زهير جمعة المالكي
باحث وناشط حقوقي
(Zuhair Al-maliki)
الحوار المتمدن-العدد: 7815 - 2023 / 12 / 4 - 12:16
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من الحلقات المفصلية في تاريخ الإسلام والتي اثرت على تشكيل عقول (المتأسلمين ) ومعتقداتهم كان اللجنة السداسية التي شكلها عمر ابن الخطاب لاختيار خليفة له فهذه اللجنة المشكلة من ستة افراد من قريش وسابعهم كان ابنه عبد الله ابن عمر فهذا الاجراء انتزع الصلاحية في اختيار الحاكم من جميع المسلمين الذي نص القران على انهم متساوون في الحقوق والواجبات وحصرها في القرشيين فقط وانتزع من جميع المسلمين ما نص عليه القران من إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ وحصر التكريم في أصحاب الجاه والثروة من قريش حصرا كما منح الحاكم صلاحية رسم سياسة انتقال السلطة حتى وهو في أواخر حياته التي انتهت على يد أبو لؤلؤة فيروز وكانما نسي انهم اتهموا الرسول في اخر حياته انه يهذي من المرض وانه هو أي عمر من رفع صوته قائلا (حسبنا كتاب الله ) . ومن يومها بداء التحول التدريجي نحو ظهور السلطة الوراثية القرشية . والمضحك انهم أي المتاسبمين يعتبرون هذه الحادثة دليل على ديمقراطية انتقال الحكم باعتبار ان امرهم شورى بينهم . في اللغة : الشورى والمشورة بضم الشيـن أي شاوره في الأمرإما مفهوم الشورى في اللغة فهو استخراج أو أستظهار أمر من ألأمور، فيقال صار هذا الشيء شورى بين القوم إذا تشاوروا فيه وهو فعل من المشاورة وهو المفاوضة في الكلام ليظهر الحق أي لا ينفردون بأمر حتى يشاوروا غيرهم فيه ، وقوله تعالى (وشاورهم في ألأمر )، أي في أمر الحرب تطيبا" لقلوبهم أي استخرج أراءهم وأستعلم ما عندهم ، وقوله تعالى ( فأشارت إليه )، الشورى أصطلاحا": قال تعالى: (وأمرهم شورى بينهم) أي يتشاورون في ألامور. والشورى مصدر شاورته ، مثل البشرى والذكرى ونحوه .
ان اول ما يؤخذ على هذه الحادثة ان الحاكم كان مصابا بجراح قاتلة نتيجة الطعن والسم وكان يغمى عليه بين الحين والحين ورغم ذلك لم يقال له غلبة الوجع او انه (هجر) كما قالوا على رسول الله في رزية يوم الخميس بل نفذوا وصيته بان اختار عمر ستة اشخاص للشورى هم :
أ. عبد الرحمن ابن عوف الزهري واعطاه ميزة ان اذا تساوت الأصوات تكون الكفة للذي عبد الرحمن فيها .
ب. سعد ابن ابي وقاص الزهري
ت. الزبير ابن العوام الاسدي
ث. طلحة ابن عبيد الله التيمي
ج. عثمان ابن عفان الاموي
ح. علي ابن ابي طالب الهاشمي
ان اول مايلاحظ على هذه اللجنة انها خلت من أي ممثل عن الأنصار فلم يجعل اي قيمة لاصواتهم وهم غالبية سكان المدينة فهم خسروا حقوقهم منذ ان سلموا السلطة لابي بكر وقد صدقت فيهم أي في الأنصار نبؤة الحباب ابن المنذر كما ورد في كتاب الامامة والسياسة - ابن قتيبة الدينوري تحقيق الأستاذ علي شيري منشورات دار الأضواء للطباعة والنشر والتوزيع بيروت لبنان الطبعة الأولى سنة 1990 الجزء الأول الصفحة 27 "فقام الحباب بن المنذر إلى سيفه فأخذه، فبادروا إليه فأخذوا سيفه منه، فجعل يضرب بثوبه وجوههم، حتى فرغوا من البيعة، فقال: فعلتموها يا معشر الأنصار، أما والله لكأني بأبنائكم على أبواب أبنائهم قد وقفوا يسألونهم بأكفهم ولا يسقون الماء..."
