الوطنية والإسلام السياسي


جعفر المظفر
2024 / 3 / 13 - 17:52     

إذا ما إفترضنا أن السياسة هي طائرة والوطن هو المطار, فإن من حق الطيار أن يحلق بطائرته عاليا بشرط أن لا يحلق أعلى من اللازم حتى لا يكون عرضة للإنفلات من قوانين الجاذبية بما يجعله غير قادرٍ على الوصول إلى المطار الهدف والعودة بعدها إلى مطار الإنطلاق.
لنحسم مسألة : الدفاع عن الوطن قد يتطلب القتال تحت قيادة سلطته السياسية (الظالمة). مثال : كان ستالين ظالما وجلادا لكن أبناء ضحاياه كانوا متحمسين للدفاع عن (ستاليينغراد أو فولغوغراد) وذلك لقوة إيمانهم بوطنهم الذي تقدم في تلك اللحظة التاريخية على "شرعية" كراهيتهم للسلطة الستالينية الظالمة.
في لحظة الإنحياز لم تجعلهم كراهيتهم لستالين الحاكم أن يكونوا مع ألمانيا هتلر ضد روسيا الوطن (كما فعل الذين قاتلوا إلى جانب إيران ضد العراق)
يسمح لي ذلك وككاتب سياسي حر وغير منحاز أو مُؤدلَج أن أكون مثلا مع (الأسد) ضد دعاة تمزيق سوريا أو عثمنتها, وأن أكون في نفس الوقت ضد (الأسد) كدكتاتور قام بظلم شعبه.
لا توجد مشكلة في ذلك, لكنها إن وجدت فهي ستكون بتأثير من طبيعة الإنحيازات العنصرية والطائفية أو حتى الأيديولوجية : كنا ضد نظام صدام الدكتاتوري القمعي ولكننا كنا في نفس الوقت ضد محاولات الخمينية والإسلام السياسي الشيعي المناهض للوطن العراقي وللسيادة العراقية.
التكتيك السياسي والمرونه وما شاكل من مفردات ومناهج سياسية مسموح لها أن تجري في ساحة مشتركات لا تهدد سلامة الوطن أو سلامة المجتمع.
والمقصود بالتكتيك والمرونة السياسية وقضية المساحة المشترك, أي الوطن هنا .. كن مرنا سياسيا لكن في مساحة المشترك : الدفاع عن قضية الوطن. في حالة العميل لإيران فإن قضيته يجب ان لا تناقش على مستواه كشخص وإنما على مستوى الفقه المذهبي ومن ثم السياسي الذي إنطلق منه والذي ظن أنه يعطيه شرعية الإنحياز للحاكم (المسلم الشيعي : الخميني !) ضد الحاكم ( الكافر السني : صدام حسين !) . حين تسأل أشخاص آخرين اجتمعوا في الولاء لإيران والتبعية الفقهية والسياسية للخميني, ولو على مستوى عام فستكون لهم نفس الإجابة: الديني يسبق الوطني أو حتى يتقاطع معه.
مشهد آخر يمكن أن نتحدث عنه هنا أيضا : نحن نقول إن الحلول الحقيقية للقضية العراقية هي تلك التي تبدأ من خارج ما يسمى بالعملية السياسية لأن الخلل الحقيقي هو بنيوي, أما ما ينتج عنه فسلوكيات منحرفة, ولكي تمنع تلك السلوكيات وتقضي عليها عليك أولا بمعالجة الخلل البنيوي الذي أنتجه.
هذا يجعلنا أمام نفس الحالة حينما نتحدث عن (إنحراف أو خيانة أو تبعية السياسي العراقي لإيران) علينا أن نعالج الخلل الفقهي المذهبي الذي يجعل الخروج على الوطنية أمرا جائزاً وحتى مستحقاً ومحقاً.
على الجانب الآخر, أي السني والتجمعات السياسية التي تنطلق من تشريعاته الإسلاموية هي ما يفسر تبعية الإخوان المسلمين العرب وتعلقهم بزعامة أردوغان وإستعدادهم للقتال إلى جانبه.
هناك مقاتلون فلسطينيون وأردنيون ومصريون كانوا حاربوا في صفوف القاعدة في أفغانستان والعراق وسوريا وتحولوا إلى داعش أيضا بدلا من أن يحاربوا الصهاينة وعذرهم في ذلك أن نداء الإسلام يسبق نداء الوطن وقد يتقاطع مع مفهوم الوطنية ومع مفهوم الدول الحديثة في عالم ما بعد الديني.