أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي المسعود - الفيلم الكردي -أرضي ذات الفلفل الحلو- يرصد تناقضات المجتمع الكردي بعد عشر سنوات من سقوط نظام صدام حسين















المزيد.....


الفيلم الكردي -أرضي ذات الفلفل الحلو- يرصد تناقضات المجتمع الكردي بعد عشر سنوات من سقوط نظام صدام حسين


علي المسعود
(Ali Al- Masoud)


الحوار المتمدن-العدد: 7046 - 2021 / 10 / 13 - 16:09
المحور: الادب والفن
    


My Sweet Pepper land
قبل الخوض في تفاصيل فيلم (أرضي ذات الفلفل الحلو) لابد من الحديث عن الهوية الكردية في السينما الكردية أو بمعنى أخر كيف تناولت السينما الكردية القضية الكردية ؟. دخلت القضية الكُردية أطواراً عديدة، منها السياسي والاحتجاجي في البلدان التي يتوزع فيها الكُرد طامحين إلى حلمهم بالهوية التي قد تحققها الدولة الكُردية. والهوية في جانب منها هي الثقافة، ومن قدّم ثقافة شعبه هو من يستطيع نقل رسالة شعبه إلى العالم . عانى الأدب الكردي من الاضطهاد الثقافي ضد لغاتهم وهويتهم الفردية خارج غالبية السكان . حيث تم تهجير الهوية الكردية بشكل أكبر نظرًا لأن العديد من الأكراد يعيشون في الخارج ، وبشكل رئيسي في أوروبا وأمريكا. هذا الشعور بانعدام الأرض والبحث عن هوية وطنية هو أمر أساسي في الأدب والسينما الكردية. أدى التشريد الكبير للشعب الكردي إلى فقدان الكثير من شعرهم. كان على الروايات والشعر والأفلام الكردية في القرن العشرين البحث عن هويتهم الخاصة أيضًا . السينما الى جانب الادب و الفن التشكيلي كانت واحدة من الوسائل للإيصال صوت الشعب الكردي الى العالم . وفي هذا الجانب أنتج االسينمائيون الأكراد عدة أفلام في السنوات الأخيرة والتي إتسمت بالواقعية وتناولت المعاناة الكردية الطويلة، ومن هذه الاسماء يلمع إسم المخرج التركي – الكردي"يلمازغوناي"- (1937– 1984) ويمكننا القول بأنه الأب الروحي للثقافة السينمائية في كردستان الذي حصل فيلمه" القطيع "على جوائز عالمية مثل جائزة فيمينا البلجيكية وجائزة من مهرجان لوكارنو الدولي الثالث والثلاثين، والجائزة الكبرى من مهرجان فالنسيا. أما فيلمه المعنون ب "الطريق" فقد حصل هو الآخر على عدة جوائز عالمية ، منها جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان الدولي الخامس والثلاثين مناصفة مع المخرج اليوناني"كوستا غافراس". يقول غوناي عن القضية الكردية: " هي قضية في غايةالصعوبة والتعقيد، ذات يوم سأحقق فيلماً أحكي فيه حقاً حكاية نضال شعب من أجل ولادته أو بعثه، أما اليوم فالأمر عسير كما إن القضية نفسها عسيرة، ومع هذا على المرء أن يحكي ذات يوم كيف تم تشتيت الشعب الكردي وتقسيمه، وما هي الآفاق المستقبلية المطروحة أمامه. على أي حال اعتقد إن من الأمور الشديدة الصعوبة الحديث عن مثل هذا بموضوعية، فالتاريخ ليس حافلاً بالانتصارات فقط ، بل هو حافلٌ كذلك بالهزائم والأخطاء وخيبات الأمل" . ويقول في حوارٍ أخر معه " لم يكن هدفي من الحياة مزاولة الفن، بل محاولة تحرير شعبي من خلال هذا الفن". أما المخرج الكردي بهمن قبادي، صاحب فيلم" زمن الخيول المخمورة"- تم تناول الفيلم في مقالة نشرت على