كيف تساعد ابنك المراهق أن يكون شخصًا صالحًا


بوياسمين خولى
2023 / 5 / 22 - 06:56     

اطلعت مؤخرا على حوارات مع الدكتور "كين جينسبيرغ" (1) - Dr. Ken Ginsburg - وأحد كتبه (2) أعرض

يتمتع الآباء بفرصة لمساعدة ابنهم المراهق على النمو وتقوية علاقتهم.
المراهقة هي الفترة التي قد يعاني فيها الأطفال من نمو سريع في أجسادهم وأدمغتهم ، بالإضافة إلى زيادة المشاعر. وذلك لأن المراكز العاطفية للدماغ (الجهاز الحوفي واللوزة) (3) تنضج بسرعة أكبر من مركز التفكير في الدماغ (قشرة الفص الجبهي) ، مما يساعد في التنظيم وحل المشكلات وفهم المشاعر. المنطق لا يواكب المشاعر حتى سن 25 تقريبًا. ومع حدوث هذه التغييرات، قد يعبر الشباب عن المشاعر أو الأفراح أو الحساسيات. في بعض الأحيان ، قد تؤدي المشاعر المتزايدة إلى الشعور بحزن وغضب أكبر ، أو إلى المخاطرة.

عبر كتابه يريد الدكتور "كين جينسبيرغ" ، أن يعرف الآباء مدى أهمية دورهم في الواقع خلال فترة المراهقة، و كيف يمكن أن يؤثر سلوكهم ومواقفهم وأفعالهم طوال فترة المراهقة على أطفالهم بالطريقة الأفضل ، حتى مرحلة البلوغ. إن فترة المراهقة فرصة للمساهمة في إعداد رجل المستقبل. يعتقد "كين" أن تغيير الطريقة التي يتعامل بها الآباء والأمهات مع المراهقين يمكن أن يغير العالم.

يقول الدكتور "كين" : "عندما نعد المراهقين ليكونوا أشخاصًا صالحين ، ونهتم بالآخرين ونجعلهم يريدون المساهمة في العالم ، فإننا نغير المستقبل. عندما نعد المراهقين لفهم أنه لا يوجد شيء أقوى من الاتصال البشري، وأننا نعتمد على الأسرة للحصول على المشورة من أجل النمو، وللمساعدة في اتخاذ قراراتنا الأكثر حكمة، فإننا ننتج أشخاصا بالغين سيقودوننا إلى مستقبل أفضل". لذا يوصي الوالدين على الاهتمام - ليس فقط بتتبع تعليم أطفالهم وتفوقهم فيما يهوون – وإنما عليهما الاهتمام أيضا بـ "ماذا سيصبحون مستقبلا"، عليهما أن يسعيا ليصبح الأطفال أشخاصًا صالحين، يستحقون فعلا قيادتنا إلى المستقبل.

يتساءل الدكتور: كيف يحدث ذلك؟ ويجيب:
ليس من خلال إخبار الطفل بأنه شخص جيد، ولكن من خلال رؤية ما هو جيد بالفعل وصحيح فيه، والاهتمام عن قرب وباستمرار بما هو جيد فيه.

يتحدث الكتاب عن الحاجة إلى القدوة والتواصل الفعال بين الوالدين والمراهق. ما دام الهدف هو تنشئة أناس صالحين، يهتمون بأنفسهم ويهتمون بالآخرين، فالمراهقة هي فرصة رائعة حيث يطور الناس إحساسهم بهويتهم، وبموقعهم المستقبلي في العالم. وفي هذه المرحلة يبحثون عن نماذج يحتذى بها. وإذا كان أحد الوالدين في موقع أن يكون نموذجًا يحتذى به الطفل، فعليه أن يظهر له – بشفافية - أنه يعاني من صعوبات وتعقيدات، لذلك يحاول دائمًا تصحيح نفسه وسلوكه عندما يقع في خطأ ما. من خلال هذه الشفافية، التي تظهر مدى صعوبة العمل لتكون جيدًا وتحافظ على التوازن، حتى عندما تبدو الحياة غير مستقرة، فإن الأطفال يراقبون هذا ويعاينون ضرورة بدل المجهود للتغلب على الصعاب. إنهم، في واقع الأمر، لا يبحثون عن الكمال، وإنما يبحثون عن كيفية نموك، وكيفية تنقلك، وكيفية تفاعلك مع الآخرين، حتى عندما لا تسير الأمور في المسار الذي تأمله. هذه هي الطريقة التي تتعلم بها "جوهر الإنسان". وهذا لا يكفي إنها البداية، وجب أن يليها التواصل المفتوح والتحدث مع الأطفال حول كيف نتخذ القرارات و كيف نهدئ أنفسنا عندما لا نشعر بالهدوء الداخلي الشديد في الداخل ... والكثير من القرارات التي سيتخذونها (الأطفال) يوميًا هي أشياء من قبيل : ماذا يعني أن تكون شخصًا جيدًا ، وأن تكون صديقًا جيدًا ، وأن تتحلى بالصبر ، وأن تكون متواضعًا ، وأن تستمع إلى أفكار الآخرين... ؟ إنهم يتعلمون كل هذه الأشياء. ويتطلب ذلك الكثير من التفكير الداخلي والحوار الداخلي. عندما يكون لديهم إنسان مستعد للاستماع إليهم - وهذا دورك كأب مثلا - أثناء مناقشة تعقيدات الحياة والاهتمام بما يقولون ، فسيجدون أنه من الأسهل العثور على موطئ قدم لهم وأن يكونوا من النوع الذي تحب يأمل أن يصبحوا مستقبلا.

