إنهما يسرقان صفات الله


اسماعيل شاكر الرفاعي
2023 / 10 / 19 - 07:56     

سرقة صفات الله

القرار الذي اتخذته حكومة نتنياهو بأزالة مدينة غزة من الوجود ، وترحيل  ما يظل حياً من سكانها الى منافٍ جديدة ، قرار آلهة وليس قراراً بشرياً . انه يتضمن تغيير الجغرافيا الطبيعية وتصفير سكانها بشكل جماعي ، وهو ما لا تتمكن من تنفيذه  الا الآلهة . وقد جاء قرار " نتنياهو " رداً على قرار " طوفان الاقصى "  الذي نفذته حماس في السابع من شهرنا الجاري  ...

اطلقت حماس اسماً على عملياتها العسكرية كانت الآلهة قد استعملته اسماً لقرارها في الطوفان ، ودفن الناس احياء تحت الماء ، وهو قرار ينطلق من  قدرة لا تملكها الٌا الآلهة فقط ...

يتميز عالم الآلهة عن عالم البشر بالخلود ، وبقدرة الآلهة على فعل اشياء تعجز البشرية عن فعله . والوجود والقدرة - كما ارى - هما الصفتان الجامعتان لكل صفات الآلهة التي ناقشها لاهوتيو الديانات الشرق اوسطية الثلاثة ...

صفة البشر الأرأس هي : فن القيادة ، وتصبح القيادة اكثر صلابة واقدر على المناورة : حين يسعى السياسي الى تجميع : القوة ليحصل على خاصيتي :  القهر والطاعة . طموح السياسي  هو قهر الاغلبية وحملهم على طاعته ، لانه يتوق الى تكوين سلطة : تدير الشأن العام . ( في هذه الفترة السابقة  للثورة الزراعية ومباشرة الانسان انتاج غذائه : لم يكتب الملحمة ، ستظهر الملاحم لاحقاً بعد ان يتعلم الانسان الكتابة ، والكتابة  ممارسة تحتاج الى تفرغ  بعض الشغيلة وهو ما سيتحقق بعد لثورة الزراعية التي ستنتج الغذاء بكميات وفيرة تفيض عن الحاجة المباشرة للسكان : ومع الثورة الزراعية ستصبح الثقافة التي تحتاج الى افراد  متفرغين حقيقة واقعة ، وتصبح الجيوش حقيقة واقعة هي الاخرى ، ويصبح وجود جهاز بيروقراطي للحكم يتصخم باستمرار وتشعب اختصاصاته حقيقة واقعة ، لقد تكفلت الثورة الزراعية بتغطية نفقات جميع النشاطات البشرية اللاانتاجية ، وتغذية جميع العاملين فيها ) ...

فالتحدي الاكبر امام السياسي : ان لا تظل سياسته مقتصرة على تجميع القوة بل ان يكون قادراً ، والقدرة من صفات الآلهة وليس من صفات البشر . لكن احداث الناريخ اخبرتنا بان السياسي تمكن من امتلاك القدرة ، ولولا امتلاكها لما تمكن من انتزاع طاعة الجماهير الغفيرة وتحريكها . وحين يبلغ السياسي هذه المرحلة ويبدأ بتحريك الجماهير ودفعها الى تنفيذ المشاريع الضخمة : يكون قد استطاع اقناعها بامتلاك شرعية النطق باسم الغيب ، وتطبيق شريعة الله . وبهذه الوسيلة حرك السياسي الالوف المؤلفة لاصلاح الاراضي الشاسعة ، وشق الترع وبناء المعابد الضخمة كالزقورات والاهرامات وخوض الحروب . وفي هذا بكون السياسي الذي يملك شرعية تمثيل آلهة السماء والنطق باسمها قد اضاف الى القوة وهي صفته البشرية الغالبة : اضاف اليها صفة القدرة حين اقنع الناس من خلال الدين : بانه ممثل الله في الارض ، وان على الناس سمعه وطاعته . وفي هذه المرحلة بالذات :  كتب الانسان ملحمة البطولة ( جلجامش ) في مدينة الوركاء ، وبعد ذاك بألف عام كتب الشاعر الضرير : هوميروس ملحمتيه : الالياذة والاوديسية ...

في اسرائيل وفي غزة تمت سرقة صف الله الكبرى التي هي القدرة . اسكر التطور التكنولوجي : نتنياهو ، فاسقط تأثير الانسان العربي ، والعالم ثالثي ، واصحاب النزعة الانسانية في العالم من قراره في اعلان الحرب على غزة ، وتصور ان بامكانه تغيير الجغرافيا وترحيل سكنتها  ، وفعلت حماس الشيء نفسه : فقد اسكرها امتلاك تكنولوجيا تصنيع الصواربخ الباليستية ، فسطت على الموروث الديني ، وسرقت منه دلالة الفيضان التي لا يمكن نسبتها لمكان ارضي ( المسجد الاقصى ) ، لان الماء دلالة سماوية ، الا انها ارادت ان توحي - مثل حكومة نتنياهو - بقدرتها على تدمير جغرافية اسرائيل برمتها ، ودفن الاسرائيليين تحت انقاض صواريخ الاقصى ااباليستية ....

الى الوقت الذي يتمكن فيه الشعب الفلسطيني من طرد حماس من القيادة ، ومعه يتمكن الشعب الاسرائيلي من طرد نتنياهو واليمين السياسي من سدة القيادة ، ويتبادل الشعبان الاعتراف ببعضهما ، وبحقهما المشترك في الحياة وفي الوجود على ارص فلسطين : يبدأ الشرق بالخروج من همجيته : لان الهمجية والبربرية من صفات القيادات وليس من صفات الشعوب ..