موقع الحوار المتمدن وبعنوان (أطفال صغار يحملون هموم واثقال الكبار في الفيلم الكردي ( زمن الخيول المخمورة ) -العدد: 6148 - 2019 / 2 / 17 - فقد استطاع أن يحقق نجاحاً عالمياً وخاصة بعد فيلمه المتميز "السلاحف أيضاً تطير"، حيث حصد هذا الفيلم أكثر من سبع وعشرين جائزة عالمية ـ وتجدر الاشارة إلى أن فيلم “ السلاحف أيضاً تطير “، هو أول فيلم يتم تصويره في كردستان العراق منذ ست وعشرين عاما ، أما بالنسبة للمخرج السينمائي هونر سليم، الحاصل على جائزة سان مار ماركو في مهرجان فينيسيا السينمائي لعام 2003، فيمكننا القول بأنه قد نجح في ابراز خصوصيته بنوع من التاريخ النضال الكردي والتأمل لرصد حركة الانسان الكردي الطويل الممتد من الماضي إلى الحاضر. المخرج الكردي هونر سليم (بالكردية: هونه‌ر سەلیم)‏ مخرج عراقي كردي وهو كاتب سيناريو ومنتج أفلام وملحن وممثل ، يحمل الجنسية الفرنسية، ولد في يوم 9 آذار 1964 في مدينة عقرة شمال العراق، ترك العراق بعمر ال17 سنة وسافر إلى إيطاليا وأكمل تعليمه هناك وإنتقل بعد ذلك إلى فرنسا، غادر الفتى هذا الشرق الأوسط الذي يسمّيه (الشرق الأسود) إلى فرنسا حيث "وجدتُ عالماً إنسانياً متسامحاً، يسمح لك أن تعبرعما تريد بمنتهى الحرية" حسب تعبيره. في هذا المناخ الجديد تمكن سليم من أن يثبت نفسه، وأن يحقق نجاحات عبر أفلام عدة، مثل "فودكا بالليمون" ، وفيلم"الكيلومتر صفر"وصولاً الى فيلمه "إن متَّ سأقتلك"، فاز بجائزة سان ماركو في مهرجان البندقية السينمائي لسنة 2003 لفيلمه "فودكا ليمون" ، حيث يمتاز هذا الفيلم الطويل بسرده لمأساة الشعب الكردي من خلال حكاية حب بين عجوزين أرملين، يعيشان في قرية كردية نائية وبائسة كأغلب القرى الكردستانية. وقبل ذالك ، قام هونر بإخراج عدة أفلام عن القضية الكردية منها فيلم الحرية لكردستان في سنة 1992 وألذي عمل به أثناء الإنتفاضة الكردية في سنة 1991، وأيضاً كتب رواية"بندقية أبي"، روايته هذه كتبها في عام 2004 وصدرت بالفرنسية وتترجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة ، ويشير العنوان الى بندقية والده الذي كان ثائراً ضمن صفوف الثورة الكردية (البيشمركه )التي قادها الزعيم الراحل الملا مصطفى البارزاني، وهو يستعيد تفاصيل تلك السنوات ، يستعرض المخرج الكردي العراقي هينر سليم في هذه الرواية محطات هامة من تاريخ الكرد بدءاً من قيام جمهورية مهاباد في إيران (1946)، وصولاً إلى سقوط نظام صدام حسين (2003 وهو يروي فيه ذكريات عن تلك السنوات القاسية؛ سنوات الحرمان والتنقل والقلق الدائم، ويتحدث عن قصص العشق الأولى، الخائبة، وعن اكتشافه للمرة الأولى جهازاً اسمه التلفزيون كان يخاطبه بلغة عربية يصعب عليه فهمها، فتساءل الفتى آنذاك وحيرة بريئة تلف أعماق الطفولة: لماذا لا يتحدث هذا الجهاز الكردية أيضا؟! كان السؤال، على عفويته، كبيراً على طفل صغير يتلمس دروب الحياة على وقع الثورات والانتفاضات وقصص الشهداء، ووسط بيئة تعاني الفقر والخيبات، بيئة تغفو وتصحو على الأسى. هينرسليم سينمائي ذو بصمة مختلفة ، يتبدّى ذلك جلياً في أفلامه التي جالت المهرجانات وحصدت الجوائز. في سنة 2013 ترشح فيلمه "أرضي ذات