ثاني المحرومين كان اهل سكان المناطق التي دخلت الإسلام على امل ان الإسلام يساوي بين العبد والسيد فلم يسمح لسكان تلك المناطق بالمشاركة في اختيار الحاكم فميع أصحاب الشورى من قريش حصرا فلم تشمل أي ممثل عن الامصار او القبائل العربية الأخرى . برر عمر اختياره بان هولاء الستة هم من الذين مات الرسول وهو عنهم راضي وقد خلت قائمة الشورى من أسماء الصحابة الذين عذبوا وتحملوا عناء الدعوة أمثال عمار ابن ياسر وعبد الله ابن مسعود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي والمقداد ابن عمر وصهيب الرومي وخباب ابن الارت وغيرهم فهل مات الرسول وهو عنهم غير راضي ؟ فاذا قيل ان الاختيار كان لان الحاكم يجب ان يكون من قريش فلماذا تم استبعاد أمثال الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي وهو من أوائل الصحابة ؟
ان اختيار الأشخاص مع إعطاء الأفضلية للمجموعة التي يكون فيها عبد الرحمن ابن عوف تجعل الامر محسوما لصالح عثمان ابن عفان الاموي فعبد الرحمن ابن عوف هو صهر عثمان وسعد ابن ابي وقاص ابن حمينة المنسوبه لبني امية وعبد الرحمن وسعد أبناء عم وطلحة ينسبه البعض الى ابي سفيان الاموي .
هل كان هولاء هم ممن يتصفون بالصفات التي تؤهلهم ليكونوا حكاما براي عمر ؟ العجيب ان عمر قال في الأشخاص الذين اختارهم بنفسه للشورى
أ. الزبير ابن العوام : قال عنه عمر "وعق، لقس ، مؤمن الرضا، كافر الغضب. يوما إنسان، ويوما شيطان، ولعلها لو أفضت إليك ظلت يومك تلاطم بالبطحاء على مد من شعير. فرأيت إن أفضت إليك. فليت شعري من يكون للناس يوم تكون شيطانا، ومن يكون يوم تغضب؟ أما وما كان ليجمع لك أمر هذه الأمة . وأنت على هذه الصفة"
ب. طلحة ابن عبيد الله التيمي " كان عمر مبغضا له منذ قال لأبي بكر يوم وفاته ان عمر فظ غليظ فقال فيه عمر "أما أني أعرفك منذ أصيبت إصبعك يوم أحد والبأو الذي حدث لك، ولقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ساخطا عليك بالكلمة التي قلتها يوم أنزلت آية الحجاب. " ويقصد إن طلحة لما أنزلت آية الحجاب قال بمحضر ممن نقل عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الذي يغنيه حجابهن اليوم، وسيموت غدا فننكحهن؟ وما يمنعني من طلحة إلا نخوته وكبره ، ولو وليها وضع خاتمه في إصبع امرأته".
ت. سعد بن أبي وقاص قال فيه عمر " صاحب مقنب من هذه المقانب تقاتل به، وصاحب قنص، وقوس، وأسهم وما زهرة والخلافة، وأمور الناس. والله ما يمنعني أن أستخلفك يا سعد إلا شدتك وغلظتك مع أنك رجل حرب "
ث. عبد الرحمن بن عوف " ليس يصلح هذا الأمر لمن فيه ضعف كضعفك، وما زهرة وهذا الأمر وما يمنعني منك يا عبد الرحمن إلا أنك فرعون هذه الأمة "
ج. على علي ابن ابي طالب عليه السلام : قال فيه عمر "لله أنت لولا دعابة فيك، وأما والله لئن وليتهم لتحملنهم على الحق الواضح والمحجة البيضاء. وما يمنعني منك يا عليّ إلا حرصك عليها ، وإنك أحرى القوم إن وليتها أن تقيم على الحق المبين والصراط المستقيم "
ح. عثمان ابن عفان "هيهات إليك كأني بك قد قلدتك قريش هذا الأمر لحبها إياك فحملت بني أمية، وبني أبي معيط على رقاب الناس، آثرتهم بالفيء فسارت إليك عصابة من ذئبان [ذؤبان] العرب فذبحوك عفى فراشك ذبحا، والله لئن فعلوا لتفعلن، ولئن فعلت ليفعلن. ثم أخذ بناصيته فقال: فإذا كان ذلك فاذكر قولي فإنه كائن. وما يمنعني منك يا عثمان إلا عصبيتك وحبك قومك وأهلك "
وهذا الراي ذكر في اكثر من مصدر برواية ابن قتيبة في الإمامة والسياسة الجزء الأول الصفحة 43 تحقيق علي شيري : « والله ما يمنعني أن أستخلفك يا سعد إلا شدتك وغلظتك مع أنك رجل حرب ، وما يمنعني منك يا عبد الرحمن إلا أنك فرعون هذه الأمة ، وما يمنعني منك يا زبير إلا أنك مؤمن الرضا كافر الغضب ، وما يمنعني من طلحة إلا نخوته وكبره ، ولو وليها وضع خاتمه في إصبع امرأته ، وما يمنعني منك يا عثمان إلا عصيتك وحبك قومك وأهلك ، وما يمنعني منك يا عليّ إلا حرصك عليها ، وإنك أحرى القوم إن وليتها أن تقيم على الحق المبين والصراط المستقيم » .
