نقد منصور حكمت والأحزاب اليسارية وعي متأخر أم تصفية حساب؟


قاسم علي فنجان
2025 / 3 / 6 - 02:31     

نشر الصديق العزيز فلاح علوان مقالا لم يحدد عدد حلقاته، فقد اكتفى بحلقتين فقط، مقالته جاءت تحت عنوان "قبل عام من الآن"، وهي عبارة عن جزء من ذكريات له في العمل النقابي ومسيرة الحركة العمالية، والصديق العزيز فلاح معروف بعمله داخل الأوساط العمالية، كشخص نقابي محترف، رغم انسحابه أو لنقل انعزاله عن الحركة في الفترة الأخيرة، لأسباب كثيرة هو أدري بها.

في بداية مقالته "قبل عام من الآن" يقول:

" إن الظهور الواسع للحركة العمالية اليوم في العراق، وتجاوز المطلبية المقتصرة على المستحقات، والوقوف بوجه السياسيات الإقتصادية ورفع شعارات تطالب بالمساواة بين الموظفين في سلم الرواتب، مع غياب الحركات او الأحزاب العمالية، هو مؤشر على عدم إرتباط هذه المنظمات بالحركة، وإن هذه المنظمات تقف بمعزل عن الصراع الطبقي والنضال الطبقي. وقد كشفت الحركة العمالية الدائرة منذ بضعة سنوات هذه الحقيقة بوضوح. إن السبب في ضعف اليسار أو الأحزاب العمالية وإبتعادها عن الحركة لا يعود الى نواقص تنظيمية أو قلة كوادر وما الى ذلك، ولا يعود كذلك الى نقص خبرات المنظمات اليسارية في مجال قيادة النضال العمالي المباشر. لقد أثبتت الوقائع إن ضعف اليسار يكمن في "برجوازيـ"ته".

كالعادة، فلا جديد تحت الشمس في منطق فلاح علوان؛ فشل الحركة العمالية هو بسبب غياب الحركات والأحزاب السياسية العمالية! هو ذا المنطق الذي يكرره فلاح دائما، خصوصا بعد اعتزاله العمل السياسي والحزبي؛ انه جوهر مقالته في جزؤها الأول؛ لكن لنتفحص هذا المنطق:
الفيلسوف الإنكليزي جون لوك 1632-1704، في مقالته "في الفهم البشري" افترض ان الذهن ورقة بيضاء خالية من أي أحرف، ومن دون أية أفكار، فكيف تراه يزود بها؟

ونحن سنفترض اننا بدون ذاكرة امام ما يقوله العزيز فلاح، وسنعتمد على منطق الاحداث التي يذكرنا بها فلاح نفسه، أي سيكون هو الذاكرة في صفحة ادمغتنا البيضاء هذه.

يقول العزيز فلاح:

" قبل عام من الآن عقد جمع من النقابيين مؤتمراُ رفع شعار " التصدي للخصخصة والسياسات الرأسمالية وسيلة الطبقة العاملة لتحقيق أهدافها ومصالحها" وقد كانت على ما يبدو، المرة الأولى التي يرفع فيها نقابيون شعاراً يتصدى صراحة للسياسات الإقتصادية للحكومة، بهذا الوضوح وهذه المباشرة".

طيب، لنسأل من هم النقابيون الذين خطوا هذا الشعار؟ وأين يا ترى عقد هذا المؤتمر؟ ومن جمع العمال والقادة العماليين؟ وقطعا لا نريد ان نسأل من اين جرى تمويله؟ كان يجب ان يقول لنا فلاح شيئا عن ذلك، حتى نستطيع ان نقول ان منطقه صحيح او غير صحيح من ان ضعف اليسار والأحزاب العمالية كانا سببا في ضعف الحركة العمالية.

شعار كهذا متقدم جدا، لا يمكن ان يخطه او يفكر فيه من نعرفهم و-يعرفهم فلاح- من الحركة العمالية، اغلب القادة العماليين ذوي توجهات دينية-طائفية، عندما تتحدث مع أحدهم تكتشف ذلك، وهم "محبوبين" بين العمال على ذلك الأساس، حتى انهم دائما يرفعوا صور "السيد القائد" و "السيستاني" في مظاهرات عمالية بحتة، ويرددون القول ان حل قضاياهم العمالية المطلبية هو بتشكيل وفد عمالي للذهاب الى هذا السيد او ذاك المرجع الديني؛ لغة مثل "الطبقة، الخصخصة، الرأسمالية، النيوليبرالية" غريبة عليهم، بل لا يستخدموها.

