انتحاري على طريقته الخاصة


جعفر المظفر
2024 / 1 / 27 - 16:12     

في نهاية الستينات ووتحديدأً بعد هزيمة العرب الكبرى في الخامس من حزيران صار الفدائي رجل المرحلة, أراد أحدهم أن يكون أحد رجالاتها. ذهب صاحبنا إلى احدى المنظمات الفدائية التي استقبلته بالإحضان ثم طلبت منه أن يذهب إلى أحد المقاهى التي عادة ما يتجمع فيها مستوطنون يهود لكي ينفذ مهمته الإنتحارية. أطاع الرجل الأمر دون تردد. تسلل عبر الحدود ليلاً حتى إذا بلغ المقهى كان أول الجالسين. إنتظر حتى يمتلاً المقهى بأكبر عدد من المستوطنين, ثم قام من مقعده وإتصل من تلفون المقهى بمسؤوله وأخبره أن المقهى قد إمتلأ برواده فجاءه صوت المسؤول : نفذ ما الذي تنتظره!! فوراً أخرج صاحبنا السكين التي يحملها وضرب بها نفسه معلناً عن تنفيذه لمهمته الإنتحارية, أي أنه بدلاً من أن يقتل عدوه قتل نفسه وأنتحر !!
حكايتنا وإن هي لا تنطبق مائة في المائة على أصحابنا الحوثيين إلا أن فيها من الشبه الكثير.
ليس هناك قانون في الأرض ولا ثقافة تمنع الفلسطينين من الكفاح من أجل تحرير أراضيهم المحتلة وتشكيل دولتهم المستقلة. ولأن إسرائيل أيضاً فعلت ما فعله صاحبنا, أي أنها قامت بقتل نفسها حينما أقدمت على جريمة الإبادة أمام أنظار العالم فإن الدم الفلسطيني البريء المسفوح هو الذي تكلم بقوة حتى صارت صورة الطفل الشهيد أقوى من الدبابة الإسرائيلية.
هنا صرنا أمام معادلة قوة الضعف وضعف القوة.
على الجانب الإسرائيلي.. صارت القوة ضعف.
أما على الجانب الفلسطيني.. فقد صار الضعف قوة.
نعود إلى أخوتنا الحوثيين.ما يحدث في البحر الأحمر هو جزء من جبل ثلج إيراني, قمته الظاهرة فوق سطح الماء هي قضية فلسطين, أما قاعدته المخفية العريضة فهي مصالح إيران الإقليمية التي استطاعت ان تحتل حتى هذه اللحظة أربعة بلدان عربية وتضعها في جيبها.
قد تكون إيران ضد إسرائيل لكنها بكل تاكيد ليست مع الفلسطينين. إيران هي مع إيران, أما الحوثيون فقد أصابوا الجانب الأخلاقي الفلسطيني بمقتل حينما وضعوا بيد الغرب المساند لإسرائيل قضية أخلاقية في عز لا أخلاقية الغرب المتجلية في الموقف المساند للجرائم الإسرائيلية.
الإستثمار في القضية الفلسطينية صار مفضوحاً ويجب التوقف النهائي عنه. ليس صعباً إكتشاف طبيعة المكر الإيراني. من الواضح أن دولتين فقط لا توافقان على حل الدولتين هما إسرائيل وإيران. الأولى لأن فقهها التوراتي يجعلها في جريمة مستدامة لأجل تحقيق وطنها الممتد من الفرات إلى النيل, أما إيران فإن حل الدولتين, اي قيام دولة فلسطينية مستقلة, سينهي مشروعها الإستثماري في الساحة الفلسطينية لكي يصيب مشروعها الإقليمي التوسعي إصابة بالغة.
إن قيام دولة فلسطينية مستقلة سيضع خاتمة للمشروعين الإستعماريين في المنطقة, المشروع الإسرائيلي والمشروع الإيراني ويمنح الدول العربية الواقعة تحت الإحتلال الإيراني, العراق وسوريا ولبنان واليمن فرصة إستعادة أوطانها المستقلة.