|
وتأخر المسيح عن موعده
سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 8068 - 2024 / 8 / 13 - 13:18
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أركيولوجيا العدم العقل المحاصر ٧ - المسيح المنتظر تأخر عن موعد ظهره
إن فكرة العدم واللاشيء تبدو من الأمور "اللامفكر فيها" في التراث الكوزمولوجي والفلسفي الإسلامي رغم ضرورة العدم لإثبات عملية الخلق كما وضحنا سابقا. ذلك أن فكرة دوام المادة وعدم قابليتها للفناء تبدو من الأفكار المستحيلة بالنسبة للعقول المحاصرة والمغلقة. ذلك " أن أظهر حقائق الوجود وأثبتها وأصحها هي وجود الله الخالق البارئ المصور، ولا يستطيع إنكار ذلك أو حتى الشك فيها عاقل منصف "، وجود الخالق يستلزم وجود المخلوق، وهذا المخلوق هو العالم أو المادة عموما، ولكي تكون مخلوقة فلابد أن تأتي من لا شيئ بقدرة "الله الخالق البارئ المصور". هذا هو المنطق الذي يسيطر على أغلب العقول المحاصرة في جميع مجالات الحياة المعاصرة، من المدارس إلى المساجد والمعابد إلى الأكاديميات والجامعات والمعامل والصحافة والأدب .. إلخ. ويستندون في إعتقادهم هذا على حجج هشة ومقلوبه رأسا على عقب، حيث القرآن هو الدليل على قدسية القرآن وهو الدليل على وجود الخالق والمبدع للكون. حيث يقول أحدهم مستندا إلى حديث رواه البخاري : وحسبنا في ذلك آية واحدة من كتاب الله، تكفي مريد الحق لرفع الشك والريب، فهذا جبير بن مطعم كان كافراً، فسمع النبي يقرأ سورة الطور فلما بلغ هذه الآية: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ. أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ. أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمْ الْمُسَيْطِرُونَ. قال: كاد قلبي أن يطير. . فكان سماعه لهذا الآيات الكريمات سبباً في إسلامه وهدايته، وكاد قلبه أن يطير من حسن هذا البيان وروعته، وفصاحته وبلاغته، ومن وضوح الحجة وسطوع الحق، فإن معناها: أم خلقوا من غير خالق، وذلك لا يجوز؛ فلا بد لهم من خالق، وإذا أنكروا الخالق فهم الخالقون لأنفسهم، وذلك في الفساد والبطلان أشد؛ لأن ما لا وجود له كيف يخلق؟ غير أن هذا المنطق المقلوب لا ينحصر في الفكر الإسلامي وحده، فهناك ما يقابله في الفكر الديني المسيحي واليهودي عدة قرون بعد ذلك. ففي القرن السابع عشر، ذكر الدكتور جون لايتفووت John Lightfoot المولود في مارس ١٦٠٢والمتوفي في ديسمبر ١٦٧٥، وهو قسيس إنجليزي ووكيل كلية سانت كاثرين في جامعة كامبردج Cambridge المعروفة، ومن أشهر علماء اللاهوت والعبرانيات في وقته، ذكر أن نتيجة أبحاثه المستفيضة في التوراة والإنجيل، الرسمية منها والغير رسمية، أدت به إلى القناعة بأن : " السماء والأرض والمحيط والمركز قد خلقن معا وفي وقت واحد؛ حيث كان الغمام الكثيف مشبعا بالماء، وأن هذا قد حدث، وكذلك خلق الإنسان بقدرة الثالوث الأقدس في ٢٣ أكتوبر سنة ٣٩٢٨ قبل الميلاد، في الساعة التاسعة صباحا "، ويبدو أنه للأمانة العلمية لم يذكر الدقيقة التي حدثت فيها عملية الخلق لأنه لم يكن على يقين من ذلك. وجون لايتفوت هذا حاول التوفيق بين الأساطير الرئيسية للتكوين la Genèse قائلاً إن " إن الله خلق من الحيوانات النقية سبعة من كل نوع، ثلاثة أزواج للتكاثر، والسابع ليقدمه آدم للتضحية بعد سقوطه وطرده من الجنة ، ومن الحيوانات النجسة تم خلق زوج واحد فقط ". ولايتفوت هذا ليس الأول ولا الأخير الذي تمكن من تحديد تاريخ خلق الكون والإنسان، ليس تقريبيا وإنما بطريقة دقيقة بالسنة واليوم والساعة. فهناك ما يسمى تسلسل أوشر الزمني The Ussher chronology وهو التسلسل الزمني لتاريخ العالم في القرن السابع عشر حسب القراءة الحرفية للعهد القديم من قبل جيمس