تطور الرواية الإنجليزية عبر العصور

أميمة البقالي
(Oumaima Elbakkali)

الحوار المتمدن-العدد: 8245 - 2025 / 2 / 6 - 00:48
المحور: الادب والفن
    

الرواية الإنجليزية تعد من أبرز الأشكال الأدبية التي شهدت تطورًا كبيرًا عبر العصور، إذ انتقلت من السرد التقليدي في القرن الثامن عشر إلى أساليب أكثر تعقيدًا في القرن العشرين وما بعده. عكست الروايات المختلفة التطورات الاجتماعية، والثقافية، والفكرية التي شهدها المجتمع الإنجليزي، مما جعلها وسيلة فعالة لنقل الأفكار والمفاهيم عبر الأجيال. في هذه المقالة، سنستعرض مراحل تطور الرواية الإنجليزية وأهم الروائيين الذين ساهموا في تشكيلها.

البدايات: القرن الثامن عشر وبروز الشكل الروائي

بدأت الرواية الإنجليزية بشكلها الحديث في القرن الثامن عشر، حيث اعتمدت على السرد الواقعي أكثر من الاعتماد على الحكايات الخرافية أو الأساطير. كان دانيال ديفو واحدًا من أوائل الروائيين الإنجليز الذين أرسوا دعائم الرواية الواقعية من خلال عمله الشهير روبنسون كروزو (1719)، الذي تناول قصة رجل ينجو من الغرق ويضطر إلى العيش وحيدًا في جزيرة نائية، مستكشفًا قدرة الإنسان على التكيف مع الطبيعة.

أما صامويل ريتشاردسون، فقد أحدث ثورة في أسلوب السرد من خلال استخدام تقنية الرسائل في رواياته، مثل باميلا (1740)، التي قدمت منظورًا نفسيًا جديدًا للشخصيات من خلال الرسائل المتبادلة بين الأبطال. من جانبه، قدّم هنري فيلدينغ روايات ذات طابع ساخر وكوميدي مثل توم جونز (1749)، حيث اعتمد على الوصف الدقيق للمجتمع الإنجليزي بأسلوب مليء بالحيوية والمرح.

القرن التاسع عشر: العصر الذهبي للرواية الإنجليزية

يعد القرن التاسع عشر العصر الذهبي للرواية الإنجليزية، إذ شهد بروز عدد من الروائيين العظام الذين أثروا الأدب بشكل لا مثيل له. كانت الرواية في هذا العصر تتميز بالتركيز على التفاصيل الواقعية، والاهتمام بالطبقات الاجتماعية، والتحليل العميق للشخصيات.

تشارلز ديكنز هو أحد أبرز كتاب هذه الفترة، حيث قدم أعمالًا خالدة مثل أوليفر تويست (1838) وقصة مدينتين (1859)، والتي تناولت قضايا الفقر والظلم الاجتماعي بطريقة درامية مؤثرة. تميزت كتاباته بالوصف الدقيق للحياة في لندن، وبشخصياته القوية التي تعكس التفاوت الطبقي.

أما جين أوستن، فقد ركزت على الطبقة الأرستقراطية وعلاقات الحب والزواج في رواياتها، مثل كبرياء وتحامل (1813) وإيما (1815)، حيث استخدمت أسلوب السخرية اللطيف لإبراز التحديات التي تواجه المرأة في مجتمع يقيّد حريتها.

وفي أواخر القرن التاسع عشر، ظهر توماس هاردي برواياته التي تمزج بين الواقعية والتشاؤم، مثل تس أوف ذا دي أوربريفيلز (1891)، والتي تتناول الظلم الاجتماعي وتأثير القدر على مصير الإنسان.

القرن العشرون: التجديد والتجريب في السرد الروائي

شهد القرن العشرون تطورات هائلة في أسلوب الرواية، حيث بدأ الكتّاب في استخدام تقنيات جديدة مثل تيار الوعي والتجريب في السرد.

فرجينيا وولف كانت واحدة من أهم الروائيات في هذه الفترة، إذ استخدمت أسلوب تيار الوعي في رواياتها مثل إلى المنارة (1927)، حيث تعمقت في النفس البشرية وقدمت رؤية فلسفية للعالم الداخلي للشخصيات.

من جهته، قدّم جيمس جويس تجربة روائية فريدة من خلال روايته يوليسيس (1922)، التي استندت إلى تيار الوعي وأساليب السرد المعقدة، ما جعلها واحدة من أعظم الأعمال الأدبية في القرن العشرين.

أما جورج أورويل، فقد استخدم الرواية كوسيلة لنقد الأنظمة السياسية، كما في 1984 (1949) التي تصوّر مستقبلًا ديستوبيًا يتميز بالرقابة القمعية.

القرن الواحد والعشرون: التعددية والانفتاح على العالم

مع تطور التكنولوجيا والعولمة، أصبحت الرواية الإنجليزية أكثر تنوعًا من حيث الموضوعات والأساليب السردية. برزت روايات تعالج قضايا الهوية، والهجرة، والعنصرية، مثل أعمال كازوو إيشيغورو (لا تدعني أذهب أبدًا - 2005)، التي تدمج بين الخيال العلمي والتأمل في الوجود الإنساني.

كذلك، نجد جي. ك. رولينغ، التي أحدثت ثورة في أدب الفانتازيا من خلال سلسلة هاري بوتر، التي أصبحت ظاهرة عالمية تجاوزت حدود الأدب التقليدي.


شهدت الرواية الإنجليزية تحولات كبيرة عبر العصور، حيث انتقلت من البساطة والواقعية إلى التعقيد والتجريب في السرد. كل مرحلة حملت طابعها الخاص وعكست تغيرات المجتمع الإنجليزي والعالمي. واليوم، تواصل الرواية الإنجليزية تطورها، محافظةً على مكانتها كأحد أهم الأشكال الأدبية في العالم.

#أميمة_البقالي (هاشتاغ)       Oumaima_Elbakkali#          

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل