جلسة سرية


فوز حمزة
2024 / 5 / 25 - 12:28     

بيد مرتجفة، أغلق الباب عليه، شعر برهبة وقشعريرة جعلته ينتفض، فالظلام أمسى كثيفًا و لم يعد يتبين أي شيء، إلا بصعوبة، ثمة أنفاس من مكان مجاور، حملها الصمت إليه فشعر بقليل من الراحة وطرد فكرة الهرب التي راودته قبل سماعهِ صوتًا رخيمًا من خلف ألواح الخشب التي يقف داخلها:
- أسمعك يا بني، تكلم.
بصوت مرتجف رَّد:
- أبونا .. أنا .. أنا .. جئت لاعترف بخطيئتي!
لحظةُ صمت مرت بعدها قال القس:
- لا تهتم بني، كلنا نخطئ، والرب كفيل بمسامحتنا.
- أريد يا أبتي إصلاح الخطأ، هل تعتقد أنني ما أزال أملك الوقت؟
- ما دمت تملك ضميرًا حيًا، سيمد الرب يده وينتشلك مما أنت فيه.
- حسناً يا أبونا، سألقي بهمومي في هذا المكان الطاهر لعلي أحظى بشيء من راحة البال.. تجاوزت الثلاثين من عمري ولم أتزوج....
صمتَ لحظات ثم استأنف:
- - ضعفي أغرى الشيطان، فوسوس لي باقتراف الخطيئة مع إحدى الغانيات، بعدها أكلني الندم أريد التكفير عن ذنبي في الزواج من الفتاة التي اقترفت معها الخطيئة بعد معرفتي أنها أتت إليك أيضًا لتنال الغفران أيضًا، لعل زواجي منها يخفف من شعور الأثم الذي حول ليلي إلى كوابيس ثقيلة.
- ليباركك الربُّ يابني ،إذن، أين المشكلة؟
- المشكلة يا أبونا الجليل أنني لا أعرف لها عنوانًا، أعرف فقط أنها تسكن هذا الحي، هل لك بمساعدتي؟
بدأ العرق يتصبب من جبينه حينما لم يسمع ردًا من القس، شعر بالاحراج وفكر في الاعتذار قبل أن يهم بالنهوض من الكرسي، لكن صوت القس الرخيم بعث فيه الراحة من جديد حينما سأله:
- بأيّ طريقة أساعدك يا بني؟
- تدلني على بيتها.
- ما اسمها؟
ارتجف جسده وهو يرى ظل القس يتحرك، فقال بخجل:
- نسيته يا أبونا.
- إذن بأيَّ طريقة أساعدك؟
- قد يسهل الأمر عندما أصفها لك، هي بيضاء البشرة، متوسطة الطول لها شعر أحمر أجعد.
- هل تقصد جانيت يا بني؟
- لست متأكدًا.
- بيضاء، متوسطة الطول! ربما هي سولاف التي جاءت لطلب الغفران يوم أمس، لكن سولاف ليست نحيفة، هل لديك شيئًا آخر يدلنا عليها؟
- تذكرت شيئًا يا أبونا، أشكرك أيها الرب!
بحماس واضح قال القس:
- ما هو يا بني؟
على خدها الأيسر شامة كبيرة.
- لقد عرفتها، إنها ياسمين، لقد كانت هنا قبل يومين!
- أمتأكد أنت يا أبونا؟
- كل التأكيد، اذهب يا بني، الرب يرعاك، أريد سماع خبر زواجكما عن قريب، لعلك تنال به مغفرة القدير وتفتح لك أبواب السعادة!
- لا أعتقد يا أبونا، ربما الأمر يستغرق وقتًا.
- ما الذي يمنعك من إتمام الزواج؟
- لا أملك المال سيدي!
أراد الهرب عندما عرف بمغادرة القس لمكانه، لولا أصابع دافئة امتدت في الظلام ولامست يده، وصوتٌ يهمس:
- خذ يا بني هذا المبلغ، قد يفعل لك شيئًا.
دس النقود في جيب بنطاله من دون أن يقول كلمة منشغلًا بكتمان نحيبه ومسح دموعه.
حينما خرج من باب الكنيسة، بادره شاب كان ينتظره بسؤال:
- هل حصلت على النقود؟
التفت صوب الكنيسة ليقول:
- ومعها أسماء غانيات الحي!