كما يذكر عبد الرحمن أحمد البكري في كتابه (من حياة الخليفة عمر بن خطاب) منشورات الإرشاد للطباعة والنشر بيروت - لندن الصفحة 450 " فقال عمر: أفلا أخبركم عن أنفسكم؟ قالوا: قل فإنا لو استعفيناك، لم تعفنا. فقال: أما أنت يا زبير فوعق، لقس ، مؤمن الرضا، كافر الغضب. يوما إنسان، ويوما شيطان، ولعلها لو أفضت إليك ظلت يومك تلاطم بالبطحاء على مد من شعير. فرأيت إن أفضت إليك. فليت شعري من يكون للناس يوم تكون شيطانا، ومن يكون يوم تغضب؟ أما وما كان ليجمع لك أمر هذه الأمة . وأنت على هذه الصفة. ثم أقبل على طلحة - وكان له مبغضا منذ قال لأبي بكر يوم وفاته ما قال في عمر (1) فقال له أقول أم أسكت؟ قال فإنك لا تقل من الخير شيئا. قال: أما أني أعرفك منذ أصيبت إصبعك يوم أحد والبأو الذي حدث لك، ولقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ساخطا عليك بالكلمة التي قلتها يوم أنزلت آية الحجاب. قال شيخنا أبو عثمان الجاحظ رحمه الله: الكلمة المذكورة: إن طلحة لما أنزلت آية الحجاب قال بمحضر ممن نقل عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الذي يغنيه حجابهن اليوم، وسيموت غدا فننكحهن؟ قال أبو عثمان أيضا: لو قال لعمر قائل: أنت قلت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وهو راض عن الستة فكيف تقول الآن لطلحة إنه مات عليه السلام ساخطا عليك للكلمة التي قلتها لكان قد رماه بمشاقصة ولكن من الذي يجسر على عمر أن يقول له دون هذا، فكيف هذا. ثم أقبل على سعد بن أبي وقاص فقال: إنما أنت صاحب مقنب من هذه المقانب تقاتل به، وصاحب قنص، وقوس، وأسهم وما زهرة والخلافة، وأمور الناس. ثم أقبل على عبد الرحمن بن عوف فقال: وأما أنت يا عبد الرحمن بن عوف فلو وزن إيمان المسلمين بإيمانك لرجح إيمانك به ولكن ليس يصلح هذا الأمر لمن فيه ضعف كضعفك، وما زهرة وهذا الأمر! ثم أقبل على علي عليه السلام فقال: لله أنت لولا دعابة فيك، وأما والله لئن وليتهم لتحملنهم على الحق الواضح والمحجة البيضاء.ثم أقبل على عثمان فقال: هيهات إليك كأني بك قد قلدتك قريش هذا الأمر لحبها إياك فحملت بني أمية، وبني أبي معيط على رقاب الناس، آثرتهم بالفيء فسارت إليك عصابة من ذئبان [ذؤبان] العرب فذبحوك عفى فراشك ذبحا، والله لئن فعلوا لتفعلن، ولئن فعلت ليفعلن. ثم أخذ بناصيته فقال: فإذا كان ذلك فاذكر قولي فإنه كائن."
العلاقات الاسرية بين مجموعة الشورى عبد الرحمن ابن عوف ابن عم سعد ابن ابي وقاص كلاهما ينتسبان الى زهرة وعبد الرحمن ابن عوف صهر عثمان ابن عفان كان متزوجا من أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وهي أخت عثمان لأمه والزبير ابن العوام ابن عمة علي ابن ابي طالب . ولهذا أشار علي في قوله لعمه العباس " سعد لا يخالف ابن عمه عبد الرحمن وعبد الرحمن صهر لعثمان لا يختلفون ، فيوليها عبد الرحمن عثمان ، أو يوليها عثمان عبد الرحمن " وكان عبد الله بن عباس قد تنبه لهذا المدرك والتفت إلى علي عليه السلام « أقال عمر : إن رضي ثلاثة منكم رجلاً منهم ، ورضي ثلاثة رجلاً منهم ، فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف » . فقيل له : نعم ؛ فقال ابن عباس قد ذهب الأمر منا " . قد يسال سائل لماذا دخل علي في الشورى ؟ كان رد علي عندما نهاه ابن عباس عن الدخول في الشورى، فقال علي عليه السلام: « ولكني أدخل في الشورى لأن عمر قد أهلني الآن للخلافة، وكان من قبل يقول: إن النبوة والخلافة في بيت واحد لا يجتمعان، وأردت أن أظهر أن روايته تناقض فعله".
