مقامة النظارات .


صباح حزمي الزهيري
2024 / 4 / 15 - 16:02     

مقامة النظارات :

يروى أن ‏الشاعِر السوداني إدريس جمّاع حين اختلّ عقله ودخل المستشفى , صار يتغزل بجمال عيون الممرضة , فلبست هي نظارة شمسيّة لتغطي مكمن مفاتنِها , فلمّا رآها ارتجلَ هذا البيت الذي يعتبر من أجمل ما قيل في الغزل :
(( السيفُ في الغمدِ لا تخشى بواتِرهُ ....وسيف عينيكِ في الحالينِ بتّارُ)) , وكنت قد دونت في دفتري أبيات لا أعرف قائلها : (( إنّي رحلتُ إلى عينيكِ أطلبها إمّا المماتُ وإمّا العودُ منتصراً ....كلُّ القصائدِ من عينيكِ أقبسها ما كنتُ دونهما في الشعرِ مقتدراً )) .

ما أصغر ذائقتنا وما أوسع دائرة الأحلام التي تحلق بنا , أخلعي النظارة سيدتي , فأنا لا أريد الطفره , عندما تستلطفين أبيات غزلي , فتمنحيني ديوان حبك , وأنت لا تحتاجين إلى لفت انتباهي بين هذا الزحام , لأنك مشرقة ولماعة بما فيه الكفاية, لتصيبيني بالعمى , حضورك اغتيال لكل شيء , تجتمع فيك الأضداد , وتتكاتف ليهب كل ضد ضده مزيدا من الفتنه , حاجبان أنيقان معقودان بغنج كهلال ولد منذ ساعه, رمشان مصفوفان بأناقة كأنها صف مصلين في صلاة فجر , شفتان حمراوتان دون أحمر شفاه , آية من الجمال , وجه أبيض كأنه القمر ليلة اكتمال , يزيدك حجابك الأسود بياضا.

أنت كالوهم المكبل بالمواقيت , يغمرني بالأسى , وبأنين العابرين , وليس له رفيق, (( الكوْنُ يَشيخُ على هُدبِكِ , يا امرأةً يتوسّدُ فيك الحبّ رسولاً هاجرَ مِنْ بيْنِ أصابع موتي , إقتربي من هذا الولدِ -الشيخ ,وأقتلعي الطلقةَ مِنْ قلبِه )) , كما صرخ أمين جياد , وأنا من محاسيبك المؤمنين بأنه سينكفئ الحزن ونشعل شمعة أخرى, نحن الذين نحسبه يأتي علينا مرارًا, عله يرسم جديلتك جدولًا من ضوء, وينسكب كقارورة عطر , لنحظى بتقافز فراشات ابتسامتك .
موجعٌ فاجعٌ أنتٓ, يا صمت اللّه , عندما سُئل محمود درويش عن لونِ عينَيْها قال لا أدري في كلّ مرّة أتأمّل عينيها أفقد الذّاكرة , وقد كتب رجب الشيخ الأديب : (( قالت : انت ايها المجبول عشقاً من هامتك لاخمص قدميك .. تلابيب بوحكَ المغطى بمعاطف الحزن والاسى من اين لك تلك الرؤى المغلفة بوجد العشق , وقد تجاوزت عني بقلب لايعرف الا الهذيان ما بعد حلم يتحقق ,تنوء في مجرات الخيال أو اكثر من عاشق جاء متأخرا , من انت ؟ ماهو سرك أيها المغموس في كاسات خمر , أو في قلب وردة ؟)).

فيا ﺻﺎﺣبة ﺍﻟﻨﻈﺎﺭﺓ ﺍﻟﻄﺒﻴﺔ..ﻫﻼ ﺃﺭﺍﻙ ﺑﺪﻭﻧﻬﺎ ﻳﺎﺳﻴﺪتي؟
(( ﺩﻋيني ﺃﺭﻯ ﻋﻴﻨﻴﻚ ﻓﻲ ﻋﻴﻨﻴﺎ ,لأﺭﻯ ﻋﻴﻨﻴﻚ ﻧﻬﺮﺍ ﺻﺎﻓﻴﺎ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺃﻱ ﺣﻮﺍﺟﺰ ﻭﻫﻤﻴﺔ
ﻓﺄﻧﺎ ﺃﺭﻯ ﺧﻠﻒ ﺍﻟﺰﺟﺎﺝ ﻏﻤﺎﻣﺔ , ﻭﺍﻟﻘﻠﺐ ﻳﺤﻤﻞ ﺷﻔﺮﺓ ﺭﻗﻤﻴﺔ , ﻟﺪﻗﻴﻘﺘﻴﻦ ﺗﺨﻞ ﻋﻨﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﺮيني ﻛﻠﻮﺣﺔ ﺯﻳﺘﻴﺔ , ﻓﺎﻟﺤﺐ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﻋﻴﻮﻧﻚ ﻃﺎﺯﺟﺎ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺣﺐ ﺣﻮﺍﺭﻧﺎ ﺍﻟﻌﻴﻨﻴﺎ , ﺇﻧﻲ ﻛﻌﺎﺷﻘ ﺃﺭﻳﺪ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻷﺭﻯ ﺑﻌﻴﻨﻚ ﻋﺎﻟﻤﺎ ﺳﺤﺮﻳﺎ , ﻛﻢ ﻣﻈﻠﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺇﻟﻰ ﺩﻣﻲ ﻛﻢ ﻣﺘﻌﺐ ﻟﻠﻐﺎﺗﻨﺎ ﺍﻟﺒﺼﺮﻳﺔ ,ﻻﺷﺊ ﻳﻔﺴﺪ ﻓﺮﺣﺘﻲ ﺑﻠﻘﺎﺋﻨﺎ ﺃﺑﺪﺍ ﺳﻮﻯ ﻧﻈﺎﺭﺓ ﻃﺒﻴﺔ)).