هل من حقك كأب أن تختار اسم ابنك؟!


محمد القصبي
2021 / 1 / 28 - 22:51     

ماذا نقول ونكتب للطفل ؟
عنوان مقال حظى باهتمام العديد من مواقع الأدب العربي ..حيث نشرته الناقدة الكبيرة د.رشا غانم على موقع نقاد الأدب في العالم العربي.. كما نشرته


الشاعرة العراقية سعاد العتابي على موقع نادي أدب الطفل العربي ..ومنذ عدة أيام شارك في نشره
الروائي سمير الفيل على موقعه تجارب في القصة القصيرة.
فإن عدنا للبدايات ..نفاجأ بأنه ليس بمقال بل دراسة للناقد والروائي د. السيد نجم طرحت على مائدة البحث في مؤتمر اتحاد الكتاب العرب الذي استضافته الشارقة عام 2006..
ولأهمية البحث قام موقع ناشري السعودية بتلخيصه ونشره ليتعامل معه الجميع على أنه مقال للكاتب سيد نجم ..
وكما نال اهتمام الكثير من النقاد والمبدعين ..فلقد نال أيضا اهتمامي.. إنما من منظور مغاير .. .
حيث بدت سطور سيد نجم حقول نفط تشتعل في دواخلي المؤرقة بسؤال قديم ..ولد تحديداً ليلة 6يناير 1982 مع ميلاد طفلي الأول في مستشفى خولة بمدينة مسقط ..حين سألتني الممرضة العمانية وهي تحمله مبتهجة : ماذا ستسميه ؟
تطلعت إليها في حيرة ..ليس لأني لم أستعد لاستقبال ابني البكر باسم..بل لأن سؤالاً آخر راودني لحظتها : وهل هذا من حقي ..أن أفرض على ابني الاسم الذي سيحمله ..الذي سيصبح جزءا من هويته على مدار عمره؟ .. فماذا لو امتعض من الاسم حين يكبر ويعي ..وينفرد بملكة تذوق خاصة للجمال..؟
حدث هذا في قريتي ..قريب لي أطلق على باكورة خط انتاج ذكورته ..عتريس!!
السبب شائع ..حتى ينجو من الموت صغيرا ..بل ويخلد حتى مئة عام ..!!
عتريس بسبب سخرية زملائه بل حتى معلميه انقطع عن الدراسة واشتغل فلاحا..وحين بلغ سن الرشد قام بتغيير اسمه إلى رامي !!

هل تنتمي سطوري إلى ماأطلق عليه الكاتب البلجيكي إدمون بيكار بالعجائبية ؟
أن أستهجن إسناد اختيار اسماء الآباء للأبناء.؟!
فماذا يرى بيكار فيما انتهي إليه معاصره عالم النفس الألماني الشهير إيميل كرايبيلين
عن الاضطراب الوهامي..؟
ببساطة يرى "كرايبيلين" أن الوهم مرض لايعاني فقط منه فرد هنا أو هناك ..بل جماعات وشعوب ..ربما معظم الشعوب مريضة بالوهم ..
..وكل يرى في عقيدته..في ايديولوجيته..في مولاه..في زعيمه.. قدس الأقداس..رافعا لافتة تحذير : ممنوع الاقتراب!!
ومن لايلتزم ستقابل بحرب لانهاية لها إلا ..الموت!

أمس داهمني رجل دين شيعي كان يتحدث عن المعصومية في إحدى الفضائيات إن عرش الله نعل في قدم الحسين..!
وماأكثر تلك المضحكات ليس لدى الشيعة فقط ..بل في كل المذاهب والطوائف..بكل الأديان..
تلك المضحكات نضخها في أدمغة أبنائنا ..
بالطبع مصيبة الأب الذي سمى ابنه عتريس لاتقارن بتلك الأوهام -على حد تعبير كرايبيلين- التي يتوارثها الأبناء عن الآباء جيلا وراء جيل.

