أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - من المأساة إلى المسخرة: حول حفل التوقيع في البيت الأبيض














المزيد.....

من المأساة إلى المسخرة: حول حفل التوقيع في البيت الأبيض


جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)


الحوار المتمدن-العدد: 6678 - 2020 / 9 / 16 - 09:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



من أشهر أقوال كارل ماركس تعليقه على خاطرة هيغل في أن الأحداث الكبرى في التاريخ تتكرّر مرّتين، بقوله إن هيغل نسي أن يضيف أنه بينما تأتي المرّة الأولى كمأساة، فإن الثانية لا تعدو كونها مسخرة. والحقيقة أنها لفكرة بديهية، إذ إن الذين يتعمّدون تقليد وقائع التاريخ الخطيرة، إنما ينتهي بهم الأمر عادةً إلى ما هو أقرب إلى المسخ مثلما هي حال معظم المقلّدين. ولا تُحصى الوقائع التاريخية التي أكّدت قول ماركس المأثور، وهو سبب اشتهاره حيث درج أن يستشهد به المعلّقون عبر الأجيال.
وها إننا أمام حالة مثلى في تأكيد مقولة ماركس، تم إخراجها المسرحي يوم أمس الثلاثاء على حديقة البيت الأبيض (أقول ذلك تخميناً قبل أن يجري الحدث، إذ إنني أكتب هذا المقال صباح الثلاثاء بالتوقيت الأوروبي). ففي الحديقة ذاتها، جرى قبل أربعين عاماً ونيّف، يوم 26 مارس/ آذار 1979، حفل توقيع أول اتفاق سلام بين دولة عربية والدولة الصهيونية، هو الاتفاق الذي أبرِم بين سيئ الذكر أنور السادات، باسم مصر، وبين سلف بنيامين نتنياهو في قيادة حزب الليكود وفي رئاسة حكومة دولة إسرائيل، مناحيم بيغن الأسوأ ذكراً. وقد جاء ذلك الحدث التاريخي بمثابة مأساة عظيمة للقضية الفلسطينية والقضية القومية العربية، مستكملاً انقلاب كبرى الدول العربية والدولة التي طالما تزعّمت معركة العرب القومية ضد الاستعمار والصهيونية والإمبريالية الأمريكية إلى دولة تابعة لهذه الأخيرة ومتعاونة مع حليفتها الإقليمية.
وقد توّج حفل التوقيع في عام 1979 عقداً مشؤوماً في التاريخ العربي، شهد انتقال المنطقة من العصر الناصري إلى العصر السعودي بانتقال مصر برئاسة السادات من الزعامة التي وصفنا إلى التذيّل الأمريكي والارتزاق السعودي، بينما قامت في العام ذاته دولة الملالي في إيران، فسعت وراء ملء الفراغ الذي تركته استقالة مصر من قيادة التصدّي للحلف الإمبريالي-الصهيوني بتنصيب نفسها زعيمة للمسلمين في الصراع ضد «الشيطان الأكبر» وحليفه الأصغر. وقد استكمل هذا الأمر الأخير دخول المنطقة العربية في حقبة المزايدات الدينية الأصولية بين طهران والرياض، تكريساً لانحطاط تاريخي هو الأخطر في التاريخ العربي منذ ذلك الذي أودى بالدولة العبّاسية.
أما حفل التوقيع الجديد فمسخرة من الطراز الأكثر ابتذالاً. وهو يكاد يشكّل ما يسمّى «لا حدث» ذلك أن الدولتين العربيتين اللتين عقدتا الاتفاق الجديد مع الدولة الصهيونية إنما كانتا على علاقة بها منذ سنوات عدّة بشتى الأشكال، ولاسيما التعاون الأمني، وقد وصف الإعلام العالمي خلال الأيام الأخيرة تلك العلاقات بما يعفينا من تكرار تعدادها هنا. وبينما كان السادات وبيغن شخصيتين مأسويتين بامتياز، مات أولهما رمياً بالرصاص ومات الثاني حتف أنفه بعد عشر سنوات من كآبة أصابته إثر تحوّل اجتياحه للبنان إلى كارثة سياسية أدّت إلى اعتزاله العمل السياسي والاعتكاف في منزله، فإن أبطال المسرحية الجديدة يصارع أحدهم للبقاء في السلطة خوفاً من أن يخرج منها إلى السجن بسبب فساده، أما الآخران فقزَمان سياسيان يشرفان على دولتين لا يزيد عدد مواطني كل منهما، بل عدد مواطني الاثنتين معاً، عن عدد سكان أحد أحياء القاهرة.