أوشير James Ussher، رئيس أساقفة أرماغ في أيرلندا Armagh and Primate of All Ireland. يرتبط التسلسل الزمني أحيانًا بفكرة خلق الأرض من العدم والذي يرى أن الكون قد تم إنشاؤه قبل بضع آلاف من السنين فقط من قبل الله كما هو موضح في الفصلين الأولين من كتاب سفر التكوين. تم نشر هذا العمل باللاتينية تحت عنوان Annales Veteris Tastamenti في سنة ١٦٥٠، كان عمل أوشر مساهمه في النقاش اللاهوتي طويل الأمد بخصوص خلق الأرض، كان هذا مصدر قلق كبير للعديد من العلماء المسيحيين على مر القرون. يطلق على التسلسل الزمني أحيانًا اسم Ussher - Lightfoot chronology نظرا لأن لايتفوت، السابق الذكر، نشر تسلسل زمني مماثل في 1642-1644. ومع ذلك، فإن التسلسل الزمني المتكامل يعتمد على عمل Ussher وحده وليس عمل لايتفوت الذي يرى أن الكون والإنسان خلقا في نفس اللحظة. استنتج أوشر أن اليوم الأول من الخلق - خلق آدم ـ هو يوم ٢٢ أكتوبر سنة ٤٠٠٤ قبل الميلاد حسب تقويم جوليان. لا يختلف تاريخ Ussher الذي حدده في سنة ٤٠٠٤ قبل الميلاد سوى قليلاً عن التقديرات الأخرى القائمة على الكتاب المقدس، مثل تقدير جوزي بن حالافتا Jose Ben Halafta بحوالي ٣٧٦١ قبل الميلاد، و يوهان كبلر Johannes Kepler بسنة ٣٩٩٢ قبل الميلاد، وإسحاق نيوتن Isaac Newton نفسه بسنة ٤٠٠٠ قبل الميلاد. وتحديد سنة ٤٠٠٤ كتاريخ خلق آدم، مبني على حساب تاريخ خلق الأرض المفترض أنه حدث قبل ٥٦٠٠ سنه. ونتيجة حسابات أوشر المعقدة أدت به إلى إلى إعتبار أن ٢٠٠٠ سنة قد مرت منذ خلق آدم إلى ظهور إبراهيم، ثم ٢٠٠٠ سنة تفصل إبراهيم عن ميلاد المسيح، و١٦٠٠ سنة من المسيح إلى عصر أوشر الذي قام بهذا الحساب مستندا على الكتاب المقدس "يوم واحد مع الرب كألف سنة ، وألف سنة يوم واحد" (2 بطرس 3: 8). وحسب هذا التقليد، فإن المسيح سيعاود الظهور في سنة ٢٠٠٠ بعد الميلاد، ولكنه للأسف أو لحسن الحظ، لم يظهر هذا المسيح المنتظر رغم أن العديد من المسطولين كانوا يتوقعون ظهوره في العديد من الأماكن في كل القارات في بداية هذا القرن.
يتبع
#سعود_سالم (هاشتاغ)
Saoud_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
-
هل للكون بداية ونهاية ؟
-
العبث بين الدين والفن
-
بداية الخلق
-
بين التأمل والتجربة
-
بين الإحتمال واليقين
-
ساعة إينشتاين
-
حريق الظل الطويل
-
عن الأخلاق واللاهوت
-
الغرامشية اليمينية
-
الثقافة ضد الدكتاتورية
-
الثورة المضادة في فرنسا
-
الخطر الفاشي في فرنسا
-
القشور
-
لعبة الروليت الماكرونية
-
الفلسفة الأولى
-
ثقوب الوعي
-
عن الميتافيزيقا
-
الإنفصام
-
عن كون ولا كون الكائن
المزيد.....
-
-حقبته على وشك الانتهاء-.. أكاديمي إماراتي يعدد ما -يجب على
...
-
مصر.. نجيب ساويرس يُعلق على موقفه من هجمات -7 أكتوبر-
-
زلزال بقوة 5.8 درجة يضرب قبالة سواحل نيوزيلندا
-
مقتل سبعين شخصا ونزوح الآلاف إثر هجوم عصابات في هاييتي
-
الخارجية الروسية تعلق على فكرة عضوية أوكرانيا في الناتو
-
هل ستلتقين بوتين؟.. كامالا هاريس تجيب (فيديو)
-
خطة إسرائيلية لـ-حماس- ومخطط لـ-لغزة-!
-
روسيا تضع قوائم بأسماء المرتزقة الأجانب في أوكرانيا
-
الجيش الإسرائيلي يعلن عن اغتيال أحد قادة حزب الله باستهدافه
...
-
?? مباشر- عام على حرب غزة: نتنياهو يصر على القتال وسط تصاعد
...
المزيد.....
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
-
فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال
...
/ إدريس ولد القابلة
-
المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب
...
/ حسام الدين فياض
-
القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا
...
/ حسام الدين فياض
المزيد.....
|