جذور الأصولية الإسلامية في مصرالمعاصرة: رشيد رضا ومجلة المنار


عطا درغام
2022 / 7 / 30 - 18:51     

الدراسة(جذور الأصولية الإسلامية في مصرالمعاصرة: رشيد رضا ومجلة المنار) للباحث أحمد صلاح الملا عن الفكر السياسي والاجتماعي في مجلة المنار 1898- 1935 " باعتبار المنار تشكل جذرًا من أهم الجذور الفكرية للأفكار الأصولية المعاصرة في بلادنا.
وتتبع هذه الدراسة الرؤي والمواقف السياسية والاجتماعية لهذه المجلة منذ بداية صدورها حتي توقفها عام 1935 بوفاة صاحبها محمد رشيد رضا.
وقُسمت الدراسة إلي تمهيد وستة فصول وخاتمة.وفي التمهيد ناقش الباحث أهم أفكار الإصلاح الإسلامي السابق علي المنار في إطارها التاريخي،كم ناقش ملابسات إصدار المنار ومفهومها للإصلاح وعلاقة هذا الإصلاح لديها بالإصلاح السابق
وفي الفصل الأول: تناول الباحث رؤيا المنار لأهم المفاهيم الأساسية النظرية التي أثارت جدلًا فكريًا في هذه المرحلة: كالموقف من الاستعمار الغربي ،والنظرة إلي الآخر الديني المسيحي.ومفهوم الأمة بين الولاء الديني الحديث والديمقراطية ،وعلاقة الدين بالدولة.
وفي الفصل الثاني: تتبع الباحث علاقة المنار بالدولة العثمانية- باعبارها دولة الخلافة الإسلامية- في عهد السلطان عبد الحميد الثاني،ثم في عهد جمعية الاتحاد والترقي، ثم في عهد مصطفي كمال،كما ناقش الفصل أيضًا موقف المنار من كتاب الشيخ علي عبد الرازق"الإسلام وأصول الحكم" الذي صدر عام 1925 ، بعد إلغاء مصطفي كمال للخلافة الإسلامية.
وفي الفصل الثالث : أوضح الباحث مواقف المنار من القضايا السياسية العملية في العالم العربي، فتتبع في البداية رؤيتها لأوضاع شبه الجزيرة العربية وعلاقتها بكل من الشريف حسين بن علي والملك عبد العزيز بن سعود، ثم تتبع رؤيتها للتطورات السياسية في سوريا ولبنان قبل وبعد الانتداب الفرنسي،ورؤيتها لقضايا السياسة المصرية وصراعاتها وموقفها من الخطر الصهيوني علي فلسطين ومن الزحف الاستعماري الأوربي علي المغرب العربي.
وفي الفصل الرابع :تتبع رؤيا المنار لقضايا المرأة باعتبار أن المرأة كانت أحد الأوتار الملتهبة التي شكلت مجالًا للتماس بين فكر الإصلاح الإسلامي والفكر الغربي الليبرالي الحديث.
وفي الفصل الخامس: ناقش رؤي المنار لقضايا التربية والتعليم وموقفها إزاء المؤسسات التعليمية القائمة في زمنها ،ومحاولة صاحبها رشيد رضا لإقامة تعليم ديني نموذجي يتفادي عيوب هذه المؤسسات فيما عرف باسم "مدرسة دار الدعوة والإرشاد".
أما الفصل السادس، فناقش رؤي المنار لبعض تجليات الحداثة التي ظهرت في العالم الإسلامي بفعل احتكاه بالغرب منذ بداية القرن التاسع عشر ،وأبرزها العلم الحديث والاقتصاد والفنون الحديثة والمنتجات التقنية الغربية التي اقتحمت الحياة اليومية للمسلمين وصارت جزءًا لا يتجزأ منذ بداية القرن العشرين.
وفي النهاية خاتمة استخلاصية للدراية؛تحمل أهم نتائجها العامة وتؤكد علي بعض قضايا المنهجية الرئيسية.
وذهب فيها إلي تأكيد فكر المنار الذي كان في جوهره رد فعل دفاعي استنجد بلحظة الإسلام التأسيسة – بعد فصلها عن واقعها التاريخي ليواجه بها الاستعمار الغربي وما جلبه من أفكار وقيم وأنماط سلوك.
كما أكد علي فكر المنار الدفاعي المحافظ في مجمل أطروحتها السياسية والاجتماعية ؛فعلي المستوي السياسي رفضت المنار حداثة أساسية كالوطنية والعلمانية،وهو ما انعكس في مواقف عديدة لها علي صعيد الممارسة،وحتي بالنسبة للفكرة الديموقراطية التي قبلتها المنار،كان هذا القبول مشروطًا بتهميش مبدأ"سيادة الأمة" الذي يشكل جوهر الديمقراطية بوصفه معيارا سياسيًا، و وضع هذه السيادة في المرتبة الثانية بما يجعل الاعتراف بها مرهونًا دائمًا بضرورة التوافق الكامل مع أحكام المعيارية الدينية ممثلة في الكتاب والسنة.