يريد الوالدان حماية أطفالهما ويرغبان في لفهم في غلاف فقاعي ، لكن عليهما الانتباه إلى الكيفية التي يجب توجيه المراهقين لمواجهة التحديات والتأثيرات السلبية. تتعلق المراهقة - في واقع الأمر - بمعرفة مقدار ودرجة الاستقلال الذي عليهما منحه للأطفال لأنهم يحتاجون إلى معرفة كيفية القيام بما يريدون بأنفسهم.

نعم، يريد الناس حماية المراهقين، ويريدونهم أن يبتعدوا عن المناطق والأمور المحفوفة بالمخاطر وألا يبتعدوا عن "الحدود المعقولة. فهذا ما يريده الوالدان، لذا يندفعان إلى لفهم في غلاف فقاعي يقيهم من "ضرورة مواجهة تحديات الحياة"، علما أنهما لا يستطيعان ذلك .لذا فإن أفضل حماية يمكنانهما تقديمها للطفل هي الاستعداد، وتجهزه للعالم "الحقيقي" بمجموعات من المهارات اللازمة للتعامل مع المصاعب.
ولعل أول شيء يجب الحرص عليه، هو جعل الأطفال يتعاملون مع العالم بشعور بالأمان ، حتى يعرفوا أنه يمكنهم ارتكاب الخطأ والتعافي منه، وأنك - كأب أو أم - ستحبهم دون قيد أو شرط وتقف بجانبهم ، حتى عندما يرتكبون أخطاء. وهذا -طبعا - لا يعني أن توافق على كل شيء، وإنما يعني أنك ستظل بجانب الطفل.
نعم، على الوالدان حماية أطفالهم، لكن عليهما أن يعلما، أنه أحيانا يجب السماح لهم بالتعلم من الظروف.

تمنح الحياة كل واحد منا تلك الإخفاقات الصغيرة التي تسمح لنا بالسقوط ثم النهوض. ووظيفة الوالدين هي مساعدة أطفالهم على النهوض من دون خجل أو لوم أو "حكم قيمة" والاستفادة من هذه الفرصة للنمو والتقدم.

واحدة من أعظم الخرافات حول المراهقين أنهم "أنانيون وهذا بعيد عن الحقيقة. ربما يهتم المراهق بشكله وزيه ورغبته في القيام بشيء فنقول إنه أناني. ربما أن هذا الحكم قد يغلق أبواب "مثالية المراهق"، ولاحقا السعي الحثيث لتحقيق أحلامه. علما أن مستقبلنا يجب أن يكون هو: "أن يكتشف كل جيل أشياء لم نكتشفها نحن".
على الوالدان اكتشاف اهتمامات طفلهما ومنحه فرصًا ليتمكن من معرفة أنه يحدث فرقًا ما، وأن هذا مهم بالنسبة لهما. فهذا يساهم في بناء قوة الطفل، ويمنحه المزيد من الثقة في نفسه، وسوف يقود إلى مستقبل أفضل.
--------------------------- ------------
(1) - طبيب أطفال متخصص في طب المراهقين في مستشفى الأطفال في فيلادلفيا ، وأستاذ طب الأطفال في كلية الطب بجامعة بنسلفانيا.
(2)- Congrats—You’re Having a Teen! Strengthen Your Family and Raise a Good Person (American Academy of Pediatrics, 2022, 300 pages)
(3) - اجهز الحوفي هو جزء من الدماغ المسؤول عن استجاباتنا السلوكية والعاطفية، خاصة تلك المتعلقة بالسلوكيات التي نحتاجها للبقاء مثل التغذية والتكاثر ورعاية شبابنا، والاستجابة للقتال أو الهروب، أو ما يسمى بعملية الكر والفر. وهو المسؤول عن الوظائف الانفعالية في جسم الإنسان، لذلك ينظر إليه باعتباره المخ الانفعالي. واللوزة هي جزء من الدماغ تقع داخل الفص الصدغي من المخ أمام الحصين، و تشكل جزءا من الجهاز الحوفي، وتشارك في إدراك وتقييم العواطف والمدارك الحسية والاستجابات السلوكية المرتبطة بالخوف والقلق وهي تراقب باستمرار ورود أي إشارات خطر من حواس الإنسان، إنها تعدّ كنظام إنذار واستشعار للمتعة.