نحن النساء النصف نحتاج إلى الإنصاف


ليندا كبرييل
2023 / 8 / 10 - 08:05     

ملاحظة: شخصيّات المقال وأحداثه تتعلّق بما جاء في الحلقات السبع السابقة، وهي من ذاكرة الأمس، الرجاء العودة إليها لربط بعض الأحداث. بدأتُ في كتابتها في آذار/ مارس هذا العام مع حلول مناسبتَيْن هامَّتين في يوم واحد: يوم المرأة العالمي، وذكرى ثورة البعث السوري في الثامن من آذار.


ألقت مليكة اليهودية رأياً في قواعد اللغة العربية أثار لغطاً وضجيجاً.
قالت إسراء:
ــ كيف تجرؤ هذه اليهوديّة على وصف لغة أهل الجنة بأنها عنصريّة؟؟
مَن علّمكِ هذا أيتها القادمة من غابات القرود؟ اللهمَّ اِجعَل كيدهم في نحورهم.

قالت ابتهال الماركسيّة:
ــ أخواتي! نحن ننشد تغيير أوضاع المرأة المزرية والأمر لا يتمّ إلا بفهم الظاهرة وتفسيرها، وما لم تتحرَّر المرأة من كل القيود المقَدَّسة التي جعلتها مُسَخَّرة لخدمة رغبات الرجل، ومَسْخَرة في سوق الفتاوى، فإن معركة المرأة لِنَيل حقوقها لن تجدي شيئاً. سأدَعُ الكلام لصديقتنا مليكة التي وجدتْ ما يستحقّ الإشارة إليه في موضوع التمييز ضدّ المرأة. ماذا عندكِ يا مليكة؟
قالت مليكة اليهودية:
ــ حتى اللغة العربيّة غير المُحايدة وغير المنصِفة تَمييزيّة. نستطيع أن نلمس انعكاس الواقع الاجتماعيّ بتقاليده الرجعيّة على لغتنا.
تساءلت إقبال:
ــ ماذا تقصدين؟ وضِّحي.
أجابت (اليهوديّة) التي عُرِفَت بِتَمَيُّزها وتَفَوُّقها في اللغة العربيّة:
ــ أمثلة كثيرة ستجدونها دون عناء في لغتنا العاميّة، وقبل أن أشير إلى واحدة منها مما عثرتُ عليه في مادّة القواعد، أدعوكم إلى تحليل الأفكار بنُضج ووعي بالابتعاد عن المؤثِّرات الشخصيَّة والحكم وفق مزاجيَّة.
سكتت مليكة لحظات تتأمَّل وجوهنا لترى تأثير كلامها علينا. ثم تابعت عندما لم تجد اعتراضاً من أحد فقالت:
ــ قبل كل شيء هل لاحظتم أننا في حوارنا نستخدم الضمائر المختصَّة بجمع المذكَّر؟ مَن منّا يستخدم الضمائر المختصَّة بجمع المؤنَّث؟!
وبعد.. كم شعرتُ بالضآلة والهشاشة وأنا أقرأ شرحاً ينتزع الانتباه من أشدّ النفوس غَفلةً؛ اِفتحوا كتاب القواعد على درس الممنوع من الصرف، وانظُروا في المسألة التالية:
يقول عالِم اللغة:
{ في ضوابط اسم العلم الممنوع من الصرف أي من التنوين، فإنَّ المصادر مثل : (وداد ، نجاح ) إنْ سُمِّيَتْ بها الإناث مُنِعَت من التنوين أي تأخذ حركة واحدة ( ــُ ــَ ) ، وإنْ سُمِّيَ بها الذكور نُوِّنَت، أي تأخذ حركتين ( ــٌ ــً ــٍ )
أخذت مليكة تكتب مِثالَين على السبّورة لتشرح فكرتها. التفتت إلينا وقالت:
يقول واضِع القاعدة:
* تجتهدُ ودادُ مع أخيها نجاحٍ *
( ودادُ: ممنوعة من الصرف لأنها اسم علم مؤنث فتُرفَع بضمَّة واحدة فقط. و نجاحٍ: مجرور مُنَوَّن بالكسرتَيْن لأنه اسم علم مذكَّر)
لاحِظوا الآن المثال الثاني:
* يجتهد ودادٌ مع أختِه نجاحَ *
( ودادٌ: هنا مرفوع بالضمَّتَين لأنه اسم علم مذكَّر. و نجاحَ: ممنوعة من الصرف لأنها اسم علم مؤنّث تُجَرُّ بفتحة واحدة)
!!!
ملاحظة: لا تنسوا القاعدة:
الممنوع من الصرف يُرفَع بضمّة واحدة ويُنصَب ويُجَرُّ بفتحة واحدة.