الفلفل الحلو" لنيل جائزة آسيا الهادئ كأفضل فيلم وهو من بطولة الممثلة الإيرانية "غوليشفتي فرحاني" في دور المدّرسة غوفند، والكردي "كركماز أرسلان" في دور قائد الشرطة . تدور أحداث فيلم هونر سليم في كردستان بعد وقت قصير من سقوط صدام حسين وإعلان كردستان العراق إقليما مستقلا. وعنوان الفيلم " أرضي ذات الفلفل الحلو " فهو مشتق من اسم المطعم الوحيد في البلدة الجبلية والتي يضع صاحبها لافتة بأضواء النيون الملونة بالإنجليزية وكأنها مطعم فاخر في مدينة غربية لكنها تبدو كئيبة . وهي مكان التجمع الوحيد في هذه المدينة ذات الحصان الواحد والهاتف الواحد الموجود في مقر ضابط الشرطة (باران). يقول المخرج هينر سليم لـ(الشرق الأوسط) حول عنوان الفيلم إن اختياره جاء لسببين؛ أولهما ملاءمته لقصة الفيلم، والثاني وجود مطعم في إحدى قرى كردستان بهذا الاسم (أرض الفلفل الحلو). الفيلم يذكرنا بأفلام الغرب الأميركي في الستينيات وتدور أحداثه في جبال كردستان الشاسعة الخضراء وفي طبيعة خلابة . الفيلم (إنتاج كردي ألماني فرنسي) . يبدأ الفيلم في ، حيث يتجادل الرجال الذين يستعدون لإعدام سجينهم البائس حول الطريقة ، يفتتح الفيلم بعد عام 2003 ، أي بعد أن الإطاحة بصدام حسين وتفخر الحكومة الكردية الجديدة بتقديم أول عملية إعدام لها على الإطلاق. لقطة مقرّبة لرجل كردي يبكي ، منتظراً حكم الإعدام شنقاً بحبل غسيل عادي، وسط غياب أدنى شروط عملية الإعدام . "لا ديمقراطية بدون امن ولا امن بدون عقاب " هكذا يصرخ الرجل المسؤول عن عميلة الاعدام . وبذلك ، يلتف حبل المشنقة حول رقبة المجرم ، لكن بدلاً من مشهد الموت المروع ، يحوله سليم إلى كوميديا من الأخطاء وبإسلوب كاريكاتيري يسخر المخرج من عميلة الاعدام شنقا من خلال عدة مواقف منها ، هذه الافتتاحية الكوميدية والكئيبة بشكل محرج حيث يجري هذا البلد الديمقراطي الجديد أول شنق له. إنه عرض محرج حيث يُترك الرجل واقفًا على صندوق اقتراع متبقي من انتخابهم ، ولكون حبل المشنقة قصير ، يتم إحضار موظف لجره في محاولة خنقه بشكل أسرع لكن لم يفكر أحد في مكان شنقه. أوإستخدام صندوق انتخابات عام 2006 لتنفيذ تلك المهزلة ، ويعاد تنفيذ الاعدام مرة اخرى مما يعترض على هذا القرار المقاتل السابق ورجل الامن الحالي باران (كوركماز أرسلان) وكان مناضلاً من أجل الحرية منذ أن كان عمره 15 عامًا. وبعد أن سقط صدام حسين وأصبحت كردستان منطقة حكم ذاتي. تحاول الحكومة تنظيم الأمن والنظام. لذلك يجب أن يصبح باران جزء من منظومة حفظ الامن. الذي شُنق، لكنه لم يمت لأن حبل المشنقة انقطع ولا يجوز إعدامه مرتين الأمر،قد تكون دقائق هذا المشهد الأكثر تعبيراً في الفيلم، وقد تخللها نقاش عبثي بين رموز السلطة الجديدة حول قرار إعدام المتهم، وتساؤلات حول أي سلطة يريدون. سخرية سوداء ومأساة عبثية تعكسان مأزق السلطة الجديدة ، يرفض "باران" - وهو ثائر كردي- سلوكيات هذه السلطة ويقدم إستقالته وتتم الموافقة على الاستقالة . ، يتزايد خيبة أمله في وظيفته الجديدة كشرطة. على الرغم من أنه يدرك بشدة الحاجة إلى القانون في وطنه المشكل حديثًا ، إلا أنه يسخر من الطريقة التي يتم بها تنفيذ هذا القانون. وقد