ورغم الشيخوخة ..ورغم مرور 35 عاما مازال اسم
الطبيب مجدي الصفتي عالقا في الذاكرة ..هذا الصفتي أسس جماعة "الناجون من النار" في منتصف الثمانينيات ..التنظيم كان يضم بضعة عشرات من الشباب ..وكان لديهم إيمان راسخ أنهم
المصطفون من الله عز وجل بالفوز بالجنة! أما غيرهم ..كل البشر فمآلهم النار..وكل منهم يلقن هذا لأبنائه..
وأليس هذا حال كل التنظيمات والمذاهب الدينية والأيديولوجيات الدنيوية ؟

كل جماعة من بضعة عشرات أو مذهب حتى من مئات الملايين يجزمون أنهم
المقصودون بقوله تعالى في سورة آل عمران " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين" ..
أما الغالبية العظمى من ال40 مليارا من البشر الذين ولدوا حتى الآن..فمصيرهم جهنم !
بالطبع لايبدو هذا منطقيا..أن يخص الله سبحانه وتعالى بضعة عشرات أو حتى ملايين من خلقه بجنة لانهائية في اتساعها!..لكن على العالم أن يتعقل و لايسخر أي منا مما يراه أوهام الآخرين..
وكيف ينتقل هذا الذي يراه كرايبيلين أوهاما ويشيع وينتشر ؟

.. بالتلقين ..من الأب إلى الابن ! وليس أمام الصغير سوى أن يردد : سمعا وطاعة!
حتى عنوان مقال- بحث- د.سيد نجم يشي بتلك السلطة الأبوية الفوقية :ماذا نقول و نكتب للطفل؟

وهل ثمة بديل؟
يرى نجم أن

الوصفة السحرية هي أن يقل كلام الأبوين في التلقين، ويكثر الفعل.

وهذا مافعله أبي ..تاجر الغلال الأمي البسيط ..لاأتذكر أنه قال لي يوما أو لأي من أشقائي وشقيقاتي السبعة ..هذا صواب وهذا خطأ..ولم ينهر احدنا على ابتعاده عن الصلاة مثلا او الصوم..حتى أننا لم نؤد هذه الفرائض إلا ربما في العشرينيات من العمر..لكنه كان أمينا للغاية في تجارته...فكنا لسلوكياته مقلدين..وهكذا انتقلت لنا بالتقليد والمحاكاة أمور طيبة منه ومن الوالدة رحمهما الله.
..
إلا أننا نشعر أن ثمة سلبيات واختلالات تمس جوانب مهمة في حياتنا ..في حياة البشر ..هل مرجعها أنه لم ينبهنا إليها؟فإن فعل ..فهل تنبيهه ينضح من منطلقات صائبة ؟وألا يمكن أن تكون تنبيهاته تلك طفح خطوط انتاج أوهام توارثها أباً عن جد؟!

زمان ..في صباحات العهد الناصري كان ثمة قول رائج.. "من السهل أن تبني مصنعاً ..لكن من الصعب أن تبني انسانا "..
نعم ..تلك هي الإشكالية التي تواجهها البشرية وربما جسدها
عالم تربوي امريكي لاأتذكر اسمه ..حين قال : قبل أن أنجب كان لدي ٥٠٠ نظرية في التربية..بعد أن أصبحت أبا ..فوجئت بأن ليس لدي ولانظرية!!!

