جاسم الحلوائي


مقداد مسعود
2024 / 5 / 19 - 00:47     

معتقل خلف السدة: جاسم الحلوائي
14/ آيار/ 2024
ها هو يغادر مدينة الثورة في مساء 21 تشرين الثاني 1965
متوجها إلى بيتهم في الكرادة – خارج، يهرول وهو يسمع السائق
(واحد.. واحد) فيكون الواحد الذي يدحس جسده في سيارة أجرة موديل فورد بسعة (14) راكب وفي ساحة التحرير أصعدُ بسيارة أجرة أخرى قال جاسم لنفسه للتمويه، لكن هناك واحداً آخر نادى السائق أن يتريث ليصعد ويجلس بالمقعد الفارغ قبالتي شممت منه رائحة سراديب.. السيارة تمشي والركّاب يتهامسون فيما بينهم وينفثون دخان سكائر الجمهورية، و(تركي) والمزبن.. ونحن نقترب من مديرية الأمن العامة، طالبني الراكب الأخير بالنزول معه من السيارة فورد..
تفضل أخي إنزل وياي
ترجلتُ وأنا أخاطبه : شتريد مني؟ تعرفني؟
إمشي وياي للأمن.
شراح اتحصل لو وديتني للأمن؟ أنطيك 50 دينار واتركني في سبيلي
تريد ترشيني؟ أمشي .. أمشي وياي
وحتى يسيطر الراكب الأخير على الموقف. أطلق رصاصة ً في الهواء فتجمع المارة وبينهم أفراد أمن والكل صار يدفعني ويجرجرني للذهاب مع الراكب الأخير.. صرتُ أتكلم بصوتٍ عال ٍ ليصل صوتي للرفاق. لينتشر خبري .. ليأخذوا حذرهم.. وفي الوقت نفسه تخلصتُ من وريقات كانت في جيبي..
كل شيء سيكون أمامك يا جاسم الحلوائي من خلال (ص. الرازقي)
قبل خمس شهور ألقت حكومة عارف القبض على(أبو عواطف) سليم إسماعيل البصراوي والعاملين معه . واستولت الحكومة على المطبعة الرئيسة للحزب. سيقوم الرزاقي بوظيفة مرشد ويصحب رجال إلى الأمن إلى توفيق أحمد : عضو اللجنة المركزية، ويلقون القبض عليه، ويستعمل رجال الأمن بيت توفيق أحمد فخا وحين ينتبه لذلك عضو اللجنة المركزية حميد الدجيلي ويلوذ بقدميه يتضرج شهيدا صاعدا إلى زهرة الرمان
محمد صالح مدير الأمن العام: أسمع جاسم نعرف كل شيء عنك. عضو لجنة مركزية, وسكرتير لجنة منطقة بغداد
- ما عندي شي أعترف عليه
انهالت الهراوات عليك يا جاسم الحلوائي على جسمك النحيل
في صباح اليوم التالي، يسألك معاون المدير: أنت عضو بالحزب الشيوعي العراقي؟ نعم. ما هي مسؤولياتك؟ أخبرنا بأسماء الذين يعملون معك؟ أنا عضو في الحزب الشيوعي العراقي ومن واجبات العضو الحزبي أن يصون أسرار الحزب.