كما ترون قدَّم عالِم اللغة شرحاً لضوابط أسماء العلم (المصادر) الممنوعة من الصرف، بطريقة ساذجة كمُسَلَّمة لا تقبل الجدال مشحونة بالتمييز.
ببعض التأمّل في هذه اللغة غير البريئة، نستطيع الكشف عن المُضمَر والمسكوت عنه الذي عجز الشيخ عالم اللغة عن إخفائه! تبريره واهٍ مكشوف، وهذه الحبكة اللغوِيَّة فاسدة، وبجهد بسيط نتوصَّل فوراً إلى فكِّ اللغز، الذي يذكِّرنا بأحكام النساء على النصف من أحكام الرجال في الميراث والشهادة والديّة والعقيقة، ولا ننسى القاعدة الذهبيّة التي تتحكَّم في كل جوانب حياة النساء: للذكر مثل حظّ الأنثيَين!
كركرت سعاد في الضحك وقالت مُعَلِّقةً:
ــ نحن النساء نص نص ناقص مُقَصقَص ومَقصوص ههههه
عقَّبت راوية:
ــ علماء اللغة نتاج واقع تسقيط المرأة، وبالتالي فلَن ينتجوا إلا ما يعبِّر عن هذه البنية المتخلِّفة، وهذا ليس شيئاً طارئاً، فالخطاب العام ينحاز إلى الرجل بشكل سافِرٍ، وثقافتنا في قبضة العادات والتقاليد المتواطئة على حرِّيَّة المرأة وتبخيسها.
هزَّت مليكة رأسها موافِقةً وتابعت:
ــ التفكير في هذين المثالين وفي غيرهما مما توَصَّلتُ إليه، يؤدّي إلى حدوث شرخ نفسيّ من الصعب أن يندمل، لأنه يُضاف إلى ما يتجلّى في لغتنا العاميَّة أيضاً من ابتذال وتحقير لأمهاتنا وأخواتنا.. هذا عنف وتمييز عنصريّ مُنَظَّم.
قالت إسراء مُتَهَكِّمة:
ــ أهذا كل ما جعلكِ مجروحة نفسيّاً يا~ ست مليكة؟!!

رفعت مليكة وجهها إلى الأعلى وأغمضت عينيها ثم زفرت زفرة عميقة.. ونحن ننتظر عما سيسفر عنه هذا الموقف المتأزِّم بين مليكة وإسراء التي تنتهز كل فرصة للطعن بمليكة وبأجدادها اليهود.
ابتسمت مليكة وقالت:
ــ إسراء.. نحن في نقاشٍ جَدّيّ قد أخطئ وقد أصيب فيه، اِنسي أني جئتُ مع أجدادي من غابات القرود.. وتخلَّصي من الأحقاد التي زرعوها في داخلك.. أحاول أن أناقش أمراً يعنيكِ يا عزيزتي ويتعلّق بمستقبل بناتك وحفيداتك.
ردَّت إسراء باستفزاز:
ــ الحقيقة لم يبالغ مَنْ قال إن كل ما يتعلّق بالفعل (هَدَّ) له صلة بكلمة يهود (هدَّ وهدَّد وهَدَم) انظروا يا بنات محاولتها الخبيثة في هدم قاعدة أساسيّة في علم النحو الذي استُنبِط من القرآن الكريم.

انبرتْ كريستين للردّ على إسراء، فقالت لها:
ــ ما هذا الكلام الداشِر، قرود وخباثة، هلّا تنبّهتِ إلى أن كل الأنبياء أجدادها منهم مبتدأ الأديان وخبرها، وأعظم علماء الدنيا من شعبها؟
ثم التفتتْ كريستين إلى مليكة وقالت لها بصوت منخفض:
ــ لا تهتمّي.. شعورها بالنقص يُهَيمن عليها، فيدفعها إلى التعويض بالمبالغة في السخرية والاستفزاز.
كأنَّ على رؤوسنا الطير، لكن راوية طيَّرت الطير عندما تداركت الموقف المُلتهِب، فقالت وهي تضع يدها على كتف إسراء:
ــ نحن لا نخسر شيئاً من سماع الجديد، لكن علينا أن نعلم أن أهمّ مصادر علماء اللغة التي اعتمدوا عليها لاستنباط قواعد العربية هو القرآن الكريم لأنه أصدق صورة لعصره.
وانفضَّ الإشكال.

عادت مليكة إلى مقعدها وخاطبتنا بصوت جَهور:
ــ لست في صدد هذا المثال فحسب، بل هناك ما سأوافيكم به بعد قليل؛ مثال ينضح عنصرية وتَعَسُّفاً وتطرّفاً! وأرجو أن أسمع رأي إسراء به.
المثال القادم أطلق عليه: التحرُّش الأخلاقيّ، ويضرب بأكثر القيم الإنسانيّة عُرض الحائط. افتحوا القاموس على الصفحة التالية....

يتبع