رئيس السلطة التنفيذية .. بين بناء كيانه الخاص وبين شروط منصبه
علي عرمش شوكت
2024 / 5 / 28 - 14:23
كانت الحيرة تلف الطغمة الحاكمة بفعل فقدان الشخصية المناسبة لترأس السلطة التنفيذية بعد الانتخابات البرلمانية الاخيرة، التي اصاب نتائجها العطب الفاضح، من جراء تفجر لغم ما سمي" بالثلث المعطل " ، الذي ادى الى فوضى سياسية صاخبة قلبت الموازين في العملية السياسي المعلولة اصلاً ، وارست على قاعدة عارية مجردة واقفة على راسها، ولم تتوفر لها حتى ورقة التوت لتستر مسخرتها، والتي تمثلت باعتبار الفائز فاشلاً والعكس صحيحاً.. في ذلك المناخ الملبد بالكمائن المتناحرة .. طُرح اسم السيد محمد السوداني. وكان هذا الاسم يتميّز عن غيره من شخوص ذات المنظومة الحاكمة الفاشلة.. مع ان نسبة قبوله او رفضة كانت تؤشر الى الميل لصالحه عندما يذكر اسمه في الوسط الشعبي .
لقد استهل السيد السوداني عمل منصبه كرئيس لمجلس الوزراء بقوله : " انا مرشح الاطار التنسيقي " .. وان حكومته هي حكومة الاطار. واتساقاً مع هذه التصريحات التي جاءت في وسائل الاعلام، قول احد قادة " الاطار التنسيقي ": ( بان السوداني عبارة عن مدير في سلطتنا ولا يمكنه التصرف من دون موافقتنا ) . ومن ذلك الوقت وللان لم يصدر من السيد السوداني اعتراضاً اوتوضيحاً، بل غالباً ما كان يؤكد بانه مرشح الاطار التنسيقي، ويعزز ذلك عملياً بمواضبته على حضور اجتماعات الاطار..واذا ما دققنا في ايقاع عمله سنجده ونسمعه قد كرس عزفه على وتر تنفيذ القطاع الخدمي. يتخلله ميل الى التغاضي عن الاوليات الملّحة، التي تفرضها ما تقتضيه معيشة الناس المباشرة. فبدلاً من ان يهتم بالبطالة المتسعة والسكن غير اللائق بكرامة المواطنين كأولوية ملّحة ، ذهب ليبني مجسّرات. التي مع ضرورتها فهي لا تغني من فقر ولا تشبع من جوع.. وذلك ما يوحي الى انه يحاول ان يضع لبنات اولية لتأسيس مجداً له. بشواخص وصروح تنسب لفترة حكمه على مر الزمن، ولكي يمر هذا التوجه، ترك الامور السياسية الاخرى وبخاصة التي تتعلق بالمنهج الفكري والسياسي للاطار على ما يراد منه تفيذه.
اين سنتلمس المعطيات الاكثر دلالة على ذلك ؟ .. فثمة قرارات قد تغني المتابع معرفة. تمثلت بـ " عملية السلك " للقوانين الجدلية في مطبخ البرلمان الحالي الخالي من المعارضة، والتي لم تتوفر لها مقبولية ولم تُمرر في البرلمانات السابقة، لكونها مخالفة للدستور ولحقوق الانسان وللشرائع الدولية. مثل قانون حرية الرأي المجحف، وكذلك تعطيل اتفاق ائتلاف ادارة الدولة، الذي تشكلت حكومته بموجبه، وحتى محاولات المساس بقانون الاحوال المدنية لسنة 1959. واخيراً وليس اخراً قانون العطل الرسمية الشنيع الذي الغى العيد الوطني للدولة المتمثل بـ " 14 تموز 1958 " عيد تاسيس الجمهورية العراقية، وكذلك ابرام اتفاقيات اقتصادية وامنية مع بعض دول الجوار التي من المؤكد لن تحظى بقبول العراقيين لو عرضت عليهم، لكونها لم تقدم الضمانات الضرورية لمصالح البلاد. زد على ذلك تفرجه على عمليات نهب عقارات الدولة التي لم تسلم منها حتى عقارات المواطنين.
ان كل ما ذكرناه انفاً يتم وفق عملية مقايضة سياسية بين السيد السوداني وبين الاوساط التي كلفته بمقتضياتها، مما جعله يعوم على سطح ما يعتمل في منظومة الحكم. وهو كله شعور بانه يتحرك في بؤرة صراع مستتر متعدد الاطراف والمنصات. اذ انه يقف على ناصية طريقه بغية الوصول الى غايته، وهي بناء كيان سياسي خاص به منافس، في مواجهة قواعد اللعبة التي وضعته على راس السلطة التنفيذية . مدققاً بحساباته كما يبدو، فارزاً بين متطلبات بناء كيانه السياسي الخاص وبين دوام وجوده على منصة الرجل التنفيذي الاول، التي لها ثمن يتطلب ان يدفعه، ذلك الذي يقطع الطريق عليه، حيث لا مناص من الافلات عن شروط اتفاق الوصول للمنصب. مما يدفع بالضرورة الى حالة زراعة بلا حرث ولا مناخ مناسب. وهو المهندس الزراعي العارف قبل غيره بمواسم قطف الثمار.. الرؤية لحد الان تكتنفها العتمة المفتعلة مع انها لا تمتلك القدرة على الاستمرار طويلاً .