ذوبان الدولة-الامة في الدولة-العائلة..!! المسألة السورية


مظهر محمد صالح
2024 / 12 / 17 - 00:03     

1-يؤشر التاريخ السياسي لسوريا انه منذ قيام نظامها الاخير في العام 1963 انه قد ترك الخندق القومي العربي والتمثيل الوطني للشعب السوري المتعدد الاثنيات والاديان ليدخل تدريجياً بالخندق المرتكز على
الطائفة -العائلة Sect-family وهي خلاصة تحول النظام من الدولة الامة Nation - State الى الدولة- العائلة Family-State منتقلاً الى نمط او انموذج من الدكتاتورية التوريثية… وهو سياق شرقي استبدادي ماثله نظام صدام في العراق و الذي تبلور بدكتاتور ملفوف بعلّم القومية ولكن لم ينفك عن الطائفة-العائلة.
وهكذا فقدت سوريا مقومات تنوعها وتماسكها الديني والقومي ليستعين النظام بمعادلة خارجية استعاد فيها توازنه الاثني او المذهبي بمرور الوقت من خلال توليد تجانس بحكم الطائفة مع الجمهورية الإسلامية الايرانية على الاقل وعد نفوذ ايران في شرق المتوسط كوجود استراتيجي تجانسي ومصدر قوة وترزق لاستدامته ، فضلا عن كون اعتبار ذلك النفوذ رافعة ايديولوجية تحجج بها في اسناد قوته كثقل مذهبي ليعادل صراعات تفرده الدكتاتوري .
2-فعند نقطة افتراق السلطة هذه عن مكونات شعبها ولجوء الشعب الى الانسجام مع ما يماثله مذهبيا او اثنيا من الكيانات الدولية المحيطة وشتات العالم او الانعزال داخلياً ….بات الفرد السوري في اغتراب تدريجي مع سياسات الاسد الدكتاتورية ، على غرار ما باتت اكثرية الشعب العراقي في اغتراب عن صدام ونظامه ، لتصبح جماهيره مستقطبة (ملونة الاغتراب) مع الهيمنة الخارجية اي كان نوعها .
اذ يمكن ان نطلق على الهجرة السورية والولاءات السورية الى الخارج بظاهرة اللاغتراب الملون - Coloured de -alienation
او تذويب الاغتراب للتخفيف من غربة الوطن وقمعيات الاستبداد

3-لم نتفاجأ كيف تسارع الشعب السوري بقواه المشتتة نحو مرحلة حافة الفوضى Edge of Chaos والدخول من فوره في اول فرصة في حاضنة الانهيار السياسي Incubator of political collapse بعد ان اصبح التربص بالنظام غاية وطنية تخلصه من حالة اغترابه نحو الداخل ، .
لذا فان ما حصل في سوريا في 8 كانون الاول 2024 من عدم اكتراث الشعب لسقوط نظام (الدكتاتور- العائلة ) يماثل ما حصل في 9 نيسان 2003 في العراق.
فلامكان لدكتاتور يتلحف بالطائفة- العائلة على حساب مكونات الشعب والدولة- الامة ممن يسانده ويكون ظهيراً له.
فالنظام السوري كالنظام العراقي السابق كلاهما قد جردا الشعب من فكرة المواطنة والوطنية والدولة- الامة، ليدفع بانقسامات شعبه نحو حافة الهاوية سراعاً (ولشعب منقسم اثنيا ومذهبيا) اذ يطالب الكل بالحريات والحقوق ما دون الوطنية .
قد يختلف الوضع السوري عما حصل في العراق في ازالة الدكتاتورية- العائلة .
فالدكتاتورية التي انهارت في قلب الشام سراعا ً، ستشكل تغيرات مبهمة وقد تهيء المناخ الملائم لنظام كانتوني شرق أوسطي Middle Eastern Cantonese System يحقق الحلم الامبريالي القادم للمنطقة دون اية معاناة تذكر .
حيث تخضع سوريا اليوم لضغط احتلالي جيوبوليتيكي لثلاثة قوى دولية خطرة اثنتان منها اطلسية واسرائيل ، وبينهما روسيا التي لا قيمة ستراتيجية لوجودها العسكري ، وايران خارج حدود اللعبة الاستراتيجية كلية في الظرف الراهن .
4-مايمكن استنتاجه ، بعد ان فقدت سوريا خواص (الدولة -الامة )على مدار اكثر من نصف قرن ، سيكون مصيرها نظام مختلف عما حصل في العراق بعد العام 2003 وهو بناء
الدولة- الكانتونية
Canton-State
في سوريا الهجينة .
وبهذا الشان حذر المفكر السياسي العراقي الكبير ابراهيم العبادي في مقال مهم جاء بعنوان : الخاسرون والرابحون من الزلزال السوري
قائلاً (( …. لكننا ما زلنا في أول الطريق. وما شهده العراق بعيد سقوط نسخة البعث من إرهاب وعنف وتدخلات دولية وصراع متعدد الأطراف، يخشى من استنساخه في سوريا لتنطلق عفاريت التطرف والحرب الأهلية ودعوات التقسيم والمشاريع الطائفية. وكل هذه المخاطر ستظل كامنة حتى تتجاوز سوريا عنق الزجاجة.
وسيكون للدور العراقي أهمية كبرى في إبعاد خطر هذه الاحتمالات. فسياسة العراق إزاء سوريا ينبغي أن تحسب ألف حساب للسلم الأهلي السوري، لأن سلم العراق الداخلي مرتبط بسلم سوريا واستقرارها وشعور طوائفها وأقلياتها بالأمن والحضور في بنية السلطة والمشاركة في صنع السياسات.
الحدث السوري المزلزل سيكون اختبارًا للساسة والناشطين في العراق ليجسدوا مصلحة العراق من خلال إدارة لعبة التوازنات مع كل من إيران وتركيا والمحيط العربي والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، مع حسن إدارة التنوع المذهبي والعرقي والإثني، ولجم دعوات التطرف ورغبات الحروب الدينية المغلفة بشعار الولاء والبراء)).
5-ختاما، نرى انه عندما تخضع البلاد لحكم دكتاتور يتحول نظامه من الدولة- العائلة ويتقوقع على أساس الطائفة-العائلة، يخسر تنوع شعبه في مسارات الاغتراب دون اكتراث . ولكن يبقى السؤال الاهم انه بعد انهيار الدكتاتورية :من يلمم شتات الدولة - الامة في سوريا التي تشظت وجزء شعبها ..؟
ولاسيما بعد ان اخذت الدول المتحالفة المتداخلة على ارض سوريا
جيو سياسيا (علانية او ضمناً )مع اجزاء من مكونات الشعب السوري في كبح مجد سوريا في الدولة- الامة؟
فالقوى الدولية المتحالفة المتنافسة ستنتهي بتوافقية لبلوغ مشروع سورية - الكنتونية والدخول بمشروع الشرق الاوسط الجديد وهو امر يتوافق ومصالح القوى الاقليمية والدولية
والحاضنة الامبريالية التي تتطلع اليها الرغبة الاسرائيلية.