صوّر المخرج مشاهد فيلمه في تلك الجبال، عدا مشهد الإعدام الذي صُوِّر في أربيل . يبدو أن المخرج الكردي هينرسليم يقول هذه هي حالة كردستان الحديثة. قيل لنا لقد ترك صدام البلاد في حالة خراب". باران (كوركماز أرسلان) هو الرجل النبيل الوحيد في المجموعة وهو مقاتل كردي سابق في المقاومة و طُلب منه الانضمام إلى الشرطة والمساعدة في إرساء العدالة في أرض ينعدم فيها القانون وأصبح الآن مسؤولاً أمنياً رفيع المستوى ، لكن الروتين و طريقة الادارة وربما الفساد المتفشى بين مؤسسات الدولة بعد نيل هذا الاقليم استقلاله دفع بالرجل المناضل ان يقدم استقالته ويعود الى حضن قريته الوديعة وقرب أمه الطيبة . التي تبدأ في ألالحاح عليه بالزواج ، وفي كل يوم تستعرض له أحدى فتيات القرية وترشحها زوجة له ، لكن باران يرفض طريقة ألام في اختيار الزوجة رغم إنه مرهق من تجاربه في الحرب ويبحث عن حياة هادئة ، لكنه يجد أنه غير مناسب للحياة في المنزل مع أم حريصة على رؤيته متزوجًا. ونتيجة لضغط أمه وهربا من إلحاحها يعود باران الى الوظيفة وينتهز فرصة عندما عُرض عليه العمل كشرطي كبير في قمرلان، وهي بلدة صغيرة في شمال كردستان ، على الحدود التركية وهي مركز تجارة الأسلحة والمخدرات التي تبعد ساعتين سيرًا على الأقدام من أقرب طريق الآن بعد الأتراك قصفوا الجسر . ولكن تلك القرية لا تعرف القانون ويكثر فيها تهريب المخدرات والأدوية والكحول. تبدأ مشكلته في القرية بعدما يصطدم ب(أغا غازي) زعيم قبيلةٍ شرس ولا يعرف الرحمة ويتخذ من الإجرام منهجًا. في مكان آخر من كردستان، تجهد الشابة "غوفند" تلعب الدور الكردية الإيرانية (غُلشيفته فرحاني) في إقناع والدها بضرورة سفرها إلى قمريان المحرومة من معلمة للأطفال، وحيث يقوم حارس المدرسة شبه الأمي بتعليم الأطفال ، يوافق الأب الذي يمثل نموذجا للكردي الحر على سفر ابنته الوحيدة رغم احتجاج بعض أشقائها السبعة. وسبق ذالك رفضها الزواج بناءً على رغبة إخوانها والتمرد على ما يعتبرونه سلطتهم المشروعة ، لذا تصرخ بهم حين يحاصروها ويريدون اجبارها على الزواج من ابن عمهم تقي الدين" إنكم تعيبون على صدّام حسين لكنكم تفعلون مثله!". غوفند هاوية بالنقر على الطبل المعدني الذي تعلقه على ظهرها بشكل جميل. تعيش أيضًا في القرية من أجل تعليم أطفالها في المدرسة وهي معلمة قوية الإرادة ، وتواجه أيضًا مشكلة في التعامل مع الفساد الراسخ في القرية، هكذا تلتقي غوفند الحالمة بمستقبل وتعليم مشرقين لأطفال القرى النائية في كردستان "باران" الثائر الذي ناضل من أجل استقلال شعبه. فيلمٌ يضعُ مفهوم "الشرف" تحت مجهر مجتمعٍ غارقٍ في العادات البالية . الكيمياء بين الاثنين فورية ويمثل الاثنان مستقبل كردستان الذي يحلم به المخرج سليم الذي سبق وأن عبّر عنه في أفلام سابقة وضعته على طريق العالمية ، يلتقي باران بالمُدرسة كوفيند التي تعمل بمدرسةٍ بالقرية ويتم رفضها هي أيضًا من قبل أهل القرية، حيث أنها غريبة ولا تتبع قانون القرية. في القرية ، يدعو آغاعزيز الضابط باران لتناول العشاء وهي مناسبة ليحذره مما ينتظره، فيُذكِّره بما حل بالضابط السابق وكيف قُتل بطريقة بشعة. بهذه الدعوة يضع