كاريزما الزعيم


جعفر المظفر
2023 / 12 / 10 - 17:56     

صدام حسين كان له ما له وعليه ما عليه, فإذا حسبناها بطريقة التقطيع سيكون علينا الإشادة بصفاته الزعامية على المستوى الوطني والقومي وخاصة قبل كارثة الكويت التي تؤكد على مستوى الكثير من تفاصيلها أنه لا يمكن لعاقل أن يرتكبها.
موقفه من إيران كان على مستوى النتائج النهائية قد أتى لصالحه فرغم الخسائر البشرية والمادية فإن صدام خرج منتصراً سياسياً, وكان بإمكانه أن يوظف هذا النصر السياسي لتحقيق الكثير من المكاسب وخاصة على المستوى القومي, لكنه سرعان ما فرط بهذا النصر حينما عاد بعد حرب قدم العراق فيها ما يقارب المليون شهيد ليتبرع بكل مشاهد ذلك النصر حينما خاطب رفسنجاني بقوله, طمعاً في كسب إنحياز إيران لصالحه في حرب الكويت: (والآن وقد تحقق كل ما أردتموه), دون أن يحسب حساب للتضحيات التي قدمها العراقيون في حرب الثمان سنوات. نعم لقد أوقف العراق بقيادة صدام أخطار المد الإيراني ضد العراق كجسر عبور إلى بقية المناطق العربية, وكان لكاريزما صدام وشجاعته في تلك الحرب دورهما الريادي دون أدنى شك.
لكننا حينما نحسبها على طريقة المبادئ دون الركون إلى التفاصيل لوحدها, فإن صدام كان قد فعل كل شيء لصالحه وليس لصالح العراق أو الأمة, لقد كانت معركته في النهاية هي معركة شخصية محكومة بعقد مركبة وكأنها معركة للانتقام من المحيط, بداية من رفاقه في الحزب ومروراً بالعراق وأهله.
وحتى شهرته القومية فهي لم تأتِ لحساب أنه كان فناناً في التعامل مع شارع عربي جائع سياسياً ومشبع بالنكسات القومية فحسب, وإنما لأن فيالقه الإعلامية وبمساعدة البترودولار كانت قد ملئت جيوب الكثير من السياسيين والإعلاميين على حساب العراقيين المنهكين والمحكوميين بواسطة عصابة من أخوته وأبناء عمومته الجهلة الذين نصبهم بعد أن حسم معركته مع الحزب أولاً فقتل معظم قياداته. أما قادة الجيش فإن من لم تتكفل به جبهات حروبه تكفلت به مشانقه وسوح الإعدام.
هناك الكثير من المأسي التي لن تقدر على ضمها مئات الصفحات, لكن ما أريد أن أذكره في نهاية هذه المقالة أن العراق في فترة السبعينات المزدهرة التي تحققت في ظل قيادة بعثية جَماعية سرعان ما وضعها صدام وجيرها في خدمته ليعيد تهديمها بطريقة لا يستطيع عليها أفضل مهندسي التفليش.
في نهاية الأمر كان صدام يتصرف مع العراق والعراقيين بأنه هو الذي ألبسهم الأحذية, بعد أن كانوا حفاة, وسيصير من حقه أن يأخذها منهم متى ما يشاء بعد أن صارت الأحذية ولابسيها ملكاً شخصياً له وللعائلة المالكة.
أتعرفون ما الذي أعتقده . إن الخطر كل الخطر هو الذي يأتي من زعيم له كاريزماه, لكنه يوظف كل شيء في نهاية الأمر لصالح ذاته وأهله وعصابته لتكون الكارزيما نفسها وبالاً على الوطن والأمة.
وقد قلت في مقالة سابقة : في دولة صدام حسين كان أكبر قيادي في حزبه يخاف من أصغر مرافقيه.
ولعل هذا الإيجاز بالذات هو صورة مصغرة لما كانت عليه دولته.