المقدسات والشرك بالله - غافر
طلعت خيري
2025 / 2 / 7 - 09:49
أضاعت الأديان السياسية باعتقاداتها المشبوهة ، ثقافة الكتب المنزلة كالتوراة والإنجيل والقران ، فضاع معها الإيمان بالله واليوم الأخر ، مستبدلة إياها بنصوص تاريخية تراثية نسبتها ، إما الى الأنبياء والرسل ، وإما الى مآثر الآباء ، وإما الى شخصيات سلفية تاريخية حكمت الطائفة في فترة ما، فلكل فكر أو ثقافة جديدة مستحدثة انعكاسات على الاعتقاد والإيمان والسلوك ، ذلك مما ساهم في انتزاع قيم ومبادئ الدين الحنيف من وعي المجتمعات ، لتحل محلها اعتقادات سياسية رغبوية ، أزالت المخاوف عن الخطيئة بخرافات مقدسة لعبت دورا بارزا في نشر اللاوعي والتخلف المستديم ، قلنا في المقالة السابقة أثنى الله على موسى وعلى بني إسرائيل لصبرهم على قمع واضطهاد فرعون ، فمن ثماره أنهم ورثوا كتاب موسى ، ولما انزل الله نسخة منه في القران وجد محمد ان معظم مبادئه قد اختفت من ثقافة بني إسرائيل واستبدلت بنصوص تدعو الى التكالب الدنيوي على المقدسات ، فدخل التنزيل في حوار عقائدي مع منظري الدين السياسي محاولة منه إعادة البعث والنشور الى وعي المجتمع الإسرائيلي ، فقال ان الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ، لا يؤمنون بالبعث والنشور
إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ{59}
اعتقادات سياسية متنوعة بلورها الدين السياسي لبني إسرائيل في مجتمعه ، عوضنا عن عقائد الكتب المنزلة ، أباحت الملذات وكفرت الخطيئة دون الرجوع الى الله ، كما جعلت للشريك هيمنة على مفاصل الحياة ، ليستحوذ على المسخرات السماوية والأرضية التي تتحكم بمصادر الرزق والكسب ، حتى اعتقد المجتمع ان الرزق والسعادة والإنجاب والتوفيق هو بفضل الشريك مع الله ، فترهم في استعانة واستغاثة ودعاء مستمر له ، طالبين منه التوفيق في العمل والسفر والمضاربة التجارية والزيارات والمناسبات ، صحح التنزيل تلك السيكولوجية المتعارضة مع الإيمان بالله واليوم الأخر ، فقال وقال ربكم ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ{60}
ان بقاء المسخرات السماوية والأرضية لله وحده لن يستفد منها منظري الأديان بشكل عام ، فلا بد من ابتكار ديناميكية نفعية تتنزعها من الله لتعطى للشريك المادي ، وباسمه تتم الهيمنة الاقتصادية على الأنشطة المعيشية المختلفة ، دخل التنزيل في حوار عقائدي مع منظري الدين السياسي لبني إسرائيل لإزالة تدخل الشريك في الظواهر الكونية والمسخرات السماوية والأرضية التي تساهم في استقرار الحياة على الأرض، منها الرزق فالرزق هي الأنشطة المعيشية المختلفة التي توفر دخلا للفرد ينفق منه على احتياجاته اليومية ، استعاد الله عقائديا مسخراته السماوية والأرضية من سطوة الوثنية والدين السياسي فقال
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ{61} ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ{62} كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ{63} اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاء بِنَاء وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ{64}
تفتقد الآلهة بكل مسميتها الاعتقادية الى الحياة الأزلية القيومية، لأن عبادتها تشير الى الماضي ،ولما كشف الله ماهيتها الغيبية على لسان الأنبياء والرسول ، أيقنت الشعوب بأنها صناعة بشرية شيطانية تستقطب الرافضين للإيمان بالله واليوم الأخر ، فالذي جعلها مؤثرة في حياة الشعوب والمجتمعات تلبيتها الرغبوية للحريات الشخصية أولا ، وثانيا لارتباطها بالنشاط المعيشي الذي تجدده المسخرات السماوية والأرضية سنويا أو فصليا ، ولكي يحقق الشياطين وجودها المادي جعلوا لها نصب وتماثيل على الأرض ، وبنفس الأسلوب بلور الدين السياسي وثنيته عبر السنن التي ألفها شياطين الأديان حول الأنبياء والرسل والسلف ، مقسمين المجتمعات الى طوائف دينية متناحرة سياسيا على المصالح الاقتصادية ، فالسنن التراثية هي قراءة فلسفية لتوجهات الشعوب المتدينة ورغبتها بإعادة أمجاد الماضي المقدس ، ولقد ظهرت الوثنية في الدين السياسي لبني إسرائيل نتيجة لتأليف القصص الكاذبة حول موسى والمقدسات ، فكانوا يدعون إليها أكثر مما يدعون الى الله ، قال الله هو الحي لا اله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين ، فالإخلاص لله لا يكتمل بشراكة المقدسات الحمد لله رب العالمين ، البعد السياسي الديني من الجدال بآيات الله لإقناع محمد بان التراث الموسوي أو التوراتي اصح مما جاء به القران ، رد الله عليهم ، قل يا محمد أني نهيت ان اعبد الذين تدعون من دون الله شياطين الدين السياسي لما جاءني البينات من ربي وأمرت ان اسلم لرب العالمين
هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{65} قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ{66}
اطلع الله الوثنية والدين السياسي على البداية الأولى لخلق الإنسان والنشأة البيولوجية التي كونته والتغيرات البنيوية التي تطرأ على نموه الجسدي فقال
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ{67} هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ{68}