الآغا الضابطَ أمام خياريّ الترغيب والترهيب، لكن هذه اللغة لا تُثني باران عن محاولاته فرض سلطة القانون، لدهشة نائبه ريبر (سوات أوستا) حين يتحدى باران أغا عزيز ويخبره بأنه موجود هنا لدعم القانون وهذا ما سيفعله. في هذه القرية الصغيرةالتي يقاتل الكردي أخاه الكردي، فالمشكلة في الأساس، كما تلمح أحداث الفيلم هي مشكلة داخلية كردية - كردية، قبل أن تكون مشكلة خارجية . إن تركيا لا تحتاج إلى ذريعة للاصطدام بالأكراد، أو كما جاء على لسان جوفند: "عندما تكون كرديًا وأنثى في تركيا فهذا في حد ذاته تمرُّد." ويأتي الحل على لسانها وهي تخاطب باران في إمكانية الاختلاف في القضايا السياسية وضرورة الاتفاق في القضايا الأخلاقية. تقول له جوفند: "كلنا أكراد." فيقتنع باران بوجهة نظرها ويعمل على توفير الأدوية للمقاتلات الكرديات اللواتي يحاربهن آغا عزيز ورجاله ويصفهن بالمتمردات. هذا الموقف يُعبِّر عن رؤية المخرج للقضية. إذ يقول في إحدى لقاءاته: " أرى كردستان بعين جمالية أخلاقية. إن القضية بالنسبة إليّ هي قضية إنسانية أخلاقية دون أن تشغلني السياسة وألاعيبها". تناضل جوفند من أجل التعليم ومن أجل تحقيق هدفها تواجه أبوها وإخوتها وتنتقل من المدينة إلى القرية لتعليم الأطفال. في الوقت نفسه تمنحها هذه الوظيفة الفرصة للابتعاد عن إلحاح أسرتها بالزواج من تقي الدين. باران كذلك يبحث عن مكان يفر إليه من إلحاح أُمه بالزواج. يلتقيان وهما في طريقهما إلى القرية لاستلام مهامهما. وأولى بوادر التعاون بينهما تظهر من خلال تقديم باران يد المساعدة لجوفند لتركب خلفه على ظهر الحصان. تلك القرية التي لا يمكن الوصول إليها إلا مشيًا أو على ظهور الخيول بسبب قطع تركيا للجسور وهذه أول علامات العزلة التي فُرضت على القرية من الخارج سيتبعها علامات أخرى لفرض العزلة من الداخل ومن أهل القرية أنفسهم . وعندما لا تنفع لغة التهديد يلجأ عزيز آغا ورجاله إلى نشر الشائعات التي تنال من سمعة باران وجوفند . فتصل الشائعات إلى أهلها الذين يحاولون إعادتها إلى البيت وإقناعها بالزواج من تقي الدين . وما تحتاجه هذه القرية هو التعليم ودولة القانون ولكن انتشار التعليم وتحقيق الأمن يشكلان خطرًا على مصالح الآغا. ولهذا السبب يحارب الآغا التعليم ممثلًا بالمعلمة جوفند (جولشفته فرحاني) ويحارب الدولة أو القانون ممثلًا بالضابط باران (كوكماز أرسلان). لايمكن للدولة أن تفرض القانون بالإقناع وإنما بالقوة، وهذا ما يحدث في النهاية. فتنتقم المقاتلات الكرديات لمقتل رفيقتهن على يد رجال الآغا وذلك بقتل رجاله وإصابته هو شخصيًا. ويتلقى "تاجدين" إذنًا من آغا عزيز بقتل الضابط ، فيذهب إلى قسم الشرطة لينفذ المهمة لكنه يُقتل على يد باران ، بعدها يذهب إلى منزل آغا عزيز ويقتله، وهو في الحالتين لا يقتلهما إلا بعد أن يرفعا السلاح عليه فيكون قتلهما دفاعًا عن النفس. وتفرض جوفند شخصيتها القوية بالتمرد على قرار إخوتها بإعادتها إلى البيت. وفي آخر مشهد نرى باران وهو يبحث عنها ويناديها بصوت يتردد صداه في البراري، وينتهي الفيلم بابتسامتها التي تعد بواقع مختلف بعد أن أزيلت أهم عقبة تعترض طريقهما . تعكس النهاية العنيفة المأزق