ندم بعد فوات الأوان


علي المسعود
2024 / 1 / 23 - 00:02     

تمهيد :
ترك لي أخي الكبير حسين قبل رحبلة مكتبته وحقيبة تحوي أحلامه ومشاريع أدبية لم يسمح له القدر في طباعتها ، مكتبته التي هذبتني وأدخلتني في جمرة الوعي ، مضى وترك في قلبي حزنا لانه غادر وشجرة حياته كانت خضراء وفي قمة عطائه ، لم يترك مالا أو جاهاً، لكنه ترك أكداسا من الورق الذي طبع نزيف روحة ومشاريع لمجموعة قصصية ورواية كان مصيرها التجاهل والأهمال ، وجع روحه الشفافة وخيبته نقلها في صفحات عديدة ، هذه الحروف أرسلها أخي حسين قبل رحيلة لمراجعتها قبل نشرها في الصحف التي تعود الكتابة لها ، ربما تمثل خيبة المثقف العراقي . وداعا يا حبيبنا حسين المهذب ,المثقف , الغالي ...وداعا ، ولروحك ياأخي السلام والسكينة .

علي المسعود

ندم بعد فوات الأوان
حسين المسعودي
أكثر شئ ندمت عليه في حياتي هو إنني كنت مبدئياً لم أساير الموجة ، وقفت بصلادة وحزم وخسرت الكثير من حياتي ضيعت مستقبل عائلتي إذ إنني لو عشت مع الجمع السائرين مع الموج والمتلونين بالف لون ولون لكسبت الكثير .... كسبت المركز المرموق والمزايا والمغريات التي قدمت لي على طبق من ذهب ... ولكن كنت إنسان (( فقري أي باحث عن الشقاء والبؤس) أي باحث عن والبؤس والنضال ... اجل اقولها بكل صراحة اني كنت غبياً بل اغبى انسان على وجه الخليقة هذا الاعتراف ولو انه جاء متاخراً للغاية وأنا اعد الخطوات الاخيرة من عمري واحسبها خطو خطوة فقد ضيعت عائلتي وأخواي اللذان تشربا بمبادئ كنت حيثما احسبها اخلاصي وخلاص عائلتي لم احسب أي حساب لكل المتغيرات والتحولات في سلوك الكثيرين ، لم اضع في خانة تفكيري ان النضال وحدة لايكفي ، وان الفقراء الصادقين من مثلي لايمكن ان مكاناً لانفسهم وسط شلة من الانتهازيين والسراق وتجار السياسة ، المبدئية وحدها لا تكفي والتضحيات لاتكفي اذ لم تكن لديك مقومات جديدة على عالمك لم تعرفها ولايمكن ان تتعلمها أن تصبح مهرجا وتجيد لعبة ( البيضة والحجر) ، لكني خلقت هكذا ولايمكن أن تلبس ثوبا لايناسب مقاسك ، ربما لاني أخجل من دمع أخواني الصغار الذين سحقوا في زنازين القهر والقمع ،كما كان شاعر فلسطين ( محمود درويش) يخجل من دمع أمه .
ان تجار السياسة ونهازي الفرص سرقوا نضالنا سبحوا على انهار من الدموع والدماء و جعلونا في المؤخرة .. في مؤخرة الركب ونحن الذين كنا في مقدمة المركب واول من دفعوا الثمن الباهض من التضحيات والالام والتشرذم والفقر والاذلال بينما كانت الفرص الذهبية للحظوة والنفوذ تقدم لنا على طبق من ذهب ولكن يا للغباء ... لم نركب الموجه .... لم نقل سوى صوتنا الاصيل الذي كان يعبر عن تفكيرنا بحتمية التغيير ... ولكن هذا التغيير ضاعت ملامحه ... فقد تداخلت امور عديدة جعلتنا نظل على هامش الحياة لان لدينا ايدي لاتجيد التصفيق ، نعم اني نادم اشد الندم أقولها [اسى وخيبة كل الشرفاء بوطن سالم سعيد . هل سيكون مصيري مثل هذا المصير البائس ؟ هل تكون نهاية هذه الرحله مثل تلك النهاية المفزعة ؟ هل خسرت احبتي واخوتي وانا القدوة لهم وهل عاشوا مثلما يعيشون الان ؟ لقد عبثت بمصائرهم ودمرت حياتهم وغيرت مجرى حياتهم لانهم فتحوا عيونهم على المبادئ الأصلية التي لاتهاون الباطل وتسمي الأشياء بمسمياتها ؟ ل.
كان صديقاً لي اصبح فيما بعد وزيرا للاسكان والتعمير طالباً معي وكانت تجمعني به صداقة حميمة ولكن هذه الصداقة لم تكن على وفاق لقد كان ذكياً اذكى مني بمراحل عديدة في فهم اللعبة ... وكان دائماً يردد هذة الكلمة انك ستشقى في حياتك .... وفي مماتك ولن تعرف النجاح لانك بهذه الصراحة والوضوع ستجلب قبرك بيدك وجلبت معاول عديدة ومنحتها القوة والدوافع لتحفر قبرك وتشيع احلامك بالعيش الرغيد الى حيث لارجعة فيها ... ما الذي صنعته بنفسي ؟ انا نادم نادم اقولها ثانية وثالثه ورابعة نادم على حياتي التي ضيعتها من اجل شعارات ، طوباوية تغربت وتعذب وحوربت واخيراً اجد نفسي وحيداً محطماً منبوذاً من الاخرين .... ومن اقرب الناس الى نفسي .... لماذا فعلت كل هذه الحماقات ياربي؟ ،اه لو سمعت نداء صديقي الوزير لكنت أحظى بمنصب يليق بمستوى تفكيري وثقافتي ... ولكن تمردت على واقع متهرئ كنت أجد فيه أنات المعذبين وسياط الجلادين تلهب ظهور الأبرياء .
أعلن براءتي من كل هذا التاريخ الوقح الذي أضحى جزءاً من نفسي من نهايته لان خاتمته غير سعيدة لأنهم سرقوا نضالنا .. سرقوا عذاباتنا وتضحياتنا فبقينا نراوح في ذات المكان في قاع المجتمع ... اعتذر لأبي رحمه الله .. اعتذر لامي عليها الرحمة اعتذر لإخوتي الذين كنت مصدر شقائهم وتعاستهم لأني كنت غبياً لم أقودهم إلى شاطئ الأمان .. كنت لعنة عليهم وجلبت لهم كل المآسي والأحزان !! من يرحمني من عذاب الضمير !! أنا الذي قتلت أخي محسن في عنفوانه لاني علمته قيمة الأنسان في مواقفة الانسانية ،أنا الذي كنت سبباً في تغييب أخي الحبيب منعم الذي لم يكمل عامه السادس عشر وقدمته على طبق من ذهب هدية للجلادين القتلة !! فمن يرحم نفسي من كل هذا العذاب الذي أعيشه لأني كنت معصوب العينين أدور في حلقة مفرغة ابحث عن ذاتي الضائعة .. آه لو وجدت عائلتي ووجدت نفسي وسمعت نداء صديقي وزير الإسكان عندما كان يؤكد في طفولتي بأني سأكون ذات يوم مصدر شقاء عائلتي ودمارها .. بل سيصل الأمر أكون عاراً عليها .. اجل اعترف بعظمة لساني بأني لم اجلب سوى الضياع والخراب لهذه العائلة وكنت أنانياً بكل معنى الكلمة أما كان من الحكمة أن أضع في حساباتي مستقبل هذه العائلة التي دمرتها ... ! ، آه سامحوني ياأهلي احبتي ... وأغفروا لي كل خطاياي !! .


12-05-2012