غياب الضمير والذهان السياسي الدكتاتوري.
مظهر محمد صالح
2024 / 9 / 11 - 16:16
اذا كان الاحساس الأخلاقي لدى الفرد بالصواب والخطأ هو الضمير ، فان اعلى درجات سلم الضمير هو (الضمير المؤكد ) والذي يعني غياب الشك تمامًا فيما إذا كان قرارنا جيدًا أم سيئًا.
ولكن بين (الضمير المشكوك) فيه الذي يحد من قدرتنا على الاختيار بين الخير والشر، وبين (الضمير الدقيق ) هو شديد الدقة والحذر فيما يتعلق بقراراتنا، يأتي (غياب الضمير ) وهي حالة من عدم التحكم في العواطف وعدم القدرة على تقييم المخاطر التي قد تترتب على موقف معين.
وهنا يشير عدم وجود الضمير إلى غياب الاهتمام بنتائج الافعال .
واشدها خطراً في عالم السياسة هو غياب الضمير المسمى : بالذهان السياسي الدكتاتوري dictatorial political psychosis
فهو حالة من الانفصال عن الواقع والتفكير السياسي المنحرف التي تصيب القادة أو الأنظمة الدكتاتورية، وتتميز بجنون العظمة سواء بالقمع، والهوس او بالسيطرة المطلقة على السلطة.
ففي هذا النوع من الذهان السياسي ، يعتقد القائد الاوحد أو النخبة الحاكمة أن سلطتهم لا تقبل التشكيك، وأنهم يمثلون الحقيقة المطلقة، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات قمعية وظالمة ضد المعارضة والشعب .
وان الذهان السياسي الدكتاتوري ينصرف تحديداً الى شخص الدكتاتور نفسه الذي يجمع بالاضافة الى فقدان الضمير ، الاعتلال الاجتماعي Sociopath وهو مصطلح يستخدم في وصف الدكتاتور بكونه بلا ضمير ويشعر بالكراهية أو يستحق الكراهية. والاسوء عندما يتزامن ذلك مع الاعتلال النفسي psychopath وهنا يكون الدكتاتور شخص معتل اجتماعيًا بشكل خطر، بكونه قاتل جماعي.
ان من ادق من تناول مفردة الضمير وبرقي فكري عالي هو المفكر السياسي العراقي حسين العادلي عندما عرج على الضَّمِير بالقول:
• (ذِمَّة) المَرء بضَميرِه، وخَرِب الضَّمِير (مَنزوع) الذِّمَّة.
• ما نَفع الضَّمِير إن لم يكُن (بوصَلة)، وما نَفع النِّيَّة إن لم تكُن (فِعلا)!!
• (أحكُم) على نَقاء الفِطرَة بسَلامَة الضَّمِير، و(أحكُم) على سَلامَة الضَّمِير بِوَخز الضَّمِير، و(أحكُم) على وَخز الضَّمِير بإصلاحِ ما فَسَد.
• ثلاثة لا (تُراهِن) على ضَمائِرهم: النَّرجِسيّ والمُتَهَالِك والوَضيع.
• عَلامَات الضَّمِير (الحَيّ) الإكتِراث والعِناية والهَمّ، وعَلامَات الضَّمِير (المَيِّت) الإعرَاض والتَّغَافُل والانشِراح!!
• إذا استَيأَسَ (الرَّجاء)، لاذَ الضَّمِير بالعُزلَة.
• (النُّخبَة) ضَمِير الشَّعب، وإذا أردت أن تُدَمَّر شَعباً فَخَرِّب ضَمَائِر (نُخَبه) بالتَّجَاهُل.
• (أندَر) شَيءٍ في السِّياسَة الضَّمِير، و(أوفَر) شيءٍ في السِّياسَة القٍنَاع!!
وهنا يذكرنا المفكر العادلي بواحدة من نماذج (موت الضمير ) المتصل بالذهان السياسي الدكتاتوري dictatorial political psychosis
اذ عد بول بوت (Pol Pot) دكتاتور كمبوديا وزعيم حركة الخمير الحمر (Khmer Rouge)،الدكتاتور المسؤول عن واحدة من أبشع الفضائع الانسانية في القرن العشرين.
اذ حكم كمبوديا من العام 1975 إلى العام 1979، وخلال تلك الفترة، نفذ سياسات قمعية كارثية أدت إلى مقتل حوالي مليوني شخص، أي ما يقرب من ربع سكان البلاد في ذلك الوقت. وان واحدة من أشهر الجرائم التي ارتكبها نظام بول بوت هي “حقول القتل”، حيث تم إعدام مئات الآلاف من الأشخاص ودفنهم في مقابر جماعية. اذ كانت عمليات الإعدام تحدث في ظروف مرعبة باستخدام أدوات بدائية، يوم كانت الذخائر تعتبر ثمينة للغاية.
كان بول بوت وامثاله انموذج صارخ على الديكتاتور المصاب بالذهان السياسي، حيث دفعه جنون العظمة والخوف من المؤامرات إلى تنفيذ سياسات دموية دون النظر إلى العواقب الإنسانية .
والاخطر ما في الذهان السياسي الدكتاتوري هو مايسمى بالتطهير الداخلي، اذ لم يكن بول بوت يثق بأحد، حتى داخل نظامه. اذ انطوت سياسة التطهير الداخلي على إعدام العديد من أعضاء الخمير الحمر أنفسهم بسبب الشك في ولائهم، ما أدى إلى تزايد الأوضاع سوءاً داخل النظام
ختاماً ،مات بول بوت في سجنه في العام 1979 ليسجل نهاية حقبة دموية من (الذهان السياسي الدكتاتوري ) في بقعة سياسية داكنة من الجغرافيا السياسية في جنوب شرق اسيا ، كي يفتتح العراق في العام 1979 ابوابه بحمام من الدم ابتداءها الدكتاتور بمجزرة ظل اسمها قاعة الخلد ،ليولد (بول بوت ) جديد على لعبة شطرنج الذهان السياسي الدكتاتوري في غرب آسيا.