مأزق قوات الاحتلال في -رفح- ونتنياهو يفقد ورقته الأخيرة


عليان عليان
2024 / 5 / 11 - 22:49     

مأزق قوات الاحتلال في "رفح" ونتنياهو يفقد ورقته الأخيرة
بقلم :عليان عليان
كان يوم الجمعة الماضي يوماً أسود للكيان الصهيوني ،في عدوانه على قطاع غزة المستمر منذ قرابة الثمانية شهور ، إذ أنه بعد مرور ثلاثة أيام على دخوله المنطقة الشرقية من مدينة رفح واحتلاله معبر رفح ، ومع اقترابه من أحياء المدينة الشرقية في محيط ثكنة سعد صايل وبلدية الشوكة ومنطقة أبو حلاوة ، دخلت قوات الاحتلال في عش دبابير المقاومة التي فتحت عليها نار جهنم ، عبر عمليات مركبة تراوحت بين نصب كمائن لقواته الراجلة ولدباباته وبين اصطياد جنوده الذين هربوا لإحدى البنايات ، وبين نصب حقول للألغام وتفجير فوهات الأنفاق ، وعمليات القنص ، ما ألحق بالعدو خسائر بالدبابات والناقلات والجارفات وخسائر بشرية كبيرة ،اعترفت وسائل الاعلام الصهيونية بمصرع أربعة جنود وإصابة 15 بجروح مختلفة .
وحاول العدو في ذات اليوم الانتقام لخسائره الكبيرة في مدينة رفح ، بفتح معركة في حي الزيتون انطلاقاً من محور نتساريم ، فكان أن تلقى ضربات كاسحة من قبل فصائل المقاومة عبر كمائن الموت الزؤام وحقول الألغام ،وقذائف الهاون الرأسية ، التي أوقعت خسائر كبيرة في صفوف العدو حيث اعترف بمصرع أربعة جنود وضباط، وإصابة اثنين بجروح خطيرة.
ومفاجأة اليوم الأسود التي لم تكن بحسبان حكومة العدو ، لم تقتصر على العمليات المركبة لكتائب القسام وسرايا القدس ، بل تعدتها عبر إطلاق كتائب القسام رشقتين صاروخيتين بواقع (15) صاروخا على مدينة بئر السبع وقاعدة حتسريم التي تنطلق منها الطائرات الحربية الإسرائيلية ، حيث انطلقت الرشقة الأولى من مدينة رفح والرشقة الثانية من وسط القطاع ما أربك حكومة العدو، التي رأت في تصدي المقاومة المريع لقوات الاحتلال ، رسالةً بأن المقاومة في كامل عافيتها وجهوزيتها ،على النحو الذي واجهت فيه قوات الاحتلال في السابع والعشرين من أكتوبر ، وهو تاريخ بدء الحرب الصهيو أميركية البرية على قطاع غزة .
يضاف إلى ما تقدم ، فإن مفاجأة الصواريخ التي ضربت بئر السبع ، أذهلت العدو الذي بنى حسابات العسكرية وفق تقدير أن المقاومة استنفذت إمكاناتها الصاروخية ، وهذه المفاجأة رسالة للجبهة الداخلية الإسرائيلية بأن العمق الإسرائيلي ليس في مأمن ، وأن حمم الصواريخ قد تصل مجدداً في أي لحظة ل تل أبيب والقدس الغربية ومجمع مستوطنة أفرات.
كما أن مخرجات معارك رفح ، في اليوم الأسود الذي عاشه الكيان الصهيوني وقواته الغازية كشفت عن أبعاد كثيرة أبرزها :
1-برهنت حركة حماس على صحة ما جاء في بيانها ، بأن معركة رفح لن تكون سهلة بالنسبة لقوات الاحتلال ، وأن هذه القوات ستغرق في رمال رفح ، بشكل أكبر من غرقه في بقية أرجاء القطاع ، وأن كفاءة المقاومة وجرأتها تعيد الاعتبار للأيام الأولى لمعركة طوفان الأقصى منذ السابع من أكتوبر.
2- برهنت المقاومة أن غرفة العمليات المشتركة التي تضم كتائب القسام وسرايا القدس وكتائب أبو علي مصطفى ، وكتائب المقاومة الوطنية، وكتائب شهداء الأقصى وبقية الكتائب تعم وفق خطة مشتركة على قاعدة توزيع الأدوار من جهة ، وخوض عمليات مشتركة ضد قوات الاحتلال من جهة أخرى ، كما أكدت معارك رفح والمعارك السابقة في خان يونس والمنطقة الوسطى ومناطق الشمال بما فيها مدينة غزة ، أن منظومة القيادة والسيطرة تتحكم في مجريات الحرب بشكل دقيق ، رغم نهج اللامركزية الذي تقتضيه أحياناً طبيعة القتال في مختلف المناطق.
3- بات واضحاً من خلال المواجهة الأولى في أحياء رفح الشرقية، أن المقاومة في رفح في كامل عافيتها وجهوزيتها لخوض المعركة الفاصلة، التي تبجح بها نتنياهو بأنها تهدف إلى تحقيق النصر المطلق للقضاء على كتائب القسام الأربع ، فإذا بالمقاومة عبر عنفوانها العسكري وجهوزيتها وكفاءة مقاتليها وعقيدتها، تلحق بقوات العدو خسائر هائلة جداً .
4- أن نتنياهو الذي حاول استثناء مدينة رفح من وقف إطلاق النار ، في مفاوضات القاهرة على أمل أن عملياته العسكرية ستقوي موقفه في مفاوضات صفقة تبادل الأسرى ، وقع في مصيدة المقاومة، بحيث باتت عمليات المقاومة النوعية ورقة كبيرة ،في يد المقاومة لإجبار نتنياهو للرضوخ لمطالب المقاومة ، التي تضمنتها صفقة (5) مايو والتي وافقت عليها المقاومة بشهادة الوسيطين المصري والقطري ومدير المخابرات المركزية الأمريكية.
