هل أن وهم الدولتين مازال قائما؟


مرتضى العبيدي
2023 / 11 / 3 - 22:48     

من جديد، تكشف المقاومة الباسلة للشعب الفلسطيني مكر ونفاق القوى الامبريالية المتشدقة بحقوق الإنسان. فعلى ضوء ما يجري اليوم على أرض فلسطين، سارعت فرنسا مثلا الى منع كل مظاهر التعبير عن المساندة للشعب الفلسطيني وأصدرت جملة من المناشير تجرّم المشاركة فيها وتسلط عقوبات بما فيها السجن أو الترحيل عن المخالفين، بدعوى معاداة السامية، معتبرة أن معاداة دولة الاحتلال والأيديولوجية التي تقوم عليها أي الصهيونية هي معاداة لليهودية، وهنا تكمن المغالطة الكبرى.
الخلط المتعمّد بين اليهودية والصهيونية
فكلما هبت المقاومة الفلسطينية للدفاع عن أرض فلسطين المسلوبة ودحر العدوان الصهيوني عليها، إلا وتحركت الآلة الإعلامية الإمبريالية ـ الصهيونية لبث المغالطات وتشويه النضال المشروع للشعب الفلسطيني، ووصفه بالإرهاب وبأن غايته هي القضاء على اليهود. فيوصف كل مساند للحق الفلسطيني بأنه معاد للسامية ويعرّض نفسه في عديد البلدان الامبريالية الى التتبع والمساءلة القانونية. ومن هنا الخلط المقصود بين اليهودية والصهيونية. والواقع أن أغلب يهود العالم رفضوا الأيديولوجيا الصهيونية عند بروزها، ومازال الكثير منهم يرفضونها الى اليوم، بل أن عديد اليهود في العالم معادين صراحة للصهيونية ويساندون الحق الفلسطيني، بينما الكثير من غير اليهود يتبنون الفكرة الصهيونية ويستميتون في الدفاع عنها.
فإذا كانت اليهودية دينا سماويا، فإن الحركة الصهيونية التي برزت أواخر القرن التاسع عشر كانت ترتكز على أيديولوجيا استعمارية عنصرية، إذ طرحت منذ نشأتها فكرة إقامة وطن قومي لليهود. فلاقت الفكرة صدى في نفوس غلاة المستعمرين في بريطانيا. فوعد اللورد بلفور زعماء الحركة بتمكينهم من فلسطين لتحقيق حلمهم. والحقيقة أن اليهود الفلسطينيين والعرب عاشوا في فلسطين والبلاد العربية الاخرى مثل مصر والعراق واليمن والمغرب وغيرها، في سلام وطمأنينة قروناً عديدة دون أن يفكروا أصلا في المطالبة بكيان سياسي مهما كان شكله أو حكم ذاتي، بل عاشوا مع غيرهم كمجموعة دينية/ثقافية ومارسوا حرياتهم الدينية والثقافية دون عوائق، الى أن برزت الحركة الصهيونية وأولت اهتمامها لفلسطين وخططت لاحتلالها واجتثاث شعبها وإقامة وطن قومي لليهود على أرضها.
ولن نسرد هنا مختلف مراحل العدوان الصهيوني التي أدت الى احتلال فلسطين والى الواقع القائم اليوم، بل سنكتفي بتفحّص جانب واحد من المعضلة الفلسطينية والمتعلق بالحلول المطروحة ومنها حل الدولتين.
انهيار وهم الدولتين
نعلم أن قرار التقسيم أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ سنة 1947، ورفضته الدول العربية ومعظم الفلسطينيين. وأقيمت دولة العصابات الصهيونية على أرض فلسطين وتوسعت على إثر الهزائم العربية المتتالية وتهجير الفلسطينيين نحو البلدان العربية المجاورة. لكن الدعاية الامبريالية ـ الصهيونية واصلت منذ ذلك التاريخ ترويج الأوهام بإمكانية قيام دولة فلسطينية تعيش في سلام مع الدولة الصهيونية. واستمرت الأخيرة في توسعها واحتلالها المزيد من الأراضي. بينما لم تر الدولة الفلسطينية النور حتي الآن بل إنها تقلصت لمجرد منطقة ضيقة يعيش فيها الفلسطينيون تحت الإدارة والتهديد والاستباحة العسكرية الإسرائيلية.
واتضح أن السلطة الفلسطينية في منظور الصهاينة هي مجرد ادارة ذاتية “للكانتونات” الفلسطينية، وليست سلطة سياسية وطنية حقيقية. هذا هو سقف واقصى ما يمكن ان تصل اليه السلطة الفلسطينية، ضمن إطار “دولة يهودية” هي “إسرائيل الكبرى” على مجمل ارض فلسطين التاريخية. بل إن اللاءات الخمسة التي تبنتها الأحزاب الصهيونية قاطبة بانه لا انسحاب من القدس، ولا انسحاب من وادي الأردن، لا إزالة للمستوطنات، ولا عودة للاجئين، ولا للدولة الفلسطينية المستقلة، دفعت بحل الدولتين الى افق مسدود.
وهو ما يجعل التظاهر الصهيوني بقبول حل القضية الفلسطينية في إطار دولتين، واحدة فلسطينية وأخرى “يهودية،” مجرّد مناورة لكسب الوقت وفرض وقائع مادية جديدة على الارض. فالكيان الصهيوني ـ ومن ورائه القوى الامبريالية ـ لم يعمل ابدا على الحوار الجدي مع الفلسطينيين للتوصل الى حل، وانما لمزيد السيطرة عليهم، بل إننا نعتقد أنه لم يرغب يوما في التعايش معهم وانما سعى فقط لاقتلاعهم من أرضهم.
ولأن الكيان الصهيوني ليس إلا صنيعة الامبريالية الغربية ورأس حربتها لتأمين مصالحها في الوطن العربي وضمان نهب الثروات التي يزخر بها، فإن الصراع ضده سيبقى مستمرا حتى هزيمة المشروع الامبريالي الصهيوني برمته. لكن هذا الهدف ليس مطروحا للتحقيق ضمن إطار موازين القوى القائمة الآن، بل في إطار النضال من اجل تغييرها وتأمين التحولات الضرورية في الواقع العربي.
إن الجري وراء سراب الشرعية الدولية ليس سوى مضيعة للوقت واستمرارا لمعاناة الشعب الفلسطيني. فالعمل النضالي الاستراتيجي يقوم على الايمان بالجماهير والاعتماد على قوتها الكامنة، وعلى إعادة تشكيل الحركة السياسية وقوى المواجهة والتحرر، خاصة وقد وصل الاحتقان الشعبي العربي الذي ولدته الوحشية الامريكية الصهيونية في فلسطين ولبنان والعراق وسوريا واليمن وليبيا حد الغليان. فعلى القوى الثورية استثمار هذا الغليان الشعبي في تأسيس فعل مقاوم يتحول مع المراكمة الى عمل منظم.
إن الطريق المسدود الذي آل إليه حل الدولتين يجعل من شعار إقامة الدولة الديمقراطية العلمانية على كامل التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس شعارا واقعيا، وهو شعار يرتكز الى ثلاث مستندات ألا وهي: رفض الاعتراف بالكيان الصهيوني، والنضال من أجل تفكيكه، وحق العودة لللاجئين الفلسطينيين.