راي المسلمين في الشورى المزعومه يذكر ابن عبد ربّه الاندلسيّ في «العقد الفريد» قال: «ذكروا أنَّ زياداً أوفد ابن حصين علی معاوية فأقام عنده ما أقام. ثمّ إنَّ معاوية بعث إلیه فخلا به فقال له: يا بن حصين قد بلغني أنَّ عندك ذهناً وعقلاً! فأخبرني عن شيء أسألك عنه ! قال: سلني عمّا بدا لك. قال [معاوية ]: أخبرني ما الذي شتّت أمر المسلمين وأبلاهم وخالف بينهم؟ قال: قتل الناس عثمان ! قال: ما صنعتَ شيئاً . قال [ابن حصين ]: فمسير طلحة والزبير وعائشة وقتال علیّ إيّاهم . قال: ما صنعتَ شيئاً. قال: ما عندي غير هذا. قال [معاوية ]: فأنا أخبرك به، إنَّه لم يشتّت بين المسلمين، ولافرّق أهوإهم إلاّ الشوري التي جعلها عمر إلی ستّة نفر. وذلك أنَّ الله بعث محمّداً بالهدي ودين الحقّ ليظهره علی الدين كلّه ولو كره المشركون، فعمل بما أمره الله به ثمّ قبضه الله إلیه، وقدّم أبا بكر للصلاة فرضوه لامر دنياهم إذ رضيه رسول الله لامر دينهم. فعمل أبو بكر بسنّة رسول الله، وسار بسيره حتّي قبضه الله، واستخلف عمر فعمل بمثل سيرته، ثمّ جعلها [عمر ] شوري بين ستّة نفر فلميكن رجل منهم إلاّ رجاها لنفسه ورجاها له قومه . وتطلّعت إلی ذلك نفسه. ولو أنَّ عمر استخلف علیهم كما استخلف أبو بكر ما كان في ذلك اختلاف».
اما انساب أصحاب الشورى المزعومه :
أ. عثمان ابن عفان الاموي
يروي علي بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي سيف أَبُو الحسن المعروف بالمدائني ( العلامة الحافظ الصادق ) كما وصفه الذهبي في سير اعلام النبلاء ، فقد ذكر ابي عبيد الله محمد ابن عمران المرزباني في كتابه المعنون (نور القبس المختصر من المقتبس في أخبار النحاة والأدباء والشعراء ) اختصار (أبي المحاسن يوسف بن أحمد بن محمود الحافظ اليغموري ) في الصفحة 183 ما يلي " وقال المدائني : المدائني: كان عفّانُ بن أبي العاص مؤنثاً يلعب في الأعراس بالدُفّ، ومثله الحكم بن أبي العاص، وكان شيبة بن ربيعة حلقياً وكان يأتيه منبه بن الحجاج بن سعد بن سهم وكذلك أبو جهل بن هشام، وكان النضر بن الحارث بن علقمة حلقياً ويأتيه صفوان بن أمية بن خلف " الصحابي عمرو بن العاص ( ابن النابغة) يقول للصحابي لعثمان " قد رأيت العاص بن وائل ورأيت أباك عفان فوالله للعاصي كان أشرف من أبيك , فانكسر عثمان وقال : ما لنا ولذكر الجاهلية، وخرج عمرو ودخل مروان فقال: يا أمير المؤمنين وقد بلغت مبلغا يذكر عمرو بن العاص أباك، فقال عثمان: دع هذا عنك، من ذكر آباء الرجال ذكروا أباه " _ تاريخ الطبري ج5 ص 108, و أنساب الاشراف للبلاذري ج5 ص 74 . وفي عفان بن أبي العاص [ ابو عثمان ] يقول عبد الرحمن بن حنبل يعير عثمان بن عفان وكان عفان يضرب بالدف :زعم ابن عفان وليس بهازل ان الفرات وما يحوز المشرق
خرج له من شاء أعطى فضله ذهبا وتلك مقالة لا تصدق أنى لعفان أبيك سبيكة صفرا فاطعم العتاب الازرق
وورثته دفا وعودا يراعةجوعا يكاد بثقبتها يستنطق يودنا لو كنت انثى مثله فيكون دف فتاتكم لا تمتق( المصدر : باب البغائين والمخنثين من نفس كتاب مثالب العرب للكلبي .) .
