ثمن الاغتراب القسري :الكانتونية السورية انموذجاً ..


مظهر محمد صالح
2025 / 1 / 1 - 02:47     

لابد من اثمان باتت تتطلب دفعها لاحياء العثمانية القديمة -الجديدة ،يوم تم قبول اكثر من 3 ملايين مهاجر سوري في بلاد الأناضول ، منذ تفكك النظام السوري داخليا في حرب اهلية طاحنة ، بما فيهم الخاضعين للحماية التركية المؤقتة داخل الشمال السوري ،لكي تجسد في كلياتها احياء احلام الامبراطورية العثمانية القديمة -الجديدة ،وعلى وفق حدود سوريا الشمالية في خرائط الشرق الاوسط الجديد .فالكل يقضم من سوريا وفي المقدمة تركيا التي حلت محل ايران باريحية مذهبية عالية على حساب تصفية الحسابات مع المشروع الايراني الذي واجه لوحده اسرائيل وتركيا والولايات المتحدة ، والرفض المذهبي السني الذي خلا بالغالب من وطنيته والاحتكام الى العامل القومي المذهبي .واخذ ينظر الى ايران والحكم العلوي على ان الاقلية الحاكمة تستعين بقوة مذهبية تنسجم و نظام الحكم الذي ضيق بدكتاتوريته الحزبية على مدار 53 عاما ليولد نظاماً لا ينسجم مع اللون المذهبي لغالبية الشعب.
وهنا ستدفع سوريا ثمن الاستبدال المذهبي بالتحول الى سوريا الكانتونية.
ان تاصل الدكتاتوريات في جسد انموذج الدولة - العائلة في انظمة سايكس بيكو لغاية القرن الحادي والعشرين ليحل محل الدولة-الامة ، وتغريب مكونات الشعب الواحد الذي ارسى استقلاله على فكرة تلك الدولة- القومية خلال القرن العشرين ، لم يتح لتفكك البلاد الاثني والطائفي سوى كانتونات مستوردة لمبادئ الحرية والديمقراطية لمواطنيها ممن عاشوا في المنافي باغتراب ملون كلاجئين او مواطنين من الدرجة الثانية بلا شك.
وهنا يقول المفكر الكبير في الاجتماع السياسي الدكتور مزهر الخفاجي في بحث مهم عنوانه: العرب…. وسوريا هل ربحنا الحرية وخسرنا الدولة..؟
قائلاً:
((وهــــــل صــــــحيح انــــــنا فــــــي تــــــغيير الانــــــظمة وفق الانــــــموذج
السوري قد ربحنا الشعب وخسرنا الدولة؟.
تُــــرى كــــم دولــــة سنخســــر وفق فــــريــــة الحــــريــــة هــــذه وكــــم دم
ســــيس ُ ال وهــــل انــــتقلنا مــــن تجــــربــــة الــــحكومــــات الــــوطــــنية
الـــغاشـــمة الـــى احـــتلالات مـــغلفة بـــملابـــس حـــقوق الانـــسان
وحرية المكونات وحرية المرأة !!!!!!!!؟؟؟؟؟؟؟.
وهـل ان الـعرب وسـوريـا سيسـتبدلـون احـتلالات بـأحـتلالات
جـديـدة ..وهـل صـحيح ان مـايـعيشه الـعرب الأن سـببه خـيانـة حـــكومـــاتـــهم لـــشعوبـــهم ودولـــهم ..بعد ان قبلت ان تـــعيش مـــرحـــلة
انتداب ووصاية واحتلال من نوع جديد .
نــعم ، ربــح الــشعب الــسوري حــريــته ..لــكن فــي ذات الــوقــت
خسروا دولتهم…))

