ضوء على بعض عالم المهاجرين


اسماعيل شاكر الرفاعي
2023 / 12 / 5 - 04:47     

اكبر مجتمع عالمي يتطلع ابناؤه لهجرته هو العالم العربي : اذ تزيد أعداد المتطلعين للهجرة منه على إعداد المتطلعين للهجرة من اوطانهم الأصلية في أفريقيا وامريكا اللاتينية ...

لو كان شكسبير من بين كتابنا المسرحيين الحاليين لرسم لنا : اعجب شخصية في التاريخ العالمي : شخصية تشبه هاملت ظاهرياً في قلقه وتردده الذاتي ، ولكنها في الجوهر نسخ حقيقية من نظريات بن خلدون عن العصبية ، ونظرية الدكتور علي الوردي عن ازدواجية الشخصية وتناشزها . فبعد أن تهجر الشخصية العربية والعراقية أوطانها التي تسببت لا عدالة مؤسساتها الحاكمة بدفعهم إلى البحث عن اوطان اخرى : يعودون للبحث عن ذواتهم مرة أخرى خارج مؤسسات المكان الجديد الذي آواهم واستضافهم ، ولا يجدون أنفسهم الا في المؤسسات القديمة التي طردتهم من اوطانهم وتسببت بنفيهم وغربتهم ( وكنتيجة لهذه الهجرة سيضطرون إلى استبدال ثقافتهم الأصلية مع الجيل الثاني بثقافة المجتمعات المضيفة لهم ) ولهذا تجد المجاميع المهاجرة مصابة بدوار الإجابة عن سؤال الثقافة بحيث يكتشف المتابع لحالة هذه المجاميع المهاجرة : ما للثقافة الموروثة من أهمية عظيمة في وعي هذه المجاميع المهاجرة لا تقل عن أهمية الارض التي هجروها ...

ستكون ردة فعل هذه المجاميع في اوطان اللجوء : إعادة بعث طقوسهم الدينية بقوة أشد من القوة التي كانوا يمارسون بها هذه الطقوس في اوطانهم الأصلية : فيغرقون في هذه الممارسة إلى درجة نسيان : ان الحكومات تأوبهم بسبب من انها تحترم قوانينها وفي المقدمة منها : حقوق الإنسان وحرية التعبير ، وينسون أن هجرتهم من اوطانهم حدثت بسبب فقدان : حرية التعبير وعدم الايمان بحقوق الإنسان ...

ينسى خطباء هذه المجاميع المهاجرة : ان طقوسهم القديمة أعادت ازدهارها وتفتحها على اراضي بلدان اللجوء بفعل دساتير هذه البلدان ، وليس بفعل استعادة لغة الهجاء المذهبية القديمة ، ولا بفعل قصائد الهجاء العصماء الذي تمت الاستعاضة به عن الهجاء المباشر لخطب الجمعة الذي ساد في المرحلة السابقة . .

والخلاصة : ان المجاميع العربية والإسلامية المهاجرة في المسرحية الشكسبيرية التي لم تكتب ، ولم يستطع توفيق الحكيم مقاربتها في مسرحية : بنگ القلق ، ولا نجيب محفوظ تجسيدها في : ميرامار ، والنجاح في تصوير العراق في فترة الانقلابات والسلطات العسكرية ، كما في : الرجع البعيد لفؤاد التكرلي : ليس هو العراق لدى بعض الجماعات المهاجرة : فهم في لحظة حرجة مما يسمونه التفاعل الثقافي أو المثاقفة : ليس من السهولة الانعزال عن تأثيرها ...

يمكن الإشارة باقتضاب إلى الكيفية التي ردت بها هذه المجاميع المهاجرة على ما احتكت به في وسطها الثقافي الجديد . اذ يمكن ملاحظة درجة النسيان التي غمرت هذه المجاميع المهاجرة . فهي نست انها هربت من مؤسسات بلدانها اللاعادلة ، وسبب لها هذا النسيان اللاوعي الوقوع في وهم : انها تدافع عن قيمها ومعتقداتها وعن هويتها وهي تعيد في الأرض الجديدة سردية : مؤسساتها القديمة عن : الخلافة والإمامة ، والاعدل والاحق ...

لكن الأغرب من هذا : انها تتطلع الى ( اصلاح ) المؤسسات التي آوتهم : فكأنها لا تعترف بعدالة هذه المؤسسات ، وتتطلع إلى العودة إلى ظلم مؤسساتها في أوطانها القديمة ...