ب. عبد الرحمن بن عوف الزهري : يقول ابن الكلبي في كتابه مثالب العرب "وكان عبد عوف بن عبد الوارث بن زهرة من أهل عين التمر يعزى إلى تغلب، وكان يسمى عرقوباً ، وابتاعه رجل من قريش فقدم به مكة، فاشتراه عبيد بن الحرث فادّعاه وألحقه به، فقال في ذلك مسافر بن عبد عوف: سائل قريش وأحلافها ....... من كان عوف لها ينسب! وكان عوف بن عبد عوف عبداً لخزاعة، وكان يسمى سحيماً، وكان حجاماً ، وكان في أخوة ثلاثة سحمة ودبل ودبيل، وكانوا عبيداً لخزاعة ، وأمهم ممتعة وأمها غزالة وأمها دمامة طرقها غيره فولدت أربعاً كنّ لخزاعة، وكانت ممتعة تسمى فارة الحبك، وكانت بغياً من بغايا الجاهلية ذات راية، فأما سحيم فاشتراه أزهر بن عبد عوف فألحقه بأبيه، وكان أكبر من عبد عوف وسمّاه يوم ألحقه عوفاً.) ( مثالب العرب ص37) .
ت. طلحة بن عبيد الله ( ابن الحضرمية): طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم, تيمي من قريش حسب ادعاء أبيه طلحة . تفسير مفاتيح الغيب للفخر الرازي (قيل سبب نزوله أن بعض الناس قيل هو طلحة بن عبيد الله، قال لئن عشت بعد محمد لأنكحن عائشة!) تفسير فتح القدير للشوكاني (وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة قال: قال طلحة بن عبيد الله: لو قبض النبيّ لتزوّجت عائشة.). وهذا تفسير واضح وصريح.
أصل طلحة ومنشأه. يقول هشام الكلبي ( أبو طلحة هو عبيد الله كان راعياً بالبلقاء , فلحق مكة , فأدعاه عثمان بن عمرو بن كعب التيمي .) وبذلك صار عبيد الله تيمياً بالانتساب. وفي ذلك يقول حسان بن ثابت في طلحة بن عبيد الله
ألم تر أن طلحة في قريش به من الغطارفة العظام وكان أبوه بالبلقاء عبداً في يده الشوك في جنح الظلام أما أم طلحة, فهي الصعبة بنت الحضرمي وكانت بغية من ذوات الرايات في الجاهلية, وأبوها اسمه ذرمهر الفارسي من منطقة حضرموت, ولذلك كانت قريش تسمي الصعبة ببنت الحضرمي. قال الكلبي في نسب أم طلحة الصعبة بنت الحضرمي كانت لها راية حالها حال بغايا مكة , استبضعت بأبي سفيان فوقع عليها ، وتزوجها عبد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم، فجاءت بطلحة بن عبد الله لستة أشهر( باختصار عن مثالب العرب ص26 , ص27) ,فاختصم أبو سفيان وعبد الله في طلحة فجعلوا أمره إلى صفية فألحقته بعبد الله، فقيل لها: تركتِ أبا سفيان؟ فقالت: يد عبد الله طلقة ويد أبي سفيان نكرة ! فقال حسان بن ثابت فيها:
فيا عجباً من عبد شمس وتركها
أخاها ذنابى بعد ريش القوادم
و قولها يد أبي سفيان نكرة, كانت كناية عن البخل الذي أشتهر به أبو سفيان صخر بن حرب, قال الزمخشري :(ابن الصعبة : طلحة بن عبيد الله أضافه إلى أمه وهي الصعبة بنت الحضرمي وكانت قبل عبيدالله تحت أبي سفيان بن حرب فلما طلقها تبعتها نفسه قفال : فإني وصعبة فيما ترى بعيدان والود ود قريب فأن لايكن نسب ثاقب فعند الفتاة جمال وطيب وإنمأ أضافة إليها غضا منه لأنها لم تكن في ثقابة نسب)( الفائق في غريب الحديث للزمخشري)وقال ابن عبد البر :(الصعبة بنت الحضرمى كانت تحت أبى سفيان بن حرب فطلقها فخلف عليها عبيد الله بن عثمان التيمى فولدت له طلحة بن عبيد الله )( الاستيعاب لابن عبد البر ج3 ص 1086, ترجمة العلاء بن جارية الثقفي والعلاء الحضرمي طبعة النت) تأمل كيف أن صاحب الاستيعاب يلطف في نسب طلحة ويغير ماقاله الكلبي فيقر ان الصعبة كانت تحت أبي سفيان ولكنه يقول أنه طلقها, ومثله كتب الزمخشري كما تقدم ! فهل هناك طلاق للمومسات ؟ لإن الكلبي الذي نقلا عنه يقول تصريحا (أم طلحة بنت الحضرمي التي كانت لها راية حالها حال بغايا مكة استبضعت بأبي سفيان)(مثالب العرب للكلبي ) .
