هل انكشفت عورة نظام السلطة -البوتيني- ؟


بوياسمين خولى
2022 / 10 / 30 - 08:33     

من خلال خلق "ضباب تشريعي" وتسليم آليات السلطة من المؤسسات الرسمية إلى هياكل الطوارئ المؤقتة إن على المستوى الفيدرالي أو المستوى الإقليمي ، انكشفت عورة نظام السلطة الرأسي "البوتيني".

في 19 أكتوبر 2022 أقدم الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" تحويل نظام الحكومة الروسية إلى نظام شبه عسكري، وذلك عبر حزمة من الأوامر التنفيذية النافذة المفعول توا. وقد قعدت هذه الأوامر أنظمة قانونية خاصة في عدد من المناطق القريبة نسبيًا من خط المواجهة ، وأنشأت هياكل تنسيقية جديدة مكلفة بالقضايا المتعلقة بالحرب. وهذا أملا في حل المشاكل العديدة التي سببها الغزو الروسي لأوكرانيا.

بالإضافة إلى تطبيق الأحكام العرفية في الأراضي الأوكرانية التي طالبت بها روسيا مؤخرًا ، أعلن الرئيس بوتين أيضًا عن "حالة تأهب قصوى" في المقاطعات الفيدرالية الوسطى والجنوبية في روسيا. ويمنح مستوى "التأهب العالي" المحافظين صلاحيات جديدة ، بما في ذلك الحق في التحكم في ولوج مناطقهم أو مغادرتها. ويذهب مستوى "الاستجابة المتوسطة" الذي تم تقديمه في ثمانية أقاليم إلى أبعد من ذلك: فهو يسمح للسلطات بإخراج الأشخاص قسرًا من المناطق التي تعتبر خطرة.

علاوة على ذلك، تسمح الأوامر التنفيذية الجديدة باعتماد بعض الأحكام العرفية في الأماكن التي لم يتم الإعلان عنها رسميًا. وقد تشمل هذه الإجراءات مصادرة المركبات والمساكن مقابل تعويض الدولة ، وإغلاق الحدود ، والتنصت على الهواتف ، وإصدار أوامر للشركات الخاصة بتكريس آليات إنتاجها للاحتياجات العسكرية.

لم تحدد المراسيم الرئاسية التي أصدرها بوتين بوضوح أين وكيف ستطبق وتترجم أوامره التنفيذية الجديدة على أرض الواقع ، مما خلق "ضبابًا تشريعيًا كثيفا".

أنشأت المراسيم الرئاسية هيئتين حكوميتين جديدتين للاضطلاع بمهمة تلبية الاحتياجات الناشئة والطارئة أثناء "العملية العسكرية الخاصة" - أي غزو أوكرانيا :
مجلس التنسيق التابع لحكومة الاتحاد الروسي ، سيرأسه رئيس الوزراء "ميخائيل ميشوستين" وسيضم كلا من المسؤولين الحكوميين المدنيين وأعضاء الأجهزة الأمنية. وستساعد لجنة مجلس الدولة التي يرأسها عمدة موسكو "سيرجي سوبيانين" المجلس الجديد على تنسيق عمله مع الحكام ، الذين سيقومون بدورهم بإنشاء وإدارة مقر عمل يعمل به مسؤولون أمنيون إقليميون.

قدمت روسيا ترتيبًا هيكليًا مشابهًا إلى حد ما في ظل الحيرة الأولية مع بداية جائحة كوفيد. في ذلك الوقت ، كان الرئيس حريصا على استمرار شعبيته في أوج موجات الوفيات الناجمة عن الفيروس. ومع ذلك ، كان من الواضح أن إجراءات الحجر والإغلاق ستكون غير شعبية.

كان الحل الذي تم التوصل إليه هو نقل المسؤولية إلى مجلس تنسيق برئاسة "ميشوستين" ولجنة المحافظين برئاسة "سوبيانين". مُنح الحكام الإذن بفرض أي إجراءات محلية يرونها مناسبة - شريطة محاسبتهم من طرف الكرملين في حالة حدوث خطأ ما.
لا يوجد تشريع محدد بشأن تدابير كوفيد، إذ ترك كل شيء للحكام. وأعلنت السلطات الإقليمية بدورها عن مستويات التأهب القصوى في مناطقها وفرضت قيودًا وفقًا لذلك ، على الرغم من أنه كان من المنطقي أكثر بكثير فرض حالة الطوارئ ، مع جميع الضمانات الاجتماعية التي كان من الممكن أن تترتب على ذلك.

سمح هذا "الضباب التشريعي" للرئيس بوتين بطمس المسؤولية ، وتجنب إنفاق أموال الدولة لمساعدة المحتاجين ، ومحاسبة أولئك الذين هم في أدنى مستوى في التسلسل القيادي. وطبعا ، في ظل عدم وجود قواعد وتعليمات واضحة ، فإن الأخطاء لا مفر منها ، وكان هناك دائمًا من يتحمل اللوم وتقع الأخطاء على عاتقه.

ويبدو أن بوتين أعد الكرة مع المراسيم الرئاسية الجديدة، إذ لا يريد أن يرتبط اسمه بخطوات لا تحظى بشعبية ، مثل تفتيش المركبات أو تحويل الشركات الخاصة إلى الامتثال لاحتياجات عسكرية مقابل تعويض رمزي. لذلك ، يقع على عاتق قادة المنطقة تنفيذ كل هذه القرارات بالتنسيق مع رئيس الوزراء ورئيس بلدية موسكو. وبالتالي ، سوف تحصدون الوبال إذا أصبح الوضع مزريًا.

لقد أدى التجنيد الأخير إلى شعور الروس بمزيد من القلق. وما دام الكرملين يحتاج إلى وقف أي تراجع إضافي في شعبية الرئيس، يمكن تحميل المسؤولية بهذا الخصوص إلى المحافظين المحليين.

من خلال خلق هذا "الضباب التشريعي" وتحويل آليات السلطة من المؤسسات الرسمية إلى هياكل الطوارئ المؤقتة على المستويين الفيدرالي والإقليمي ، ألا يدل هذا على أن نظام السلطة الرأسي الذي أنشأه بوتين غير فعال بامتياز ؟

رجح بعض المحللين أن يصبح التنسيق الضعيف بالفعل بين مختلف الفروع والمستويات الحكومية أضعف من السابق ، مما قد يدفع إلى البحث عن مركز قوة جديد. علما أن ستعمل الهياكل الحكومية الجديدة المكلفة بمساعدة المجهود الحربي ستعمل على تقليل قوة وتأثير الهيئات الحكومية التقليدية. كما رجحوا أن لا تكون الهياكل الجديدة قادرة على التنسيق فيما بينها وأن تعمل بكفاءة ، نظرًا لسلطاتها غير المحددة. فإذا لم يتمكن نفس البيروقراطيين والمسؤولين الأمنيين من التنسيق بشكل جيد في ظل نظام حكومي واضح نسبيًا ، فكيف يُتوقع منهم أن يفعلوا ذلك بآليات مؤقتة غامضة في ظل ظروف حرجة؟ وينتهون إلى القول ، لن يؤدي هذا إلا إلى تفاقم الأزمة.