الإشكالية ببساطة تطفح من حقيقة أن الانسان أكثر الكائنات..بل أكثر الظواهر الكونية تعقيدا!!!..
..وإلا بماذا نفسر مافعله رجل مثل طارق رمضان -حفيد حسن البنا- الذي لم تترك السلطة الأبوية كبيرة أو صغيرة تتعلق بقيم الاستقامة إلا وغرستها في جيناته؟ .. طارق رمضان هذا والذي عمل أستاذا في إحدى جامعات سويسرا وأصبح أحد أعظم الدعاة للإسلام في أوربا ..محجوز منذ أكثر من عام في أحد سجون فرنسا بتهمة اغتصاب 4 فتيات ..إحداهن معاقة..وقد اعترف أخيرا بأنه مارس معهن الزنا بإرادتهن وليس اغتصابا ؟!
وحتى لو مارس معهن بالرضا ..هل يتسق هذا مع تشكيله الديني ؟!!
وهذا حال الآلاف من رجال الدين ..مشايخ وأئمة وحاخامات وقساوسة ..بل يصل الأمر ببعضهم إلى حد اغتصاب الأطفال..كما ذكر تقرير أمريكي عن جرائم بهذا الشكل ارتكبها العشرات من قساوسة كنائس ولاية بنسلفانيا !

والعوار بالطبع ليس في الدين أو مايعتقدون ..بل في الانسان نفسه!!

تحضرني الآن عبارة لأستاذ علم النفس د.فؤاد أبو حطب.. قالها لا أدري في أي مناسبة حين كنا معا في سلطنة عمان:

-علم النفس مازال طفلاً مقارنة بالعلوم الاخرى..
نعم .. علم النفس مازال بالفعل طفلاً ....وسيظل هذا حاله قرونا وربما آلاف السنين.. تتعثر خطاه وهو ويكابد لفك لوغاريتمات هذا الكائن الأكثر تعقيدا ! وماجرائم طارق رمضان وقساوسة بنسلفانيا وغيرهم ممن يتوقع منهم أن يكونوا مثلاً علياً في الأخلاقيات إلا طفح أدغال الغموض في تكويننا " منذ عدة أيام تم إلقاء القبض على قاض ورجلي أعمال استدرجوا موظفة في شركة أحدهم إلى شاليه في مارينا بزعم حضور مؤتمر وتناوبوا اغتصابها"!

لكن هذا لاينبغي أن يكون مدعاة ليأسنا ويأس الصديق د.. سيد نجم..
علينا مواصلة المكابدة لإيجاد سبيل صحيح لتعامل السلطة الأبوية في كافة أشكالها الجينية والمدرسية والإعلامية والأدبية والفنية والدينية مع الطفل..
" نجم " يشهر لا قوية ضد الوعظ والتلقين ..وهو محق ..فما البديل؟ خيار أبي ..لا وعظ ولاتلقين ولاشخط وزعيق وصراخ..بل يفعل فنقتدي بأفعاله..؟

لكنه ما كان بالخيار المثالي ..حيث نعاني من سلبيات واختلالات تمس جوانب مهمة في حياتنا ..هل مرجعها محدودية ثقافته وأمي رحمهما الله؟!

لقد خلق الله مليارات الكائنات ..وكلها معدومة أو محدودة التفكير والإدراك ..وحده الانسان الذي اصطفاه سبحانه وتعالى بأعظم نعمه ..العقل ..ولهدف سام..تعمير الكون ..هذا الهدف السامي إن كان في حاجة من الانسان أن يفكر ويبدع ..فملكتا التفكير والإبداع لن تنشط خطوط انتاجهما إلا في مناخات تسودها قيم السلام والحب والعدل والتكافل والتسامح والتعاون.. هذا ماينبغي أن تركز عليه السلطة الأبوية في علاقتها بالطفل ..ولندع بعد ذلك كلٌ يعتقد فيما يشاء... حتى لو كانت أوهاما!!! لكن ماهو الخيار الأصوب الذي ينبغي أن نلوذ به لترسيخ تلك القيم تحت جلد أطفالنا..؟
..رغم اجتهاد " نجم " ..رغم اجتهادات علماء النفس وقبلهم فرسان أدب الطفل ..فمازالت رحلة ألف ميل شاقة تشطرنا عن هذا الخيار..لأن المستهدف أكثر خلق الله تعقيدا ..الانسان ..حتى لو كان طفلا!!