وعن هشام الكلبي عن أبيه قال:( افترى طلحة بن عبيد الله على الوليد بن عقبة ، فغضب عثمان له، وأراد ضرب طلحة، فغضب أبو سفيان وقال: هذا ثوب بن تلدة فسله إن كنت لا تعلم، فسكت عثمان. قال هشام: وإنما غضب أبو سفيان لأن أم طلحة كانت عند أبي سفيان، وكان بعض الناس ينسبه إليه) ( مثالب العرب ص57)
وهذه الرواية تبين سر ميل أبوسفيان لطلحة , فهو المدعي أنه هو الذي وضع نطفته في رحم أمه صفية ! أما ثوب بن تلدة في الرواية فهو من المعمرين العارفين بالانساب وقول أبوسفيان لعثمان : هذا ثوب بن تلدة , أنما عنى به أن ثوب بن تلدة عالم بالانساب وهو شاهد على أن والد طلحة الحقيقي هو أبوسفيان , ولذلك غضب له أبوسفيان وذَكَّر عثمان بأن يأخذ جانب طلحة ضد الوليد , لأن أبا سفيان هو الذي وضع نطفته في رحم صفية, فتأمل.
أما أخو طلحة واسمه ذر بن عبيد الله فأمه اسمها كريمة وهي أيضا صاحبة راية في مكة على قول الكلبي في المثالب, ويروى أن حسان بن ثابت عيَّر ذر بن عبيد الله ( أخو طلحة) فقال في طلحة يذكر أخاه وكان بمكة : (بني ذر لا أباً لأبيكم *** تنقون في النادي بفتق الضفادع) وأبوهم هو أبوذرمهر.
ظل لقب ابن الحضرمية يلاحق طلحة طوال حياته, ففي أثناء حصار الخليفة عثمان ,وفي ذلك الحصار كان طلحة بن عبيد الله من أشد المناوئين للخليفة وفي في تأليب الناس على عثمان حتى قتلوه, سمَّى عثمان أكثر من مرة طلحة بأبن الحضرمية إنقاصاً له وتذكيراً له بأمه . فيروي ابن أبي الحديد عن عثمان أنه قال : (ويلي على ابن الحضرمية (يعني طلحة) ، أعطيته كذا وكذا بهاراً ذهباً ، وهويروم دمي يحرض على نفسي ! اللهم لا تمتعه به ولقه عواقب بغيه)( شرح النهج لابن أبي الحديد ج9,ص35). وللفائدة نذكر أن بهار الذهب هو مايحتويه جلد ثور من الذهب, فقد اعطى عثمان لطلحة كذا وكذا بهاراً ذهباً لطلحة بن الحضرمية ولكن ذلك لم يمنع طلحة من حرب عثمان. وفي أثناء الحصار على عثمان يأتي علي بن أبي طالب بقِرب الماء ويرسلها لعثمان بن عفان المحصور في البيت, فيمنع طلحة الرجال من الوصول الى عثمان كي يموت عطشاُ ويقول : (لا والله لا نعمة عين له ، ولا نتركه يأكل ويشرب ), فقال أمير المؤمنين علي : ( ما كنت أظن أن اكلم أحدا من قريش فيردني ، دع ما كنت فيه يا طلحة ). فقال طلحة : (ما كنت أنت يا علي في ذلك من شيء .) فقام علي بن أبي طالب مغضبا ، وقال : ( ستعلم يابن الحضرمية أكون في ذلك من شيء أم لا ! ثم انصرف ) (تاريخ الطبري ج4 ص 385 باب مقتل عثمان, كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه ج2 ص 267 )
ث. الزبير بن العوام : هو ابن صفية بنت عبد المطلب عمة النبي محمد. روى البلاذري أن ابن الزبير قال لابن عباس: (لقد كتمت بغضك وبغض أهل أبيك مذ أربعون سنة ! فقال ابن عباس: ذلك والله أبلغ إلى جاعريتك(يقصد أنه لايشبه خؤولته وجدته صفية بنت عبد المطلب فهو كجعرور التمر) بغضي والله أضرك وأثمك إذ دعاك إلى ترك الصلاة على النبي’في خطبك ، فإذا عوتبتَ على ذلك قلت إن له أهيل سوء فإذا صليتُ عليه تطاولت أعناقهم وسمت رؤوسهم !فقال ابن الزبير: أخرج عني فلا تقربني . قال: أنا أزهد فيك من أن أقربك ولأخرجن عنك خروج من يذمك ويقليك . فلحق بالطائف)( أنساب الاشراف للبلاذري ص857 )
ينسب بعض المؤرخين العوام هو قبطي الاصل من مصر, تبناه خويلد وألحقه به وأعطاه أسمه .