الجلادون يمطرون الحلوائي بالهراوات ثم يوثقون يديه للخلف، والطرف الثاني للحبل بقبضاتهم يسحبون الحبل ليرتفع الحلوائي
وكلما ارتفع التهبت الكتفين بنار السعير.. في اليوم الثالث (توقفوا عن تعذيبي .. زجوا بي في موقف مديرية الأمن العامة تضم مجموعة من الزنزانات تفتح أبوابها نهاراً وتغلق ليلاً. الشيوعيون
يحتلون الجهة اليمنى. ألتقيت بعمر الشيخ علي. توفيق أحمد. سليم إسماعيل. أحمد السنجري . جورج يعقوب. في موقف الأمن تدخل الصحف والمجلات ومنها مجلتيّ الكاتب والطليعة المصريتين. ويسمحون بالأوراق والأقلام ولدينا شطرنج وطاولي بعد أسبوع يستدعى جاسم الحلوائي لتسجيل إفادته.. ثم يرحلون المعتقلين إلى معتقل خلف السدة.. بعد سنوات وسنوات وتحديداً في 2008 / دار المدى/ خلف السدة/ رواية عبدالله صخي.. معتقل خلف السدة جدرانه الخارجية أسلاك شائكة فقط والمعتقل بالأصل ثكنة عسكرية، وحين يتمشى السجناء في الوقت المسموح لهم كانوا يشاهدون المارة والمركبات في الشارع العام.. سعة المعتقل عشر قاعات. كل قاعة بسعة ستين سجينا. الشارع العام وحركة المرور غوايتان تطلان على الحرية. بتوقيت فطنة مهندس الهروب وقائده عمر علي الشيخ كان له نصيب في تجربتين كبيرتين فاشلتين في سجنيّ الكوت 1952 وبعقوبة 1955. لا حظ مهندس الهروب(تقوم شرطة القوة السيارة بحراسة المعتقل. وتتبدل كل ثلاثة أشهر. التبديل يأخذ وقتاً يختلط الحابل بالنابل لعدم معرفة أفراد السرية الجديدة بالطاقم القديم)
وقت التبديل فرصة الذهبية: يرتدون ملابس الشرطة ذاتها ويحملون معهم يطغاتهم ويخرجون من المعتقل بِلا سؤال ولا جواب: عمر علي الشيخ. توفيق أحمد. سليم إسماعيل. جاسم الحلوائي.. كيف تسربت هذه الفكرة من هؤلاء الأربعة؟ ومَن سربّها لينفذها السجين عبد الحسين مندور ويتحرر من عبودية الأسلاك؟! لابد من خطة جديدة والآن وليس بعد أيام. المعلومات تقول أن الحكومة سترحلّكم إلى نكرة السلمان، تتهامسون فيما بينكم: عمر علي الشيخ. توفيق أحمد. سليم إسماعيل. أحمد الحلاق. حسين علوان. وأنت يا جاسم الحلوائي أيها الشيوعي المتفاني الجسور. قررتم تهريب أثنين عمرعلي الشيخ وجاسم الحلوائي. ساعة الصفر يوم المواجهة، الهروب سيكون من أحد الشبابيك مع تغييرات ضرورية في مظهريكما أنت ورفيقك المحنّك عمر علي الشيخ والاندساس السريع بين المواجهين وهم يتجمعون بعد المواجهة لحظات خارج القاعات وراء الشبابيك، بتوقيت هذا يجري تعداد المساجين في كافة القاعات. ويأخذ الحراس وغير الحراس مواقعهم في نقاط التفتيش العديدة التي يمر بها المواجهون وهم يغادرون المكان مادين أيديهم المختوم عليها بختم السجن. النقطة الأولى أخطر نقاط التفتيش فيها مدير السجن وضباط السجن والمراتب وجمهرة من حرس السجن وعناصر الاستخبارات العسكرية في صفين متقابلين. كلهم يركزون على الوجوه الخارجة
أما نقاط التفتيش الأخرى. فتركيزها على رؤية الختمين أحدهما بيضوي على اليد اليمنى والآخر مربع على اليد اليسرى.
ماذا ستفعلان أيها الحلوائي الجسور أنت والرفيق الشيخ الموصوف بالغزارة الدقيق والتردد في مثل هذه اللحظات..؟ (السرية الشديدة هي الشرط الرئيس. ثم لا بد من قص أحد القبضان الحديدية في الشباك الأخير، من القاعة.. نتسلل منه. تم توفير منشار لقص الحديد من قبل أحد الحراس. توجب علينا اتخاذ التدابير ليباشر الرفيق تحسين فائق بالعمل. ومن أجل التغطية على الهروب أخترنا عناصر مأمونة للقيام بضجيج أثناء تنظيف القاعة للتغطية على زعيق المنشار
.........................................................
كنا خارج السجن في الشارع الذي كنا ننظر إليه ونحن وراء الأسلاك في الشارع الآن الأول من نيسان 1966 رجل بهيئة حمّال يرتدي دشداشة مرقوعة برقعة كبيرة من الخلف وجاكيت قديم وجراوية . وعلى مبعدة منه طالب بزي جامعي على وجهة نظارة، يستوقف الطالب سيارة أجرة يصعد فيها ثم تتوقف السيارة تصعد امرأة شابة حاملة على ساعدها الأيسر طفلتها شروق .. تجلس في المقعد الخلفي من السيارة