البطل السياسي في الديمقراطيات الناشئة: رجل الدولة ام رجل السلطة


مظهر محمد صالح
2024 / 5 / 22 - 00:13     

ثمة متلازمة حقا بين مشروع (رجل الدولة ) الذي يظهر جلياً في رحاب نشوء او ولادة النظم الديمقراطية و بين فكرة ظهور (البطل السياسي ).
فالبطل السياسي هنا هو الشخصية التي تتولى القيام باعمال شجاعة أو مجددة لحياة الامة و قيادتها بشكل يميزها في تطورها نحو الامام ، اذ يحظى البطل بإعجاب كبير وثبات مستمر من قبل فئات الشعب ولاسيما في الديمقراطيات الناشئة والتي تؤسس لرجال الدولة حقا .
فرجل الدولة ،كما يصفه المفكر إبراهيم العبادي والمختلف كليةً عن فكرة رجل السلطة الذي تفرزه القيود التوافقية للمحاصصة في ادارة الدولة ، هو امر تناحري وقيد سلطوي يعمل على ازاحة ظاهرة رجل الدولة من ان يلج مصفوفة الابطال من صانعي الدول في الديمقراطيات الحديثة او الناشئة والذين تفرزهم دنيا السياسة في نضالاتها المريرة وتضحياتها الطويلة .
اذ تناول المفكر حسين العادلي في مقال مهم سابق كان عنوانه: معادلة البطل قائلاً:
…صفة البَطل الحاكِم تهدد أسس نظام المكوّنات ومواصفاته لإدارة الحكم، وهو ما لا تسمح به قوى المكوّنات. وهي قضية أبعد وأعقد من كونها تنافساً سياسياً، بل صراعاً على شكل النظام السياسي وطريقة إدارة الدولة…..ويواصل العادلي القول : البَطل حتى وإن خرج ونما، فسيبقى بَطلاً داخل أسوار المكوّن الإثني والطائفي، وضمن لعبة الصراع المكوّناتي الداخلي لكل مكوّن، بعيداً عن أن يكون بَطلاً وطنياً.
وكانما هنا يحاكي المفكر العادلي ،المفكر ابراهيم العبادي في تناول ظاهرة السياسي الراحل عز الدين سليم في بلوغ الزعامة السياسية الحقة نحو ولادة( رجل الدولة لا رجل السلطة) .
اذ يشيء منهج الراحل عزالدين سليم الاديولوجي على الدوام بولادة رجل الدولة او البطل السياسي وهما سيان او وجهان لعملة واحدة.
فالبطل في النظام السياسي الذي يقوم على تقاسم السلطة بكونها قوة تشاركية بين الاقوام والطوائف لا يصنع بطلاً حقيقيا مرغوبا ً الا في ادارة السلطة ليكون قائداً من التفضيل الثاني second best كما يسمى في تصنيفات علم الرفاهية الاقتصادية وفلسفتها (ان جاز التعبير ) .
فالصلاحيات وان وجدت للزعامة السياسية فهي مشاعة وموزعة بشتات بين قوى المحاصصة -العرقوطائفية ، ما تجعل البطل الكارزمي حتى وقت ولادته في مواجهة مع قيود المحاصصة ليكون بطلاً من التفضيل الثاني كما ذكرنا (اي ليس من التفضيل الاول first best في امثليات ادارة الدولة ..! )
وهو ما يسهل استبداله بسرعة التوافق المحصاصاتي نفسه ولاسيما عند ما يبلغ رجل الدولة مرحلة تجسيد البطل السياسي المقتدر ، ليتم البحث عن بديل في النظام المحاصصاتي آخذا دور رجل السلطة .
يقول المفكر ابراهيم العبادي في مقاله انفا: ((لقد…خطط عزالدين سليم لبناء تحالف سياسي -اجتماعي بين القوى الاسلامية والقوى العلمانية لمنع تكرار الصراع الايديولوجي وكان يذهب الى استيعاب الاتجاهات الوطنية والقومية وعدم التقاطع معها لعبور المرحلة الانتقالية ،كما كان يرى خطر الفقر والبطالة والتخلف الاقتصادي على مسيرة الدولة ،وكان الراحل عز الدين يحذر من خطورة المواقف الطائفية والقومية داخليا وعلى علاقات العراق الخارجية ….
فأن …روح الاعتدال والفهم الواسع للاشكاليات السياسية داخليا وخارجيا كانت تؤهله لتدوير الزوايا واختصار الزمن قبل تكرار تجارب الاحتراب والتعصب وصراع الهويات والاحزاب والزعامات …..خسر العراق رجل دولة او مشروع رجل دولة وسطي في مرحلة ساد فيها التشدد والتعصب وقصر النظر )).
وهكذا فان قوة المنطق في الربط بين مركبات النظام السياسي التوافقي و البطل المتحكم في السلطة الممنوحة له كرجل دولة ،هي جل الرواية التي احاطت الشهيد المناضل عز الدين سليم الذي كان البطل المؤسس لأيديولوجيا رجالات الدولة .