار" ياترى من اثر الانهيارات الكبرى الكيانيه الشامله الوشيكة كما تتصور، وكما عملت وتعمل على تكريسها من منطلقات امحاء التاريخ والخصوصية المجتمعية الحضاروية الشرق متوسطية واحتمالية تجددها النوعي، وبالذات النهرية منها، استعادة لحضورها الكوني التاريخي، بازاء الظاهرة البرانيه الغربية وماانتجته في المنطقة من مفعول الريع النفطي كبديل للدول الكيانوية المجتمعية / النيلي، او التعبيرية الكونية المتعدية للكيانوية المابين نهرينيه، بدوراتها الاولى السومرية البابلية الابراهيمية، والثانيه العباسية القرمطية الانتظارية، والثالثة الراهنة الاخيرة، دورة النطقية الذاتيه المؤجلة، والتي ابتدات مع القرن السادس عشر في ذات ارض سومر الاصل والمنشا اللاارضوي التحولي .
المنطقة ذاهبة الى طور انهياري، مصر ستكون بوابته الكبرى، تتبعها سوريا التي بدات نذر انهيارها اليوم، بانتظار القادم، لندخل والعالم زمن النطقية الكونية العظمى المؤجله او الفناء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• للضرورة وجدنا ان نوقف سلسلة " المنطقة ونهاية الايديلوجيا والتشبهية الابراهيمة" موقتا، وسنعود الى استكمالها.