يوميات سائق كيا


فوز حمزة
2024 / 5 / 20 - 12:28     

الأربعاء .. الثانية عشرة ظهرًا وسبع دقائق
أصاب سيارتي عطلًا مفاجئًا، طلبت من الركاب النزول واستئجار سيارة أخرى، بعضهم أبدى تذمره وأعلن تشاؤمه من هذا اليوم. آخرون لم يعلقوا بشيء، اكتفوا باسترداد النقود، أما أنا، فقد لعنت الحياة واليوم الذي ولدت فيه.
الأربعاء .. السابعة والربع صباحًا
اتخذ الركاب مقاعدهم في السيارة، لم يتبقَ إلا مقعدًا واحدًا فارغًا. دعوت الله أن يظل هكذا إلى أن تحضر حبيبتي. للمرة الأولى يستجيب الله لدعائي، رأيتها من بعيد مقبلة تحمل كتبها وحقيبتها، جلست خلفي مباشرة، عطرها أسكرني! قدتُ السيارة وشعور جميل يقودني حتى أنني لم أتذمر من الازدحام ومن صوت منبه السيارات، كل الأشياء تغيرت ألوانها.
الأربعاء .. الخامسة فجرًا
شعرت بإحراج كبير حين طلب جاري إسماعيل الحلاق استئجار السيارة هذا اليوم بسبب وفاة شقيقه.عليّ أن أقوم بالواجب في نقل الناس المشاركين في عملية الدفن. أخذ موافقتي وتركني حائرًا في إيجاد الجواب المناسب لصديقي عدنان الذي سيتزوج هذا المساء وعليّ أن أكون معه!
الأربعاء .. الثالثة ظهرًا وعشرون دقيقة
هذا النهار هادئ نسبيًا، الشوارع تكاد تخلو من المركبات لأنه يوم عطلة. أحد الركاب طلب مني أطفاء جهاز الراديو الذي كان يبث أغنية لأنه يتوجب عليّ كما قال احترام الشهر المقدس الذي نحن فيهِ، امتثلت لما أراد ولم أعلق. استأنف حديثه ناعتًا الجيل الجديد بقلة التهذيب. رجل مسن، لن أرد عليه. بهذا الجواب أقنعت نفسي، لكن الحقيقة غير ذلك.
الأربعاء .. الساعة الرابعة ظهرًا
لم أتمالك نفسي حين وجهت لسائق آخر ضربة على وجههِ تسببت في إحداث نزيف له .. فالكلمات البذيئة التي قالها بحق أمي أفقدتني صوابي. تدخل لفض النزاع عدد من سائقي السيارات وطلبوا منا نحن الاثنين كحل مؤقت مغادرة المكان. لم نمتثل لكلامهم وبقينا أنا وهو مصرين على أن الآخر هو المخطئ، وبقي الأمر على ما هو عليه.
الأربعاء .. الحادية عشرة قبل الظهر
اضطررت لتغيير وجهتي واتخاذ من شارع فرعي طريقًا لي بسبب وقوع حادث اصطدام كبير بين شاحنة وسائق سيارة أجرة.
الأربعاء .. الثانية والنصف ظهرًا
لم يكن خانقًا فحسب، بل قاتل الزحام في تلك الساعة، أصوات المنبهات لم تتوقف لحظة، عَلِقتُ بين السيارات، وأنا في هذه الحالة، حانت مني التفاتة إليها، رؤيتها جعلت قلبي ينتفض من مكانه ونبضاته أخذت في التسارع.
مسحتُ دمعتين متمردتين سالتا على خدي، لم أعد أشعر بشيء مما يحيطني. هربت معها إلى الضفة الأخرى. ناجيتها: هل للزمنِ عودة لأرتمي في أحضانكِ ثانية؟
هل أعود للأحلام والأماني التي خلعتها ما إن غادرتكِ وأنا أحمل شهادة منكِ وحفنة من ذكريات رائعة؟
آه يا جامعتي! أربعة أعوام مضتْ من عمري معكِ كأنها أربع ساعات .. ما زلتِ جميلة، شامخة، لم يشوه منظركِ سوى أحجار صماء وضعت حول مدخلك لتحميكِ من أيدي الأشرار وحارسين يرتديان ملابس عسكرية يحملان السلاح يحققان مع كل داخل.
لوحت لها من بعيد وانطلقت بسيارتي الكيا!