وفي الإطار نفسه يمكن فهم رفض المنار للدولة المدنية الحديثة كما جسدها "مصطفي كمال" ودفاعها في المقابل عن "الخلافة الإسلامية" كفكرة وكنظام بما يثبت التصورات التقليدية حول"السيادة الدينية".
أما علي المستوي الاجتماعي، فقد كانت نظرة المنار للمرأة علي سبيل المثال،تمثل استمرارًا وترسيخًا للنظرة الفقهية الكلاسيكية ذات الطابع الذكوري لها، وهي نظرة تري المرأة من منظور "جنسي"و"دوني" ،وعلي صعيد آخر تميزت رؤية المنار"للتعليم" بذات المحتوي الدفاعي المحافظ ،حيث ارتكز عملها فيه علي مقاومة أشكال التعليم الحديث بطابعها العلماني الوطني،وترميم البني التعليمية التقليدية ذات الأساس الديني عبر تلقيحها شكليًا ببعض معطيات الحداثة،وهي محاولة ثبت علي أية حال ضعف جدواها وعدم قدرتها علي منح المسلمين نظامًا تعليميًا عصريًا متكاملًا يعينهم علي التكيف مع معطيات العالم الحديث.
وفسَّر الكاتب طبيعة البناء الاجتماعي الداعم للإصلاح الإسلامي لفهم هذه الظاهرة التي كانت إحدي أهم حلقات المنار..يذهب إلي عملية الإلحاق الإمبريالي للعالم الإسلامي في إطار السوق الرأسمالية العالمية هشمت البني والعلاقات الاقتصادية- الاجتماعية القديمة في هذا العالم،وشوهت في الوقت نفسه نمو البني والعلاقات البرجوازية-وبمعني يمكن اعتبار الإصلاح الإسلامي الحديث بمجمله استجابة لهذه المعضلة بالذات وضحية لها في الوقت نفسه،حيث كان الإصلاح محاولة للتدمير الغربي للحوامل التقليدية المستقرة للمجتمعات الإسلامية،ومحاولة للحديث باسم تشكيلات اجتماعية واسعة ارتكزت حياتها علي البني الاقتصادية- الاجتماعية القديمة- ولم تستطع تكييف مصالحها مع التحول نحو علاقة الرأسمالية التابعة،فتمت إزاحتها لإفساح المجال للبني والقيم الجديدة، بينما اتخذ من استطاعوا تكييف مصالحهم مع الواقع الجديد مسارًا فكريًا آخر تميز عادة بتوجهات اجتماعية محافظة ذات غطاء فكري ليبرالي ومتعاون مع الغرب.
لكن كانت مشكلة الإصلاح الإسلامي الحديث هي أن ضعف قاعدته الاجتماعية وكونها بالأساس قاعدة "قبل البرجوازية"قد حكم عليه بان يظل- في محصلته الهامة – إصلاحًا مترددًا "ماضويًا"، وعاجزًا عن بناء تصورات جديدة للدين تنسجم مع مطالب المجتمع البرجوازي الحديث.
وطبقًا لهذا التصور،تكون الطبيعة الماضوية المتشائمة للإصلاح الإسلامي جزءًا من بنيته نفسها،حيث فرضها عليه استناده إلي القوي الاجتماعية التي سحقتها العلاقة بالغرب،ولعل هذه الطبيعة بالذات هي التي خلقت مقولة"الانحدار التاريخي" باستمرار نحو الأسوأ التي كانت إحدي المقولات الرئيسية في خطاب الإصلاح الإسلامي،وبمعني معين ن فإننا إذا افترضنا أن الطهطاوي كان طليعة طبقة برجوازية في طور التكوين يصبح من الممكن القول إن المنار كانت تمثل- بشكل ما- تعبيرًا عن أزمة هذه الطبقة سواء بسبب إلحاقها المستمر بمشروع الدولة،أو بسبب الضغط الغربي الإمبريالي المباشر عليها.
هنا بالضبط تكمن أزمة الإصلاح الإسلامي الجوهرية،خاصة إذا قارناه بالإصلاح الديني الأوربي؛ فبينما كان الإصلاح الديني الأوربي تعبيرًا عن صراع اجتماعي ناضج بين الوعي البرجوازي الحديث وبين قوي الإقطاع، فإن من الصعب النظر للإصلاح الإسلامي الحديث كممثل لطبقة صاعدة حيث يظل واضحًا استناد هذا الإصلاح بالأساس إلي قاعدة اجتماعية تصارع كي لا يتم تهميشها بشكل كامل.
واعتمدت الدراسة علي مجموعة متنوعة من المصادر كان أهمها بلا شك المجموعة الكاملة لمجلدات مجلة المنار 1898- 1935" والتي قدمت مادة ثرية عكست جميع جوانب فكرها الديني والسياسي والاجتماعي.
وإلي جانب المنار اعتمدت الدراسة علي بعض الدوريات الأخري المعاصرة لها لاستجلاء وجهات النظر المختلفة حول بعض القضايا ،كما اعتمدت علي بعض الوثائق المنشورة وعلي مجموعة كبيرة من المصادر القلمية والمراجع العربية والأجنبية.