الجنوب والدولة القومية ( 7 )

الجنوب ( 7 )
الجنوب والدولة القومية
الجزء الاول
( آ )
تعكس دول الشرق الاوسط - كبقايا متحجرة من دول الحضارة الزراعية الآفلة - في بنيتها المؤسساتية ، وفي آليات اشتغال مؤسساتها : بقايا نموذج دولة قديم ، من سماته : القهر ومصادرة الحريات باسم المقدس الديني .
ومن سماته : ادارة شأن الناس العام باسلوب المثابات العسكرية ( حيث حالة الطواريء الدائمة ، ودوي صفارات الانذار ) .
- [ ] ومن سماته : التهرب من الاعتراف بالحقيقة التاريخية التي تشير الى : تراجع الدولة الزراعية القديمة عن صناعة احداث التاريخ ، امام صعود نموذج دولة الحضارة الصناعية كصانع وحيد للحدث التاريخي ، بما يعنيه ذلك من تراجع الارض المزروعة عن انتاج الثروة والقوة ، والصعود الصاروخي للتصنيع كمنتج للثروة والقوة . وما زالت دول الشرق الاوسط مستمرة برفض العمل بمفهوم المواطنة ، ومتمسكة بالعمل بمفهوم : الولاء والبراء الديني القديم : ( تقريب ابناء الطائفة وابعاد ابناء الطوائف الاخرى )في التعادمل مع محكوميها : مما ادى الى تفجر محتمعاتها بحروب اهلية في العراق ، لبنان ، سوريا ، اليمن … : تنفجر كلما تراجع حضور السلطة الخانق ، وارتخى سيفها البتّار …
( ب )
تربط سلطات دول الحضارة الزراعية شرعيتها في الحكم بالدفاع عن الدين ، لكن سلوك العوائل التي توارثت الحكم لم يتسم بالتقوى ، ولا بالعدالة بل كانوا يأمرون جيوشهم بالاستيلاء على اراضي الشعوب الاخرى ، ونهب ممتلكاتهم وتحويلها الى غنيمة ، والغنيمة هي اجر " هدايتهم من الضلالة ". ادعى بعض هذه العوائل المالكة بتحدر نسبها من الآلهة كالسلالات السومرية قبل الطوفان ( فجر السلالات ) ، الذين نقلوا لاول مرة في التاريخ خبر : " ان الملوكية هبطت من السماء " ، التي تحولت في اوربا القرون الوسطى الى : " حقوق الملوك الآلهية " . كذلك امبراطور اليابان وسلالات الحكم في الصين يعتقدون بانتسابهم الى آلهة السماء . وكان الملك نفسه هو الاله في دولة الحضارة المصرية القديمة ( الفرعونية ) …
( ج )
لم تعترف دول الحضارة الزراعية بمواهب شعوبهم العلمية ، ولا بقدراتهم العقلية التي مكنتهم ذات يوم من اجتراح معجزة : الثورة الزراعية . فالملاحم والاساطير التي خلفتها : تتحدث عن وجود مجمع من الآلهة ( الاناناكي ) هو الذي علّم الناس علوم الزراعة والصناعات الحرفية ، وعلوم ضرورية اخرى كالطب والفلك والسحر . ستسمي اديان الشرق الاوسط اللاحقة مجموعة الآلهة هذه : بعالم الغيب ، وتعده المصدر الوحيد للمعرفة . وتعد المعارف التي اوحى بها الى الانبياء : انها المعارف الوحيدة الصحيحة والصادقة .
نظما دول الحضارة الزراعية : الحياةَ العامةَ وفقاً لتشريعات اوحى بها كبير آلهة السماء . واهمها شريعة : الملك اور نمو السومري ، وشريعة الملك السومري نورمان سن ، وشريعة الملك حمورابي البابلي الشهيرة . الافكار الاساسية التي تضمنتها تلك الشرائع يمكن ايجازها بالنقاط التالية :
1 - التفويض الالهي للملوك .
2 - العقوبات انطلاقاً من المبدأ القديم : " العين بالعين والسن بالسن " .
3 - السخرة الجماعية واحكام العمل المدنية ، والاحوال الشخصية من علاقات اسرية وزواج وطلاق .
4 - احكام تنبع من الاخلاق العامة وتتعلق بالسرقة والزنا والقتل …


الجزء الثاني