بلغاري .. عربي


فوز حمزة
2024 / 5 / 24 - 12:23     

لم يمضِ على وجودي في بلغاريا سوى أربعة أشهر حينما قررت التسوق وحدي، فبمقدوري فعل ذلك بعد أن تعلمت الكثير من الكلمات البلغارية، الحياة تحتاج المجازفة! هذه هي المقولة التي كنت أشجع نفسي بها قبل أي عمل جديد أنوي القيام به.
دخلت السوق الذي بدا مزدحمًا هذا اليوم، لا بأس، نصف ساعة إضافية في هذا المكان لن تجعل العالم أكثر سوءاً.
اشتريت من السوق كل ما أحتاجه إلا الباذنجان، فورًا توجهت للبائع، قلت له بالبلغارية:
- أريد كيلو غرامًا من....
وأشرت له بيدي إلى مكان الباذنجان..
فابتسمت عيناه قبل فمه الذي أسفر عن أسنان ناصعة البياض، أجابني:
- لا يمكن سيدتي.
قلت له مستغربة:
- لم أفهم ما تقصد!
رد والابتسامة ما تزال تعلو ملامحه:
- لا أبيع كيلو غرامًا منه.
وأنا أحاول إنهاء النزاع لصالح العرب بالتنازل، قلت:
- لا بأس، زن لي كيلوغرامين.
- ولا حتى عشرة أو عشرين، أما أن تأخذي كل البضاعة أو تتركيها كلها.
ليس فقط حديثه الغريب من أيقظ غضبي، بل تلك الابتسامة التي كانت تكتم ضحكة كان يحاول تسريبها من بين دخان سيجارته.
جرجرت الحقيبة ومعها جرجرت الإحراج كمن تجر عربة سقط إطارها، لم يشفع له رجاؤه في أن أعود ثانية ليبعني كيلو غرامًا واحدًا كما طلبت.
في طريق العودة، وأنا ما زلت تحت تأثير سلبي من جراء ماحدث، تذكرت بغداد وأسواقها ومعاملة البائعين الرائعة على الرغم من معرفتي أنني كنت أكذب على نفسي في هذا الشيء بالذات، وأيضًا أخذني الحماس بعيدًا ليقنعني بوجوب كتابة رواية توثق ماحدث قبل قليل لأبين للعالم كيف يعامل العربي في بلاد الغربة التي تنادي بالديمقراطية والمساواة بين الشعوب، لكن قلت لنفسي لأدع أمر الرواية والديمقراطية الآن وأفكر ماذا سأطبخ اليوم على الغداء. فجأة تذكرت الباذنجان، فقلت لنفسي: لأبحث عن اسمه في الكوكل لأشتريه من بائع آخر. فظهر لي في اللغة العربية مترجمًا ما قلته للبائع باللغة البلغارية:
"أريد كيلو غرامًا من حبك"!