هذا وقد كثرت الإشارة إلى ما نشهده بتسمية «التطبيع» وهي تسمية غير موفّقة في أغلب الأحيان حيث إن علاقات السلام بين أي دولة من الدول الأعضاء في الجامعة العربية والدولة الصهيونية إنما هي طعنٌ بمعاهدة الدفاع المشترك التي أقرّتها الجامعة قبل سبعين عاماً والتي نصّت على تعهّد كل من الدول الموقّعة «بألا تعقد أي اتفق دولي يناقض هذه المعاهدة وبألّا تسلك في علاقاتها الدولية مع الدول الأخرى مسلكاً يتنافى مع أغراض هذه المعاهدة». والحال أن الدولة الصهيونية قامت أصلاً على الاعتداء على فلسطين وسلب أراضيها، ثم استكملت ذلك باحتلال أراضي ثلاث دول عربية في حرب عام 1967، ولا تزال تحتل الضفة الغربية الفلسطينية والجولان السوري في نظر القانون الدولي. فإن ما يسمّى «تطبيعاً» هو في حقيقته خيانة للتعهدات وليس إقامة علاقات «طبيعية».
بيد أننا، والحق يُقال، أمام حالة تستحق تلك التسمية أكثر من أي حالة سابقة. فحيث إن العلاقات بين مصر والأردن والدولة الصهيونية علاقات غير «طبيعية» على الإطلاق، إن العلاقات بين الدولتين الخليجيتين ودولة إسرائيل علاقة «طبيعية» جداً، لأن الدول الثلاث قائمة على مرادف محلّي لنظام الأبارتهايد، أي نظام التفرقة العنصرية الذي كان سائدا في جمهورية جنوب أفريقيا، وذلك إزاء «الأجانب» الذين يشكّلون غالبية السكان العظمى في الإمارات وما يناهز نصفهم في البحرين، فضلاً عن التفرقة الطائفية السائدة في هذه الدولة الأخيرة على غرار الدولة الصهيونية التي تجمع بين السمتين. هذا وإذ رهنت الدولتان الخليجيتان مصيرهما بدونالد ترامب بقبولهما المشاركة بمسرحية الأمس إرضاءً له كي يتباهى في حملته الانتخابية الراهنة بإنجاز مزعوم في السياسة الخارجية، مصحوب بعقود جديدة لصالح صناعات الأسلحة الأمريكية، فقد تجدان نفسيهما في ورطة حرجة لو فشل المذكور في انتزاع ولاية ثانية وخلفه ممثّل إرث باراك أوباما في مهادنة إيران. والحال أن طهران لم تتأخر في استغلال «التطبيع» الجديد في سعيها الدائم لإضفاء شرعية «ممانِعة» على مشروعها التوسّعي الطائفي الذي هو رديف آخر للمشروع الصهيوني، وإن كان رديفاً تناظرياً يتخاصم مع المشروع الإسرائيلي خلافاً للرديفين الخليجيين اللذين يتوازيان ويتكاملان مع هذا الأخير.



#جلبير_الأشقر (هاشتاغ)       Gilbert_Achcar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بن سلمان في الميزان: هل ينتهي تولّيه العهد قبل العهد؟
- فرنسا ووهم الاستعمار المستدام
- نتنياهو وبن زايد يشاركان في حملة ترامب مرة ثانية
- «حزب الله» من التحرير إلى الطغيان
- «كلّن يعني كلّن»!
- الاستبداد وتلفيق التهم: عمر الراضي نموذجاً
- إجماع سعودي إيراني على حساب المسلمين!
- مأساة لبنان والوطنية الحقّة
- تحية للعالمات المشاركات في مشروع «الأمل»
- الجدوى من العدوى: عن دلالة الخيال الكارثي
- الموقف الوطني المصري السليم من ليبيا
- شهادة بولتون عن ترامب وبوتين وسوريا
- سفينة لبنان تغرق ولا من يعوّمها
- العنصرية والطائفية والرُكبات على الرَقبات
- الصهيونية بنت العنصرية الاستعلائية البيضاء
- فلسطين: من تقسيم إلى آخر
- رثاء الأمة العربية وشرط نهضتها
- الإدمان على النفط ومعالجته الملحّة
- رامي مخلوف المسكين…
- لبنان: عادت حليمة إلى عادتها القديمة


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - من المأساة إلى المسخرة: حول حفل التوقيع في البيت الأبيض