5- أن المقاومة في مدينة رفح استفادت من خبرة القتال في معارك الشمال والوسط ومعارك خان يونس ، وبنت على هذه الخبرة على صعيد تكتيكات القتال في إطار الجمع بين أكثر من تكتيك قتالي في عملياتها المركبة .
6- برهنت المواجهات ما بين المقاومة وقوات الاحتلال في مدينة رفح ، أن فصائل المقاومة في رفح بشكل خاص وبقية المناطق ، تملك مخزوناً هائلاً من الذخائر والأسلحة والصواريخ يكفي لمواصلة الحرب لفترة أكثر من عام ، وأن مصانع الأسلحة لا تزال تنتج مختلف أنواع الألغام والأسلحة المضادة للدبابات مثل قاذف الياسين 105 ، وقاذف التاندوم ، وعبوات الشواظ وعبوات العمل الفدائي ، ولا تزال تنتج كميات هائلة من ذخيرة الرشاشات ، وبنادق القنص من طراز " غول" .
7- تمكنت فصائل المقاومة وخاصةً كتائب القسام، من توظيف الصواريخ التي سقطت في القطاع دون أن تنفجر ، من إعادة تصنيعها في إطار الهندسة العكسية على شكل صواريخ تطلق مجدداً على قوات الاحتلال.
8- برهنت معارك رفح بشكل خاص، وقبلها معارك خان يونس ، والمعسكرات الوسطى وغزة وجباليا وبيت حانون وبيت لاهيا، أن فصائل المقاومة لديها القدرة على التكيف مع كل المتغيرات ، والقدرة على إعادة تشكيل سراياها وكتائبها في كل مناطق القتال ، وإعادة توزيعها في الشمال والوسط والجنوب ، وفقاً لمتطلبات المواجهات في المناطق الأكثر سخونة.
كما أن معارك شرق رفح- وفق تقدير العديد من المعلقين الصهاينة- كشفت عن انهيار الروح المعنوية لجنود الاحتلال ، الذين يتم جرهم جراً للقتال ، بعد أن أدركوا مسألتين هما :
1-أنهم لا يخوضون معركة الدفاع عن ( إسرائيل) بل معركة الدفاع عن مشروع نتنياهو الشخصي للبقاء في سدة الحكم وعدم الخروج من الحياة السياسية باتجاه السجن بتهمة فشله الذريع في السابع من كتوبر ، وتهم الفساد المتعددة التي تلاحقه منذ سنوات.
2- أن جنود وضباط الاحتلال باتوا يدركون أن نتنياهو يجرهم إلى مصيدة رفح تنفيذا لتهديدات شريكيه في الائتلاف " إيتمار بن غفير " و"بتسلئيل سموريتش" اللذان لم يتوقفا عن تهديده بالانسحاب من الحكومة وإسقاطها إذا لم يغزو رفح.
ورغم فشل نتنياهو ورئيس أركانه في اختبار شرق رفح ، أصدرت حكومة العدو المصغرة " الكابينيت" قراراً بتوسعة العملية العسكرية في رفح ، والعودة للقتال في جباليا في الشمال بغطاء مزدوج من الإدارة الأمريكية ( أولا) التي اعتبرت في تقرير وزير خارجيتها بأن حكومة ( إسرائيل) في استخدامها للقنابل الدقيقة لم تخرق القانون الأمريكي والقانون الدولي الإنساني ، وأن الإدارة الأمريكية مستعدة لبناء مدينة من الخيام لاستيعاب النازحين من رفح وبغطاء (ثانياً) ومن بعض الأطراف الرسمية العربية، وعلى رأسها النظام المصري الذي لم يحرك ساكناً بعد أن أصبح العلم الإسرائيلي مجاوراً للعلم المصري على معبر رفح ، رغم أن احتلال المعبر يتناقض مع بروتوكول عام 2005 ، الموقع مع الجانب المصري بوصفه جزء لا يتجزأ من المعاهدة المصرية- الإسرائيلية عام 1979 ، ومن اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978.
وأخيرا : بات واضحا أن " ورقة رفح" التي طالما نفخ نتنياهو فيها ، بأنها هي الورقة الحاسمة لإنقاذ الأسرى الصهاينة ، ولتدمير ما تبقى من كتاب حماس ، ولقطع الطريق على جهود الوسطاء، ولتصعيد العدوان وحرب الإبادة ، هذه الورقة سقطت تحت أقدام المقاومة في معارك يوم الجمعة الأسود ، وسيجري تمزيقها أشلاءً كما جثث جنود العدو ، في حال دخول قوات العدو بقية أحياء المدينة ، ولن يكن بوسع نتنياهو إلا أن يقر بالهزيمة ، وأن يوقع على الصفقة وفق الشروط التي فرضتها المقاومة في صفقة الخامس من مايو (أيار) 20024 .
ولن يغير من واقع الصورة الجرائم التي يرتكبها العدو بحق المدنيين ، للتعويض عن فشل قواته في الميدان ، ولا موقفه اليائس بترحيل عشرات الألوف من رفح إلى المواصي ، ولا إغلاق المعبر لمنع وصول الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع، فالمقاومة التي تدرك مأزق العدو في هذه اللحظة التاريخية ، تؤمن جيداً بالمقولة التاريخية " وما النصر إلا صبر ساعة"، وهذه الساعة التي ستعلن فيها المقاومة خطاب النصر باتت قريبة جداً.
انتهى