كارل ماركس في رحاب عبقرية الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)


فلاح أمين الرهيمي
2022 / 9 / 26 - 16:37     

وأنا أحلق في رحاب الفكر الفلسفي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي والإنساني للإمام علي ابن أبي طالب (عليه السلام) في مقولته الرائعة التي تجسد كل المعاني الإنسانية حيث يقول : (ليست هناك نعمة موفورة إلا وبجانبها حق مضيع) وتسير الأيام والسنين وبعد حوالي عدة قرون على تلك المقولة الرائعة يستدل عليها الفيلسوف كارل ماركس ويستنبط منها نظريته الاقتصادية (فائض القيمة) التي أحدث فيها ثورة في علم الاقتصاد وكتابه المأثور (رأس المال) وحفز يقظة ثورية لدى الطبقة العاملة في جميع أنحاء العالم بإدراك حقوقهم وحرمانهم منها من خلال نظريته الاقتصادية (فائض القيمة) وعلى ضوء هذا القانون يعكس كيف يستغل الرأسمالي ويسلب جهد العامل الكادح ويكون الثروة الكبيرة التي من خلالها يوسع معاملة ويزيد مكانته ووسائل الإنتاج وتقوم المقولة (ليست هناك نعمة موفورة إلا وبجانبها حق مضيع) التي خلقت لدى ماركس نظريته (فائض القيمة) :-
يمتلك رأسمالي مصنع لإنتاج الساعات اليدوية ويعمل في هذا المعمل خمسة عمال ينتج في اليوم الواحد عشرة ساعات يبيع الساعة الواحدة بمبلغ عشرة دنانير فيكون مجموع ما يحصل عليه الرأسمالي (مئة دينار) .. أما أجرة العامل الواحد (عشرة دنانير) فيكون مجموع ما دفعه الرأسمالي (خمسون دينار) يضاف إلى هذا المبلغ نسبة اندثار عشرة دنانير وإيجار المحل خمسة دنانير ومصاريف أخرى عشرة دنانير يكون النتيجة :
أجور العمال خمسون دينار + كهرباء المحل خمسة دنانير + إيجار محل خمسة دنانير ومصاريف أخرى عشرة دنانير = سبعون دينار.
الرأسمالي باع الساعات بمائة دينار إذن :
مائة دينار – سبعون دينار = ثلاثون دينار ربح الرأسمالي التي تعتبر فائض القيمة وهي بالأساس نتيجة جهد العامل وتمثل (الحق المضيع) وعند مقارنة مقولة الإمام علي (عليه السلام) (ليست هناك نعمة موفورة إلا وبجانبها حق مضيع) .. إن تراكم رأس المال التي تمثل ملكية الرأسمالي هي (النعمة الموفورة) التي تكونت من خلال (فائض القيمة) الذي يمثل (الحق المضيع) الذي هو من جهد العامل، وبتراكم فائض القيمة يتكون ملكية الرأسمالي (النعمة الموفورة).
ماركس وطبيعة المجتمع :
إن طبيعة المجتمع الماثل أمامنا ليس كيفياً وليس هنالك مجال لاستنكاره ونفيه كحالة شاذة منافية لأخلاق المجتمع بل هو نتاج تطور ضروري كان على الإنسانية أن تمر به خلال تطورها وتقدمها بالرغم أن هذا التطور والتقدم يحدث خارج إرادة الإنسان إلا أن الإنسان له دور فعال في مسيرته وقيادته والتأثير عليه بما ينسجم مع مصالحه وطبيعة حياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
يقول ماركس : (إن الفلاسفة فسروا التاريخ وعلى الإنسان أن يغيّره) .. إن التغيير لا يمكن أن يحدث بدون تدخل الإنسان بعكس التطور الذي يحدث مسيرة التاريخ الذي يكون خارج إرادة الإنسان مثل النضال الطبقي ومسيرة التاريخ العلمي والأدبي والاقتصادي ومستوى نضوج ورقي وتقدم الإنسان إلا أن ذلك لا يعني أن الإنسان ليس له دور في ذلك .. صحيح أن بعض الظواهر تحدث خارج إرادة الإنسان ولكن الإنسان يستطيع أن يحورها ويكيفها حسب ظروفه وحاجاته حتى الأعاصير في الطبيعة والهزات الأرضية تحدث الخراب والدمار ولكن الإنسان لا يقف مكتوف اليدين أمامها وإنما استطاع بعقله وذكائه أن يخلق كل ما هو في مصلحة الإنسان وسعادته ورفاهيته ويكشف مختلف الوسائل والطرق العلمية والتكنولوجية ويسخرها في خدمته ومصلحته.
إن النظرية الماركسية تمتاز عن جميع النظريات لأنها لا تتمحور في حالة واحدة مثل الرياضيات والذرة وغيرها من العلوم بينما النظرية الماركسية تعالج الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكل ما له علاقة بالإنسان وحياته ووجوده متمثلاً في معظم الإنتاج الفكري الوجودي ضد اغتراب الإنسان وضياعه عن نفسه .. كما تقف ضد تشويه إنسانية الإنسان وتخريب وتدمير الطبيعة .. وليست هذه الظاهرة وليدة اليوم وإنما تمتد إلى عملية نشوء وتطور الثورة الصناعية في الغرب منذ القرن الثامن عشر.
إن المسألة المركزية في النظرية الماركسية هي مشكلة وجود الإنسان ككائن موجود فردي وواقعي حقيقي تتجسد معنى وجوده من خلال اعتباره كعامل منتج الذي يتحقق ذلك في الصيرورة التاريخية والنظرية الماركسية ترى أن الإنسان في إحساسه الكامل ككائن موجود في مجتمع معطي وفي طبقة اجتماعية معطاة الذي جرى تطوره من خلال المجتمع.

يتبع ....