كيف تسود فكر القاهر ويسيطر..؟
امال الحسين
2025 / 3 / 8 - 00:51
أغلب الناس يحبون من يقهرهم، ولا يحترمون من يتعاطف معهم، وهذا الميل إلى القوي يكون بدافع الاعتقاد بوجود من يستطيع الدفاع عنهم، وأن من يحترمهم لن يستطيع الدفاع عنهم، القهر موجود مسبقا في المجتمع، وقاهر الناس اليوم هو المدافع عنهم بالأمس ضد المقهور لهم، وإن تعاطف وتواضع معهم لن يحترموه، لأنهم يعتقدون أن تعامله ذاك ناتج عن ضعفه، هكذا يبحثون عمن يقهرهم بحثا عمن يملك القوة، كل المقهورين في الأصل ضعاف ماديا ومعنويا، ذلك ما يجعل القاهر يسود إلى حين وجود من يقهره، ليلتف حوله المقهورون التماسا للاحتماء بقوته القاهرة.
السيطرة إشكالية معقدة، نمت خلال القهر المستشري في العالم عبر تعاقب الحضارت، التي يتم فيها سيطرة الحضارة القاهرة، واعتبار تاريخها كله بطولات على حساب قهر الحضارات الأخرى، يواكب ذلك حروب وسفك دماء المقهورين، ويصبح الخوف سائدا في المجتمع، ولا غرابة أن ترى الناس يركدون وراء القاهر لعدو مفترض، في نفس الوقت الذي يغضون الطرف عن قهره لهم، عاجزين عن الدافاع عن أنفسهم من قاهرهم، وهو لا يملك إلا قوتهم التي سيطر عليها، مستعملا في ذلك الضعفاء من بينهم، يمنحهم موقع قوة في المجتمع للدافع عنه، لتمرير خطابه والوصول لأهدافه عبر قوتهم، وبذلك يملك الجاه والمال مستغلا قوة عمل باقي المقهورين، يصرف قسطا منها على سلطته والقسط الأكبر على رفاهيته وقليلا منها لبقائهم على قيد الحياة.
القاهر إنسان ضعيف بذاته، لا يمكنه التنازل عن السلطة حتى لا يفقد مصالحه خدمة لذاته، يستعمل أسلوب الهجوم في تعامله مع المقهورين، ولا يترك لهم مجالا للتفكير والتعبير، يشغلهم بما لا يعود عليهم بالنفع، حتى يلهيهم عن الوعي بممارساته غير العادلة، مستعملا في ذلك السيطرة على المعتقد السائد في المجتمع، مسخرا إياه في تحريفهم عن حقيقته القاهرة لهم، لذلك تراه متشبثا بديانتهم يقيم شعائرها، ولا يقبل المس بها من طرف أي كان، حتى يعتقد المقهور أنه المعبود في الأرض، ويتحول في ذهن المقهورين إلى صنم فكري يلاحقهم في يقظتهم ومنامهم، لا يفارقهم في حياتهم اليومية، لهذا تراهم لما يموت يحزنون ويشيعونه بالبكاء، ويصنعون له ضريحا يفكرهم بقوته، وهي ليست إلا نتيجة سلب قوتهم.
لما يكون القهر سائدا في المجتمع، يكثر المقهورون، ويتحولون إلى قوة قاهرة في يد القاهر، مما يسهّل عليه تمرير أفكاره، وخلق أتباع له من بينهم يحملون رسائله، ينشرونها في مجتمع المقهورين، وهم يشكلون قوة بيده تسيطر على المجتمع، وكل من حاول نشر فكرة مضادة تكشف سر القاهر، يتهمونه بالزندقة والشعوذة والسحر، ويصبح مستهدفا من طرف أتباع القاهر، يصنعون حوله إشاعات، حتى يبعدوا معشر المقهورين حوله، خوفا من انتشار الوعي بفساد أفكار القاهر وأهدافه، وتراه يصرخ في وجه كل من حاول معارضته خطأ أو عن سابق إصرار، ولكونه ضعيفا في ذاتها، لا يستطيع المواجه وقتا طولا، خوفا من كشف ضعفه أمام المقهورين.
ويسقط القاهر لما يكتشف المقهورون سر قهره لهم، لما تنتشر أفكار معارضيه، وتتسلل إلى فكرهم، وتصبح قوة قاهرة جديدة، تقف في وجه القاهر، وتتغلغل في المجتمع، وتسود منافسة القوة القاهره القديمة، وحيث الإنسان يسعى دوما إلى الجديد من الأفكار، تصبح أفكار قاهرهم قديمة وجب تغييرها، وينشب الصراع بين الفكر المتحرر من القديم المتخلف والمتشبث بالسيطرة القديمة، ويتنامى الصراع بين القوة المادية الجديدة والقديمة، لكن الفكرة وحدها لا تكفي في التغيير، فلا بد لها من قوة جماهيرية قادرة على بلورتها ماديا في الواقع الموضوعي، هكذا يظهر الزعماء في المجتمع، الواعون بذاتهم ولذاتهم، يشكلون كتلة تجابه قوة القاهر الذي يحاول احتواءهم، بهدف اجتثاث قوتهم حتى يسهل هزمهم، محاولا استقطاب الجهة الضعيفة في الكتلة بشتى أشكال الاستلاب، من الترغيب إلى الترهيب.
في المجتمع لا تسود أفكار القاهر عفويا، إنما يتم ذلك بشكل منظم ماديا ومعنويا، وبأدوات وآليات مادية تشمل كل مناحي الحركة الاجتماعية، المادية منها بالخصوص أي التي تمس عملية الإنتاج، حيث لا مجتمع بدون إنتاج، حتى يتم ضبط الإنتاج بقوانين صارمة، تتخذ من فكر القاهر مرجعا، يتم بلورته بشتى أساليب السيطرة والهيمنة المادية والمعنوية، عبر أجهزة الدولة وهي أقصى أدوات القمع، حتى يسود فكر القاهر خدمة لذاته، وتبرز أهدافه في بلورة السياسة الطبقية التي ينهجها، وتتشكل كتلته كطبقة منفصلة على باقي الطبقات الاجتماعية، تسيطر على السلطة والثروات باسم الدفاع عن الوطن ووحدته، ضد الأعداء المفترضين بالداخل والخارج، وتسخر لتحقيق ذلك أجهزة الدولة/أدوات القمع، التي تسخرها الطبقة الحاكمة وعلى رأسها القاهر المسيطر على السلطة.