ثم ما هي الوقائع التي اثبتت بورجوازية الأحزاب العمالية؟ كان الاجدر بفلاح ان يذكر لنا اية واقعة تثبت لنا النفس البورجوازي داخل الأحزاب العمالية؛ ثم انه لم يذكر لنا من هي تلك الأحزاب العمالية ذات الطابع البورجوازي؛ وكيف كشفت الحركة العمالية عن ذلك؟

أسئلة كان على العزيز فلاح ان يجيب عليها، ولا يكتفي فقط بإلقاء اللوم على الأحزاب العمالية، وكأن الحركة النقابية والعمالية هي بأفضل حالاتها، بل كأنها متقدمة على تلك الأحزاب، مع ان الواقع يشير الى غير ذلك.

حركتا سلم الرواتب وهيكلة شركات وزارة الصناعة هما الان تتصدران المشهد العمالي، لكن هل للنقابات العمالية دور يذكر فيها؟ أي متابع لهذه الحركات يقول ان دورها هامشي جدا، يكاد لا يشعر به أحد، وان وجد، فيقف خلفه اشخاص وقوى عمالية. اما من يقود المشهد العمالي، خصوصا حركة سلم الرواتب، فأن التيار الصدري هو من يسيطر سيطرة تامة على تلك الحركة، نلمس ذلك من خلال التظاهرات التي يرفع فيها صور مقتدى الصدر، وتردد فيها الشعارات الصدرية؛ فعن اية بورجوازية تتحدث صديقي العزيز؟

يقول العزيز فلاح في نهاية الجزء الأول من مقالته ما نصه:

" إن ما يقوم به العاملون في القطاع العام خلال السنوات الماضية، يشكل من حيث مضمونه نضالاً طبقياً متقدماً، فهو يمثل لحظة الصدام بين الطبقة العاملة وسياسة رأس المال في شكل النهج النيوليبرالي الذي تنتهجه الحكومة كجزء من السياسة العالمية للرأسمالية. إنه نضال يحمل في طياته نواة اشتراكية، وإن لم تكن قد تبلورت بشكل تيار واضح. ومن جانب آخر فإن الطابع الإشتراكي لهذا النضال غير مرتبط، ولا حتى قريب من تصورات ونفوذ المجاميع والأحزاب اليسارية في العراق".

في علم النفس هناك عملية نفسية يطلقون عليها "الاسقاط"، وتعد احدى اليات الدفاع عن النفس؛ نحن سنأخذ هذه العملية ولكن من جانب سياسي وليس نفسي، فالصديق فلاح كأنه يتخيل او يعيش في فترات تاريخية محددة، كانت فيها الطبقة العاملة قوية وتقتحم السماء، انه يقرأ عن العمال في بتروغراد 1917، وألمانيا 1918، او أيام غرامشي، فيسقط تلك الوقائع العمالية ولغتها على واقعنا العمالي الحاضر، فيتخيل وجود قيادات عمالية بمستوى لينين و روزا وتروتسكي وغيرهم؛ لكنه يمضي ابعد من ذلك بالقول "يحمل في طياته نواة اشتراكية"! ولا نعرف ما هي تلك الاشتراكية التي حملها عمال خافوا على أوضاعهم المعيشية فهبوا منتفضين في لحظة ما وانتهت تلك الهبة؟ لم تتطور ولا نعتقد انها ستتطور؛ ثم كيف تحمل حركة عمالية عفوية لا تقودها أحزاب سياسية اشتراكية، بل وبعيدة عنها حسب منطق فلاح، كيف تحمل نواة اشتراكية؟ كل عمال القطاع العام، ومن اشتراكنا في بعض من مسيراتهم واحتجاجاتهم كانوا يرددون القول: "عمي احنا نريد الدولة تملك المعامل"؛ هذا هو المنطق الذي يتردد بينهم، فهل هناك نواة اشتراكية ام رأسمالية الدولة؟

الصديق العزيز فلاح يريد دائما الغاء النضال السياسي -الحزبي- التنظيمي، ويرفع من شأن النقابية، وهذه السياسة عكسها في جميع مقالاته وممارساته، مع انه-فلاح- كان يوصي بقراءة كتاب لينين "ما العمل"، وفيه ميز لينين بين ثلاثة اشكال أساسية من النضال البروليتاري:
"النضال الاقتصادي، النضال السياسي، النضال الأيديولوجي"؛ لكن يبدو ان الصديق العزيز فلاح تناسى او حذف تلك الاشكال النضالية، ورفع فقط من شأن النقابية، بحجة ان الأحزاب اليسارية غير مرتبطة بالحركة العمالية.

يتبع لطفا للجزء الأخير....