أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح زنكنه - وجع الجنوب في صلب حلب بن غريبة














المزيد.....

وجع الجنوب في صلب حلب بن غريبة


صلاح زنكنه

الحوار المتمدن-العدد: 6682 - 2020 / 9 / 20 - 00:57
المحور: الادب والفن
    


رواية (الصليب) والتي تحمل عنونة فرعية (حلب بن غريبة) التي كتبها القاص العراقي الفذ (فهد الأسدي) بين أعوام (1966 - 1971) ونشرها سنة (2008) واحدة من الروايات العراقية الرصينة المفعمة بالوجع والتي سلطت الضوء ساطعا على جور الإقطاع وظلمهم للفلاحين في الجنوب العراقي وأريافه وقراه المتناثرة في حقبة الخمسينيات من القرن العشرين, ليغور عميقا في هذه البيئة القاسية ذات الأكواخ الطينية مقابل القصر الشامخ للشيخ وزوجاته وخدمه وحاشيته, وليجسد حيوات ناسها وحرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية عبر عمل سردي باهر ولغة شفيفة دالة.
(يقف الأطفال في صف واحد, ويختارون أكبرهم حكما, ثم يبدأون سوية بالتبول في علب أمامهم, الفائز منهم هو من يتبول أكبر كمية من الدم) ص 9
تدور أحداث الرواية في قرية جنوبية صغيرة سماها الراوي (الحيرة) والتي يتحكم بها الاقطاعي الشرس الشيخ (مزاحم الجلبي) الذي يحلم أن يكون نائبا في مجلس الاعيان, وحين يوأد حلمه تثور ثائرته ويدعو الفلاحين الى التظاهر والعصيان والهجوم على مركز القضاء ليستشعر حكومة السراي بمدى سلطانه وجبروته وليخضعها لإرادته, لكن الفلاح (عواد أبو المحاكم) يرفض هذه الدعوة ويؤلب الفلاحين على عدم المشاركة كونهم ضحية فتنة لا ناقة لهم فيها ولا جمل في كل الأحوال, بيد أن ارادة الشيخ أمضى قوة وأكثر سطوة, فيهجم الفلاحون على مركز القضاء وينهبون كل ما يقع تحت أيديهم من ممتلكات (البنادق والأثاث والرحلات والسبورات) بعد أن حطموا الأبواب وزجاج النوافذ بالحجارة والعصي والبنادق, وحتى المدرسة والمستوصف لم يسلما من الحشود الذين باتوا يطلقون النيران في الهواء وهم يمزقون الأضابير والسجلات الرسمية, ليعلن الشيخ بيانه على أتباعه الفلاحين (اليوم أنا الحكومة والحكومة أنا) ص 60
تنطلق ذروة الحبكة الدرامية حين ينزل العبد الأسود (حلب بن غريبة) علم الحكومة, والفلاحون يصفقون له بحرارة ليقوم الآخرون بتمزيقه نتفا.
تتكون الرواية المروية بلغة الراوي العليم من (14) فصلا وكل فصل يحمل عنوانا, ففي الفصل السادس (مهاجع الذل) يدفع الفلاح عواد ثمن تمرده على الشيخ فيجلد جلدا شديدا, وفي الفصل الثامن (العريف نصر) الحكومة تسترد هيبتها وتهجم على القرية وتعتقل العشرات منهم والعريف نصر ذو الشوارب الغليظة ينتف شوارب الفلاحين (كونه يجد في شواربهم نوعا من التحدي لشاربيه) ويجلدهم بقسوة وشراسة ويذل كبار القوم (السراكيل) وأعوانهم (حتى وجد ضابط الشرطة أن سياسة العريف نصر رغم عجرفتها, قد أعادت هيبة القضاء, واستطاع أن يعيد استباب الأمن بمدة قياسية) ص 82
تكمن مهارة الروائي فهد الأسدي في تحويل الشخصية الهامشية المقصية الى شخصية محورية فاعلة من دون إرادتها أو قصدية مسبقة.
(توقفت سيارتان أمام كوخ غريبة واقتاد العريف نصر ابنها حلب مصفدا بالقيود واركبه سيارة البوكس) ص 87
ومن أكثر الفصول غرابة وتراجيدية هو الفصل العاشر (المحاكمة) حين تتوجه الاتهامات تلو الاتهامات للعبد البريء (حلب) من لدن محكمة الأحكام العرفية (وهو لا يدري الفعل الجرمي الذي ارتكبه وسط هذا الحشد المتنافر من طرابيش وسدارات وعقُل ورؤوس سافرة, عساكر وأفندية يتربصون به, ما الذي فعله لكل هؤلاء, وهو لا يعرفهم ولم يلتق بهم يوما ما) ص 100