ج. سعد بن أبي وقاص : كان بغض سعد لعلي نابع من قتل علي لأقارب سعد بن أبي وقاص ,فأم سعد هي حمنة بنت سفيان بن أمية وقد قتل الامام الكثير من بني أمية أخوال سعد بن أبي وقاص في معارك بدر وأحد وغيرها, وفي ذلك يقول الشيخ محمد عبدة :(كان سعد بن أبي وقاص في نفسه شئ من علي من قبل أخواله لأن أمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس ولعلي في قتل صناديدهم ما هو معروف ومشهور.)( شرح نهج البلاغة لمحمد عبده ج 1 ص 88 .) .ويروي ابن قتيبة كذلك أن عمار بن ياسر المناصر لعلي بن أبي طالب كلم المعارضين لعلي بعد مقتل عثمان ومنهم عبد الله بن عمر بن الخطاب وسعد بن ابي وقاص ومحمد بن مسلمة في سبيل أستمالتهم لعلي لمبايعته , لكنهم تجاهلوا ذلك ولم يبايعوا علياً! , يقول الدينوري متحدثاً عن عمار بن ياسر: ( ثم أتى سعد بن أبي وقاص فكلمه، فأظهر الكلام القبيح، فانصرف عمار إلى علي، فقال له علي: دع هؤلاء الرهط، أما ابن عمر فضعيف، وأما سعد فحسود، وذنبي إلى محمد بن مسلمة أني قتلت أخاه يوم خيبر: مرحب اليهودي)( الامامة والسياسة لابن قتيبة ج1 ص47).
نسب سعد بن أبي وقاص أبو وقاص أسمه مالك فيكون الاسم سعد بن مالك. وقصته أن امرأة اسمها السلافة بنت مالك العذري قدمت مكة ومعها ابن صغير لها اسمه مالك بن غراب من بني عذرة فنزلوا على وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، فنكح وهب السلافة، فولدت غلاماً سمّاه العذري، فأدّعاه وهب وخاصم فيه العذريين وسماه مالكاً. ومالك بن غراب هذا هو أبو سعد وكنيته أبو وقاص. فيكون سعد وفقاُ لذلك ليس من قريش بل أنتسب اليهم عن طريق الالصاق وهو عادة عرب الجاهلية. ووقع بين مالك العذري وبين الشاعر عبيدة بن الحويرث شرا فقال عبيدة بن الحويرث في أبي وقاص وهو مالك أبو سعد :
أمسى يفاخرنا لئيم ساقط وسط المحافل مالك بن غراب
فافخـر بعذرة إنهم آبـاؤكم واتـرك تنحّل زهرة بن كـِلاب
وإذا ظللت فقل بأنك منهم يا آل عذرة عند كــل خطــاب
إن قلت إنك من قريش كلها نسب تمت ولا أروم نصـــاب ( الابيات عن مثالب العرب للكلبي ص 46 , ) وقال حسان بن ثابت في عتبة بن أبي وقاص وهو أخو سعد,وكان عتبة قد أدمى وجه النبي (ص) يوم معركة أحد:
إذا الله حيّى معشـــــــراً بفعالهم ينصرهم الرحمن رب المشــــارق
فأخزاك ربي يا عتيب بن مالك ولقاك قبل الموت إحدى الصواعق
بســـطت يميناً للنبي تعمـــّداً فأدميـــــت فاه قطعت بالبـــــوارق
فيا عجباً من عبد عذرة بعدما هوى في دجـــوجي من الفجر نائق( مثالب العرب ص46)
