وجْهُ الشّنْفَرَى


كمال التاغوتي
2022 / 9 / 9 - 17:33     

ذَا بَلَدٌ بِهِ وفِيهِ

لاَ يَطِيرُ النَّحَامُ فَوْقَ بِسَاطٍ

يَحْمِلُهُ إلى مَغِيبِ الشَّمْسِ

حيْثُ تُجَدِّدُ الدِّمَاءُ سَدَاهَا،

ذَا بَلَدٌ بِهِ وفِيهِ

يَبْحَثُ حَافِرٌ عَنِ الصَّهِيلِ

عَنْ لَهِيبٍ تُذِيبُهُ نَارُهُ فِي شَذَاهَا،

ذَا بَلَدٌ بِهِ وفِيهِ

تَتَمَادَى سَرِيَّةٌ صَفْرَاءُ

فِي اغْتِيَالِ الأَشْجَارِ وَالمِلْحِ

وَنَحِيبِ الغُيُومِ فِي سَمَاهَا

ذَا بَلَدٌ بِهِ وفِيهِ

لِلْجَرَادِ المَخْبُولِ حَقُّ الكَلاَمِ

لِلْجُرَذِ الأَعْمَى لِنَسْلِ الأَفَاعِي

لِحَرِيقِ المَغُولِ فِي الوَاحَاتِ

سُنْبُلَةُ السّلاَمِ،


وَابَلَدًا يُغَلِّفُونَهُ بِالصَّبَّارِ

والزَّبَدِ المُعَلَّبِ المَحْفُورِ

فِي الدَّوَاوِينِ والفَنَادِقِ والحَانَاتِ

لِتَمُرَّ القَوَافِلُ المَسْحُورَة:

سُفُنٌ

طَائِرَاتٌ

حُقَنٌ

نَاقِلاَتٌ

حَاوِيَاتٌ

مَسْكُونَةٌ بِالقَرَابِينِ

وَطَنٌ

تَعْرِضُهُ الحَقَائِبُ المَأْجُورَة!


يَجْرِفُنِي اللَّيْلُ المُـرَقَّطُ كَالحُلْمِ

مِثْلَ طَحَالِبِ الطَّوَاحِينِ،

أبْلُغُ شَاطِئًا تَمَرَّسَ بِالقَتْلِ

أَفْتَرِشُ الصُّخُورَ فِي انْتِظَارِكَ

عَلَّكَ تُهْدِينِي طَرِيقًا أُخْرَى

أوْ تُؤَاخِينِي والرِّيَاحَ

عَلَّنِي أُوقِظُ الجَــدَاوِلَ بَيْنَ الهِضَابِ

فَتُضِيئَ الدَّرْبَ العَتِيقَ لِزَهْرِ الأَقَاحِي

وَصَلِيلِ الصَّنَوْبَرِ المَصْقُولِ،

كَيَفَ لِذَاكَ الدَّرْبِ أنْ يُومِضَ بَيْنَ الضِّلْعِ والضِّلْعِ

وقُلُوبُ العُشَّاقِ مُدْمِنَةٌ أحْزَانَ الشِّتَاءِ؟

وَطَنٌ مَطْعُونٌ بِمَاضِيهِ

اهْتَرَأتْ مِنْهُ سَوَارِيهِ

وَطَنٌ مَفْتُونٌ بِغَازِيهِ

فَانْهَدَمَتْ فِيهِ أَعَالِيهِ

كَيْفَ لِذَاكَ الدَّرْبِ أنْ يَسْلَسَ

وَقِلاَعُ اليَمَامِ عَالِقَةٌ بِالأشْوَاكِ؟


لَيْسَ لَدَيْكَ غَيْرُ نَارٍ مَجُوسِيَّةٍ

تَفْتَحُ لِلْفَجْرِ الجَلِيلِ جِرَاحًا

فِي جِدَارِ العَمَى الطَّوِيلِ الطَّوِيلِ الطَّوِيلِ


قُلْتَ يَوْمًا فِي زَحْمَةِ الآمَالِ:

"لِنَكُنْ مِثْلَمَــا يُرِيــدُ لَنَــا المَــاءُ:

مَوْجَةً فَوْقَ كَاهِلِ الغُرَبَـــاءِ

أوْ بَرِيقًا فِي عَيْنِ ظَبْيٍ

أوْ مُدَامًا تُرِيقُهَا شَفَةٌ وَرْدِيَّةٌ

أوْ مَرَايَا عَلَى تُخُومِ السَّمَاءِ"،


يَـا رَفِيقِي خَرَائِطُ الدَّمِ ضَاقَتْ بِنَــا

وَمَرَاسِي الكُهَّانِ وقُبَّتُهَــا الخَضْرَاءُ!

لَمْ نَعُدْ وَشْمًا فِي جَبِينِ بَدَوِيَّةٍ

يَكْتُمُ وَعْدَ نَجْمِهَا

لَمْ نَعُدْ مِعْرَاجَ قَافِلَةِ الأنْبِيَــاءِ،

فَلْـنَـكُنْ مِثْلَمَــا أرَادَتْ لَنَــا الأُغْنِيَــاتُ:

تِيهًا دُونَهُ تِيهٌ دُونَهُ تِيهٌ ...

وابْتَلِــعِي صُوَاكِ يَا أيَّتُهَــا الدُّرُوبُ

ولِتُزْهَقْ تِلْكَ المَنَــارَاتُ

فُخَــطَانَا كفِيلَةٌ بِالحَرِيقِ...