المؤلم بين الانسان المثالي والفاسد بين المناض الثائر والانسان الانتهازي ، مع الاعتراف بأنه بينما يمكن تحقيق المكاسب ستكون هناك خسائر أيضًا . يرصد المخرج الكردي"هونر سليم" تناقضات المجتمع الكردي بعد سنوات من سقوط نظام صدام ، لا يكتفي المخرج بتسليط الضوء على عصابات المافيا والجريمة المنظمة بل إنها يتطرق بكثير من السخرية المرة إلى الوضع السياسي والاجتماعي والأخلاقي القائم اليوم في إقليم كردستان العراق . ويصور الفيلم رحلات طويلة على الخيل وسط طبيعة خلابة في كردستان العراق التي يقول المخرج انه وبعد عشر سنوات على حكمها الذاتي لم تسجل اي تقدم في المجال الاجتماعي وبقيت محكومة بتقاليد بالية لا تتماشى مع الوضع الجديد للاكراد في الشمال العراقي ، ولا يزال أمراء الحرب الأكراد يسيطرون على المنطقة وشعبها ، حيث أن الدولة العراقية المستقلة حديثًا لم تفرض سلطتها القانونية والإدارية في جميع أنحاء البلاد . يجوب باران الجبال على حصانه بعدما سقطت الجسور نتيجة قصف الطائرات التركية، ويعلن الحرب على الفساد، ولكن العصابات اكثر تعنتاً منه في حماية الفساد واهانة المرأة وتكريس منطق القوة . يقول المخرج هينر سليم متحدثا عن فيلمه "عندما كان الفيلم في مرحلة الشروع تصور البطل الذي يكون محور الأحداث في ثوب أحدى قدامى الحرب في إقليم كردستان العراقي وهو يتمتع بقدر من النزاهة ونظافة اليد والضمير الأمر الذي يجعله يثور عل آفة الفساد التي تنخر إقليم كردستان الذي يتمتع بالحكم الذاتي في الشمال العراقي". الفيلم عرض في مهرجان أبوظبي السينمائي ـ كما عرض في مهرجان كان بفرنسا في نفس العام . على الرغم من أن قصته تتبع نمطًا مألوفًا ، إلا أن سليم أشارة أيضاً الى مجموعة من الثائرات اللواتي يقاتلن من أجل تحرير الأكراد في تركيا والعداء بين هؤلاء النسوة وبلطجية آغا عزيز هو أيضًا معركة بين الحق والباطل وبين القيم النبيلة السامية والرذيلة والفساد المتمثل بسلطة الاقطاعي الاغا عزيز وعصابته. وفق سليم في اختيار بطلة فيلمه التي تجسد المعركة بين التطوروالتخلف، كما يجسد باران الصراع بين الفوضى والقانون. معلمة القرية غوفيند ضحية لحملة تشويه ، لكنها أيضًا غير راغبة في التخلي عن استقلاليتها وعدم رغبتها في تقديم تنازلات. إن إضافة جميع النساء المناضلات من أجل الحرية يعزز رسالة تمكين المرأة . مدرسة القرية أخذت على عاتقها مهمة ضخمة بنفس القدر. لا أحد يريدها في المدرسة - لا أحد باستثناء الأطفال الذين تدرسهم. إنهم يعشقونها. و غوفيند تتصف بالشجاعة حين تبدي مساعدتها مجموعة من المقاتلات من أجل الحرية المختبئات في التلال ، الممثلة(جولشيفتي فرهاني) التي تقوم بدور "غوفيند" أصبحت رمزا لتحرر المرأة بعد أن منعت من العودة إلى إيران لتحديها تقاليد المجتمع ، وعن غوفند تقول فرحاني "إنها امرأة تريد أن تتحرر. لقد كنت أريد هذا الدور بشدة لأنني أحب أن ألعب دور المتمردة" . فرهاني (1983) متمرّدة، تركت بلدها بعد مشاكل مع سلطة الملالي في ايران ، بعد أن ظهرت في الفيلم الأميركي "أكاذيب دولة" (2008) لريدلي سكوت من دون حجاب، وهي إيرانية تعيش في إيران. لم تتحمّل التحقيقات الكثيرة والمحققين