|
غلق | | مركز دراسات وابحاث الماركسية واليسار | |
|
خيارات وادوات |
|
لست احقد عليك.. مدام بوفاري
مدام بوفاري رواية من الادب الواقعي، للكاتب فلوبير جوستاف. تعرّض كاتب الرواية الى محاكمة شهيرة بحجة انه كتب عمل غير اخلاقي، بيدا ان الكاتب وهو يدافع عن مدام بوفاري او عن روايته، قال: (ان في وسع الناس الا يحبوا الحقيقة وفي وسعهم ان يرونها جريئة ومزعجة، ولكن، إن الاخلاق حين تخاف سماع صوت الحقيقة ليست جديرة بهذا الاسم). امام صوت الحقيقة لا يسعنا الا ان نحزن على مصير مدام بوفاري، وعلى مصير اخريات هن مدام بوفاري بحياتهن البائسة ونزقهن وانتظارهن للأفضل الذي لن يأتي ما دامت القرارات المصيرية تؤخذ على عجلة بحجة الهروب من شيء ما، بيدا انهن يهرولن الى حتفهن والى حياة غير مستقرة. لست احقد عليك.. لست احقد عليك، عبارة قالها شارل زوج مدام بوفاري حين لمح في ذلك الوجه الذي احبته شيئا منها! ليكمل عبارته في نهاية الرواية انها غلطة القدر. ليس هناك غلطات للقدر وانما نحن من يغلط ويحمل القدر تبعات سوء الحظ، بالعمل وحده ينحصر معنى الحياة. كم من المصائب قد تحل بحياتنا بسبب الكسل، والكسل هنا عكس العمل. ان قرارات مدام بوفاري لم تكن اسعد حظا من تطريزها، كلها لم تحظ بأكثر من الخيوط الاولى ثم تلقي بها في الصوان، وتشرع في تطريز غيرها، لتلقي بها بدورها. وهكذا لم تكن تشرع في قراءة كتاب حتى تطرحه جانبا وتتناول سواه. مدام بوفاري كان العمل بالنسبة لها هو الذي تحقق منه غذاء مباشر لقلبها، كانت تبحث عن العاطفة اكثر مما تبحث عن المنظر، ومن هنا كان ينبع تمردها على نظام حياتها حين يتعارض مع مزاجها فيصيبها الملل البائس. فكانت تخطئ دائما في تقدير العاطفة الخارجة التي طالما بحثت عنها ولم تستطع ان تتصور ان السكينة الناعمة التي تعيش فيها هي السعادة التي كانت تحلم بها، بيدا انه كلما زادت الالفة بينها وبين زوجها ازداد شعورها بانطواء روحها، واتسعت الهوة بينهما، فكان يظنها سعيدة وهي في الواقع عكس ذلك، تزهد في اقرب الاشياء اليها، ولا تتوانى من انتقاد ما يرضي الناس حتى تهوى امورا لا تستقيم مع الاخلاق. كانت تمسك بطرف مظلتها وتردد بينها وبين نفسها" يا الهي لماذا تزوجت" والملل ذلك العنكبوت الصامت الذي كان يغزل نسيجه في الظلال، وفي كل ركن من اركان قلبها يشعرها بأن حياتها باردة كالمخزن الذي اوتي نافذة شمالية. حياة مدام بوفاري كانت في معظمها ثغرات متفاوتة ومتباينة، تذهب منها تفاصيلها ويتبقى لها الحسرة. وكل فصل من فصول حياتها كانت ترى به فصلا سيئا وبائس، وفي كل مرة كان يستقر في نفسها ان الشطر الباقي من حياتها سيكون الافضل الى ان تناولت سم الزرنيخ للتخلص من الخيانة والرذيلة والكذب الذي سقطت به. حين فشلت بسداد ديونها التي تراكمت عليها بالفائض لأنها تتبع غريزتها وتسرف بالصرف عليها، حتى قال احد عشاقها اشعر بأنني عشيقها وبأنها ليست عشيقتي.
|
|