وقوله ( فواعجبا لعبد عذرة ), تصريح بأنه عبد من بني عذرة ولصيق بقريش وليس منهم. روى الكلبي : ( ترآى الناس الهلال في زمن عثمان أمّا الصوم وأمّا الفطر، فجاء هشام بن عتبة بن أبي وقاص فقال: أشهد لقد رأيته، فقال له عثمان: بأي عينيك الصحيحة أم العوراء؟ فقال: وما تعيّرني بعين ذهبت في سبيل الله ؟ أما والله ما كنتُ مثلك حين فررت يوم الزحف، فغضب عثمان فضربه ضرباً وجيعاً، وقال يا ابن مسلك الذنب أمَ والله إني لأعرف فيك انخزال بني عذرة.) ( مثالب العرب ص67) . وهي أبيات تدل على أشتهار سعد بن ابي وقاص بكونه من بني عذرة وليس من قريش. أما أم سعد بن أبي وقاص فهي حمنة أو حمينة قال ( الحلبي: (وأم سعد بن مالك أبي وقاص حمية ابنة سفيان بن أمية بن عبد شمس، ملصقة النسب بسفيان.) ( تقريب المعارف ص 360 للحلبي المتوفى 447 هجرية . زمن خلافة عثمان بن عفان وقع جدال بين الصحابي عبد الله بن مسعود وبين سعد بن أبي وقاص عيَّر فيه عبد الله بن مسعود سعداً وذكره بأمه حمينة (حمنة) ! (اقترض سعد بن أبي وقاص من عبد الله بن مسعود من بيت المال قرضا فلما تقاضاه ابن مسعود لم يتيسر له قضاؤه فارتفع بينهما الكلام فقال له سعد ما أراك إلا ستلقى شرا هل أنت إلا ابن مسعود عبد من هذيل, فقال أجل والله إني لابن مسعود وإنك لابن حمينة) ( الكامل لابن الاثير ج3 ص 185). وتسمية العرب لرجل باسم أمه في حالة الشتيمة والغضب يعني أنهم يقدحون في سلوكها , وهذا يعني أن سعدا بن مالك أو سعدا بن أبي وقاص كما يقال له ,ليس من قريش من جهة الاب فأبوه من بني عذرة , وكذلك هو ليس من قريش من جهة الام , فأمه حمنة أو حمية ملصقة ببني أمية بالتبني .قال المسعودي " ووجدت في وجه آخر من الروايات و ذلك في كتاب علي بن محمد بن سليمان النوفلي في (الأخبار) عن ابن عائشة وغيره : إن سعد لما قال هذه المقالة لمعاوية ونهض ليقوم ضرط له معاوية وقال له : اقعد حتى تسمع جواب ما قلت ، ما كنت عندي قط ألأم منك الآن ، فهلا نصرته ؟ ولم قعدت عن بيعته ؟ فإني لو سمعت من النبي مثل الذي سمعت فيه لكنت خادما لعلي ما عشت ، فقال سعد : والله إني لأحق بموضعك منك. فقال معاوية : يأبى عليك بنو عذرة. وكان سعد فيما يقال لرجل من بني عذرة " (مروج الذهب للمسعودي ج 2 ص 15) . ويقول السيد الحميري في سعد من قصيدة طويلة:
أو رهط سعد , وسعد كان قد علموا... عن مستقيم صراط الله صدادا
قوم تداعوا زنيما ثم سادهم ... لولا خمول بني زهر لما سادا ( القصيدة عن مروج الذهب ج2 ص 16), والزنيم هو الملصق في القوم وليس منهم, وقول معاوية لسعد : ( يأبى عليك بنو عذرة) يعني : ياسعد أنت من بني عذرة ولست من قريش وهذا لن يؤهلك للقيادة والخلافة.
مما تقدم كانت هذه الحادثة التي وضعتها العقول القرشية هي اول خطوة لفتح الباب امام تحويل الحكم الى وراثة قرشية تمهيدا لتحويلها الى حكم وراثي مطلق وتم اختيار الأشخاص بدقة وعناية بحيث لايكون لاحدهم القدرة على التصرف الا وفق ما مرسوم له نتيجة لدراسة نفسية معمقة للخلفية النسبية والعشائرية لكل منهم . فهي استطاعت اجبار المسلمين على قبول الامر الواقع والرضوح لارادة الحاكم المطلق وعشيرته .
#زهير_جمعة_المالكي (هاشتاغ)
Zuhair_Al-maliki#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