يسأله القاضي :- متهم أم بريء ؟
فيجيب حلب :- عمي ما أدري. ص 103
يسأله ثانية :- لماذا مزقت العلم ؟
فيجيب :- وروح أبيك ما مزقت شيئا. ص 110
ويحكم عليه بالإعدام شنقا بتهمتين قتل شرطي وتمزيق علم الدولة, وفي الفصل الحادي عشر (ليل الأخير في حياة محكوم بالإعدام) يستذكر واقعة تمزيق العلم حين يأمره (سعود) ابن الشيخ مزاحم.
(سعود :- اصعد يا حلب على هذا العامود وناولني العلم.
حلب:- العلم ؟ ما هو العلم ؟
سعود :- هذا البيرق الصغير يا صخل) ص 113
ولا تخلو الرواية من الأجواء الرومانسية والاشتعالات الآيروسية الباذخة رغم تراجيدية الأحداث والوقائع والفصول, حين تدعو أرملة القرية حلبا لتصلح لها باب بيتها المخلوع.
(في تيه النشوة. أمسكت يديه وراحت تسحبهما على فخذيها, ومن ثم على بطنها, صعودا الى الأثداء التي ما فتئت ناهدة) ص 123
(أمسكته وجرته معها الى السرير, وهي ترمي جسدها بحضنه, والتصق الجسدان ساخنين مشحونين) ص 125
وفي محبسه الحزين ترن كلمات الأرملة العذبة في أذنه وهو الزنجي الأسود المنبوذ من مجتمع البيض.
(حلب, كم جميل أنت. قلبك أبيض, ليست فيه ذرة سواد. حلب ثق .. أنك أكثر بياضا منهم) ص 123
الرواية حافلة بالأحداث الصاخبة المتوالية والشخوص المأزومة المستلبة كشخصية (صبحة .. البنت البيضاء الشهية, طافت حولها رغبات حبيسة خجولة) ص17 التي تنذر أنوثتها لمن ينتقم من قاتل أبيها, وشخصية (عيد) المغني الزنجي الأسود الذي يغني ويرقص في الأعراس والهائم عشقا بـ (صبحة) التي (كشفت له عن فخذيها وبطنها لدقائق, وامتلأ وجهها بحمرتي الخجل والتحدي قائلة : اعلم يا عيد. بلغ كل شباب القرية كل الناس .. لا أمنح هذا الجسد يوما إلا لمن يقتص من قاتل أبي) ص 92
وهكذا ينتقم لها من شيخ مزاحم في فورة من غضب عارم حين يتعرض للمهانة والاذلال والضرب المبرح في الفصل الأخير (القصاص).
ثمة شخصيات ثانوية كجسار وغافل وجعاز والشيخة موضي الزوجة الأولى للشيخ مزاحم, فيما تبدو (غريبة) السوداء أم حلب الأسود الشخصية الاشكالوية الأكثر هيمنة وفاعلية في الأحداث المتلاطمة المتلاحمة, حيث خصص لها الروائي أربعة فصول منفردة بين ثنايا الفصول وهي الأكثر حضورا ووجعا وعمقا وبهاء من كل نساء الرواية لما لها من حس فجائعي مرهون بتفاصيل حياتها المنخورة فقدا وضياعا وعبودية.
رواية الصليب, حلب بن غريبة رواية عالمية بكل معنى الكلمة لا وفق المفهوم الاصطلاحي للعالمية بل لفرط محليتها ومأساويتها وبراعتها السردية التي تقودنا الى عمق الجنوب ووجعه المزمن وجرحه النازف في خضم مخاض الألم والأمل وتراكم المحن والويلات.



#صلاح_زنكنه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سماحيات 14
- سماحيات 13
- مأزق العرب والمسلمين
- ظرف مغلق .. اقصوصة
- سيارة سوداء وقبعة زرقاء / قصة قصيرة
- شذرات من كتاب (قصتي مع الشعر) لنزار قباني
- تغريدات فيسبوكية
- أدب وأدباء
- سماحيات 12
- سماحيات 11
- سماحيات 10
- شذرات من التراث الأيروسي العربي (2)
- شذرات من التراث الأيروسي العربي (1)
- إشارات ثقافية
- سماحيات 9
- # اضاءتان ثقافيتان #
- قراءة في # سرديات الجسد والإيروتيكيا #
- عرض كتاب # عبادة الجنس .. شرح لأصل أديان عبادة القضيب # تألي ...
- العولمة والأسلمة والكورونا
- سماحيات 8


المزيد.....




- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح زنكنه - وجع الجنوب في صلب حلب بن غريبة