وهكذا فبعد ان قادت الدكتاتورية العربية بلدان الشرق لنصف قرن على قاعدة سايكس بيكو ،و سقوط نظام الدولة- الامة الذي استبدل بالدولة- العائلة ،ستولد انماطا جديدة من الحريات والديمقراطيات التي ولدها اغتراب مكونات الشعب الواحد في المهجر لسنوات بعيدة من التشرد وقبول المواطنية من الدرجة الثانية، لتستنسخ تجربة سياسية في الداخل تحمل هموم مغتربي الشعب في الخارج .انها ايديولوجيات ملونة موجهه نحو الكانتونات القائمة تحديدا … وهي ظاهرة سياسية خطيرة في تسليط مجتمع الاغتراب لاقامة نظام سياسي توافقي جديد لما بعد سايكس بيكو . وهنا الاغتراب حتى بتقاطعاته مع دول اللجوء او بالولاء لها… فانها ستولد كانتانوات باديولوجيات تحمل عقائد الحرية والديمقراطية من بلدان اللجوء وهي محصنة بعُعد الاضطهاد المزدوج ، ولكنها لن تولد الا نظاما سياسيا منقلب الاغتراب او مقلوب الاغتراب Reversed Alienation كنمط سياسي سالب يتعاطى ادارة الدولة والمجتمع .
فهكذا مجتمع سياسي سيكون بعقد اجتماعي مجرد من فكرة الدولة - الامة وانه محض مالك متعدد الاهواء والجنسيات الذهنية والدينية لادارة شركة خاسرة اسمها الوطن الواحد الذي فككتة الديكتاتورية وجمعت اجزائه (تكسيرا) القوى مقلوبة الاغتراب عبر ادارة كانتونية منقلبة ستبقى مغتربة .
يقول البروفيسور ديڤيد ميلر… David Miller أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة برستول في بريطانيا:
((في حين أنّ داعش صارت ترتدي البدلات الرسميّة، وتطلق يد الولايات المتحدة لتقسيم سوريا، وتبشّر بالسّلام مع الكيان الصهيوني، وترحب بإنشاء أسواقٍ حرّة، وتبرم صفقات الغاز مع رعاتها الإقليميين، وفقًا للخطة المرسومة بالضبط، فإنّ "المؤمنين الحقيقيّين" في الشتات السّني لم يدركوا بعد أنّهم قد بيعوا.
يضحك في سرّهم مخططو هذه الحرب، من دول حلف شمال الأطلسي الذين أرسلوا الشباب السّلفيين من مختلف أنحاء العالم إلى مفرمة اللّحم، لقاء رواتب (2000 دولار للشخص) ليست أكثر من ذرّة رملٍ مقارنةً بالثّروات المتوقع أن تجنيها تركيا و”إسرائيل“ وغيرهما، من الغاز وقطاع البناء لإعادة الإعمار.
لقد احتلوا فلسطين من أجل هذا الهدف، وسوف يقضون الثلاثين عامًا القادمة في تبرير ما يفعلونه من نهب لثروات سوريا، باعتماد سياسة ترويجيّة تتولاها شركات ضخمة استأجرها حلف شمال الأطلسي ودول الخليج لهذا الغرض...
إنّ عمليّة تغيير النظام السوري هي أكبر عمليّة نهبٍ في هذا القرن.))

واخيراً ، مايراه المفكر السياسي الكبير ابراهيم العبادي في مقاله المنشور بعنوان :المشروع التركي في المنطقة !
قائلاً ((بتراجع المشروع الايراني بقوة بعد نكبة 7 اكتوبر ومضاعفاتها ،تجد تركيا ان مجالها الحيوي يتوسع بسهولة ،عبر رمزية اسلامية كثيفة وطموحات امبراطورية عصرانية لاتشاكل النموذج الامبراطوري الذي اطيح به في الحرب العالمية الاولى .
ستجد تركيا ماتبحث عنه خارج حدودها الجنوبية ،ساحة للاستثمار ونظام سياسي ومجال حيوي وعمق ستراتيجي ،ولذلك هي تستعجل ترسيم الحدود البحرية مع سوريا لان عينها على الغاز المغمور في المياه الاقليمية ،وهي مستعجلة للتخلص من الصداع القومي الكردي ،فهي تضغط على الاكراد لتسليم السلاح والتراجع عن حلمهم القومي او الدفن بالبلدوزر العسكري التركي الزاحف بقوة .
مايزعج تركيا هو مخاوف عدم الاستقرار في سوريا ورفض الاكراد التسليم للمطالب التركية ودعم الغرب شركاء تركيا في حلف الناتو للاكراد ،وخوف العرب من تغول تركي يحي خطابات الاسلام الاخواني ومشروعه السياسي ،السعودية والاردن ومصر والجزائر والامارات وتونس والعراق يعاينون بحذر مايجري في سوريا ،كما تسعى ايران وحلفائها الى عدم التسليم بالمتغير الستراتيجي في سوريا ،فيما تستمر اسرائيل في تعظيم مكاسبها الستراتيجية في المنطقة وهي تبدو غير قلقة مندالاسلام الاخواني وجبهته الجديدة الممتدة جغرافيا من اسطنبول الى دمشق ،انظمة الحكم والجماعات الاخوانية ليست مثل منافستها الشيعية تستعجل الصراع مع اسرائيل ،وتعلن بلا مواربة ،الصلاة في القدس مذهبا سياسيا وستراتيجية عملانية حتى لو كانت الكلفة الموت المقدس والاكتفاء بالنصر المعنوي رغم التضحيات الجسام ،الجماعات والحكومات الاسلامية السنية مستعدة للتطبيع مع اسرائيل دون تردد لان هدفها المركزي ليس الاصطدام بالمشروع الاسرائيلي او الامريكي ،بل تثبيت اركان الحكم والبناء الداخلي،اما تحرير القدس فمشروع لا عجلة فيه لانه بلا مردود سياسي او اقتصادي ولا حتى ايديولوجي .وبالحقيقة هو مشروع مؤجل يشذ عن ذلك حركات المقاومة الاسلامية الفلسطينية لانها معنية مباشرة بمشاغلة الاحتلال بسبب ضغوطه الهائلة…. ))
ختاما، تبقى الدولة- الامة هي الضمانة الحامية من لعبة الدولة - اللا-امة وبخلافه القبول بالدولة - الكانتونية ، اذ سيخضع الكانتون الواحد بلا ريب لارادة دولية يلونها الشرق الاوسط الجديد للحصول على مكاسب جيوسياسية ربما تؤسس سايكس بيكو كانتوني جديد،، فلننتظر قادم الايام ..!!