المهدي المنتظر


جعفر المظفر
2024 / 2 / 21 - 16:11     

في العقيدة الشيعية أن الإمام الغائب سيعود في (آخر الزمان), أي في السنوات الأخيرة من عمر العالم ليملأ الأرض عدلاً ويهيئ الناس ليوم القيامة. والفرق بين مهدي الشيعة ومهدي السنة أن هذا الأخير لم يولد بعد وإنما سيكون مولده في آخر الزمان, لهذا غابت عن عقيدة السنة حكاية (الرجعة) التي لا بد للشيعي ان يؤمن بها لكي يكون شيعياً.
والحكاية لا شك تقترب ثيمتها من ثيمة معركة (هرمجدون) التي تتمسك بها (اليهودية الصهيونية) وكذلك (المسيحية الصهيونية) بإدعاء ان المسيح سيظهر في الألفية الأخيرة من عمر البشرية بعد أن ينتصر اليهود على جميع سكان المناطق المجاورة من النيل إلى الفرات.
لكن الروايتين ستختلفان بعدها وستفترقان فحيث تكتفي (اليهودية الصهيونية) بقضية الإنتصار الساحق على كل سكان المنطقة فإن رواية (المسيحية الصهيونية) تكمل مشوارها مدعيةً أن المسيح سيظهر بعد هذا الإنتصار اليهودي الصهيوني الساحق لغرض محاربة اليهود الرافضين أصلاً للمسيحية, حتى إذا ما قتل الثلثين منهم فإن الثلث اليهودي الذي سينجو من معركة هرمجدون سوف يتحول إلى المسيحية ويحارب إلى صف المسيح.
وقد قيل ان لكل أمة "مُهديها أو مَهديها" ويرى البعض ان المسيا "المسيح" المنتظر عند اليهود هو الأساس عند المسيحيين لجعل المسيح بن مريم أقنوما, والأقنوم هو الإله الإنسان, ابن لمريم العذراء وابن لله في الوقت نفسه, الذي يستمد أعماله من ذاته، وهو الأساس لقصة العودة الثانية للمسيح ليخلص العالم من الشقاء ، بعد أن حقق في المرة الأولى الفداء.
وكانت حكاية المهدي غالباً ما تظهر وقت اليأس وانكسار الشوكة، وقد دخلت العقيدة السنية مباشرة بعد هزيمة الخلافة, لذا فهي ليست اختراعاً شيعياً وإنما هي موجودة ومتداولة منذ فجر الحضارات في وادي الرافدين والنيل وسوريا وشبه الجزيرة العربية, وإنما كان للشيعة أسباب سياسية ودينية واجتماعية دفعتهم لتبني الموضوعة وكأنها من اختراعهم لوحدهم.
على الناحية الشيعية, صارت دولة الولي الفقيه محاولة لإخراج الشيعة من أسر نظرية الإمام الغائب والملقب في ادبيات الطائفة بالمهدي المنتظر, وهو الإمام الثاني عشر والأخير في تسلسل أئمة الطائفة , الذي قيل انه كان قدغاب وهو طفل خوفاً من اغتياله, وقد اختفى في نفق أو جب في سامراء حيث يرقد أباه الحسن العسكري وهو الإمام الحادي عشر في تسلسل أئمة الشيعة والذي دفن إلى جانب أبيه الإمام العاشر علي الهادي وتسمى ضريحهما بضريح الإمامين العسكريين, أما لماذا هذا اللقب فلأن الحسن كان قد رافق أباه علي الهادي الذي نفاه الخليفة العباسي إلى مدينة سامراء التي كانت معسكراً للجنود في حينها لكي يكون تحت أنظار السلطة ولا يغيب عن عيونها._
(دولة الفقيه) جاءت كمخرج لأزمة الشيعة مع السياسة هرباً من الإضطهاد عبر عصور ما سمي بالدول الإسلامية (الأموية والعباسية بشكل خاص) وهي نظرية حكم أتاحت للشيعة شرعية بناء دولة أرضية على يد نائب الإمام الغائب, والتي أعاد تفعيلها بشكل أساسي كل من الخميني في إيران ومحمد باقر الصدر في العراق, لكن هذه النظرية تظل مرفوضة من قبل تيارات شيعية مختلفة وفي مقدمتها ما يسمى بتيار (الحجتية) الذين يبطلون شرعية بناء دولة قبل العودة المرتقبة لأن وجود هذه الدولة قبل الظهور سيلغي الحاجة للظهور المعول عليه كطريق للإصلاح الجذري وكشرط لقيام الساعة. وفي نفس الإتجاه الفقهي فإن تياراً ملحوظاً من اليهود يرفض الإعتراف بشرعية الدولة الإسرائيلية لتناقضها مع تصور اليهودية الصهيونية لنظرية قيام الساعة.