الكثيرين، فغادرت بلداً لا يسمح للمرأة للعمل بحرية ويضع قيودا وشروطا عليها ، كما تقول" هي هكذا، خُلقَت لتفعل ما تهوى وتكون حرة، وإنْ عشقها للحرية منعها من العودة إلى بلدها"، بينما تعد فرهاني واحدة من أكثر الممثلات الإيرانيات إثارة للإعجاب ، اشتهرت بدورها في فيلم أصغر فرهادي عن إلي (2009 ) ، وكذالك فيلم ("إذا متّ، أقتلك" (2011) ، مع الكردي العراقي الفرنسي هينر سليم ، لديها نوع من الحضور العاطفي والجذاب على الشاشة الذي يجعلها تبدو فنانة أكثر منها ممثلة. تدربت فرهاني كموسيقي ، لكنها رفضت فرصة الدراسة في المعهد الموسيقي في فيينا. طوال هذا الفيلم ، كانت تعزف على آلة موسيقية محلية تسمى الطبل المعلق ، والتي تمتاز بصوت ناعم ورخيم بشكل مدهش. تحب الكاميرا وجه غولشيفتي تمامًا ، والذي وضعه المصور السينمائي باسكال أفري عن قرب في المقدمة وفي المنتصف. وهناك أكثر من القليل من كلينت ايستوود لأداء "باران" (يلعب الدور الكردي التركي المقيم في ألمانيا كوركماز أرسلان) ، وهو يرفع حواجبه ببرود في الخدع التي تدور حوله . تتراوح الموسيقى التصويرية من الأغنية الكردية التقليدية إلى رعاة البقر تونغ وإلفيس بريسلي ، جنبًا إلى جنب مع فواصل مؤثرة لعزف غوفيند على الطبلة الفولاذية. في فيلمه الجديد "أرضي ذات الفلفل الحلو" لم يبتعد المُخرج العراقي الكردي هنير سليم عن المسألة الكردية، وطرح الأسئلة حول استقلال الأكراد والعلاقات الاجتماعية والسياسية في إقليم كردستان المحكوم بقوانين عشائرية . وعندما سئل المخرج الكردي (هونر سليم) ، من أين حصلت على فكرة أرض الفلفل الحلو؟ . أجاب سليم" في السنوات الأخيرة ، رغبتُ في العودة إلى السينما في كردستان العراق وإخراج فيلم باللغة الكردية. لذا كتبت هذه القصة عن شريف يحارب الفساد في قرية مفقودة . وعندما أنظر إلى كوردستان العراق اليوم ، أرى بلداً وُلد أمام عيني ، حيث كل شيء تحت الإنشاء: فنحن نبني الطرق والجسور والمدارس والمستشفيات ونجلب الكهرباء في كل مكان ، القانون والنظام. هذا يذكرني بأميركا في القرن التاسع عشر ، كما هو موضح في الغرب ، وهذا هو المكان الذي استلهمتُ منه فيلمي". في هذا سيجول بنا المخرج في قلب كردستان بلوحاتِه الطبيعيّة على إيقاعاتِ آلةِ الهانغ الموسيقيّة. قد يكون رجلُ القانون متشدّدًا في تطبيق الأنظمة، لكن هل من استثناءاتٍ عندما يتعلق الأمر بقضيّة إنسانيّة محقّة . كما أن هذا الفيلم مختلف عن أعمال المخرج هونر سليم السابقة من حيث نوعية القصة وأسلوب وفن الإخراج كما صرح هو لاحدى الصحف بعد عرض فيلمه . الهوية الكردية لـ سليم لا يمكن ردها إلى العقدين الذين قضاهما في بلاده فقط ، بل إلى مجمل أعماله السينمائية التي تحظى بإجماع مفاده بأن قضية الكرد وسلسلة عذاباتهم، تشغل قلب أفلام ومواقف وتصريحات المخرج"هونر سليم" . تم تصوير أحداث الفيلم وسط الجبال الذهبية والوديان البرية في قرية (قمريان) بمنطقة خليفان في كردستان العراق بمجموعة من الممثلين الشباب الصاعدين من جنسيات مختلفة، من تركيا وإيران وسوريا وأوروبا، وبالطبع من كردستان. وهم يتحدثون 3 لهجات كردية في الفيلم، هي الكورمانجية والسورانية والزازاكية .
في الختام :
يرصد المخرج الكردي "هونر سليم " تناقضات المجتمع الكردي بعد عشر سنوات من سقوط النظام السابق. فرغم غياب السلطة المركزية، إلاّ أن القانون لم يجد طريقه إلى غالبية المناطق الكردية النائية مثل قمريان وبقية القرى . في فيلمه يتناول"هونر سليم" الوضع في كردستان العراق وبصيغة تنتقد المجتمع الكردي وتعكس تناقضاته ، متناولا في مزيج من السخرية والرومانسية علاقات الحب والحرب وصراع الخير والشر وبين الحداثة والتقاليد، بين رجال قانون وبين خارجين عن القانون. ويدافع الفيلم ايضا عن نضال النساء مجسدا ليس فقط بالمعلمة التي ترفض الخضوع لكن ايضا المقاتلات التركيات اللواتي يزرن تلك المنطقة من العراق بحثا عن الدواء والامداد بالطعام والسلاح .



#علي_المسعود (هاشتاغ)       Ali_Al-_Masoud#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فيلم- الإصلاح الأول - يعكس الصراع بين الشك واليقين في قضية ا ...
- (أنا كارل ) فيلم يحذّر من صعود اليمين المتطرف في أوروبا،
- فيلم (ملكة الصحراء) : يكشف جانب من حياة (مسز بيل ) الخاتون-ص ...
- فيلم - السيد جونز - يكشف معاناة الصحفي من أجل تقديم الحقيقة ...
- أهم ألافلام التي تأثرت بالهجمات الإرهابية في الحادي عشر من أ ...
- الفيلم الوثائقي -نوتورنو- فيلم عن الحياة واستمرارها رغم الحر ...
- -أغنية ألارض- نموذج للفن الراقي والمؤثر والمستوحي من الموضوع ...
- فيلم (المولود مرتين) يُظهر واقع النّساء في أبشع صورٍ عاشتها ...
- - مرحباُ وطني الجميل - فيلم تركي يروي سيرة الشاعر (ناظم حكمت ...
- هل نحن أمة غابت عنها القيم ..؟؟؟
- مسلسل-كيف تصبح طاغية- يكشف حيل الطغاة وأكاذيبهم ويسخر منهم ! ...
- -كيف تصبح طاغية- مسلسل يسخر من الديكتاتورية ومن الطغاة
- مسلسل-كيف تصبح طاغية- يسخر من الديكتاتورية ومن الطغاة
- رسالة فيلم -عبد الله وليلى - لا الغربة ولا الزهايمر يمكن أن ...
- -داني بوي- فيلم يتناول تعذيب القوات البريطانية لمجموعة من ال ...
- -الطائر الملون-فيلم يصور التدهور الإنساني في زمن الحرب ويبره ...
- مسلسل - أرض محرمة - يروي حكاية الثائرات الجميلات وتصديهنً لج ...
- -ميناماتا-.. فيلم يروي صمود المجتمعات امام الشركات المتغطرسة ...
- أول فيلم روسي عن كارثة تشرنوبل بعنوان ( تشرنوبل : الهاوية)
- فيلم - ملف شخصي - يفضح تجنيد النساء الاوربيات في صفوف تنظيم ...


المزيد.....




- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...
- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي المسعود - الفيلم الكردي -أرضي ذات الفلفل الحلو- يرصد تناقضات المجتمع الكردي بعد عشر سنوات من سقوط نظام صدام حسين