أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - حاتم الجوهرى - ورقة استشرافية: سردية كبرى بديلة لمصر لعبور المأزق الحضاري















المزيد.....



ورقة استشرافية: سردية كبرى بديلة لمصر لعبور المأزق الحضاري


حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)


الحوار المتمدن-العدد: 6674 - 2020 / 9 / 12 - 10:41
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
    


ملخص:

تطورت الأحداث سريعا في ملف صفقة القرن وسد النهضة والمنطقة العربية، حيث وقفت اللحظة الحالية عند قبول مصر لسردية "الاستلاب للآخر" والخضوع للصفقة وتفاهماتها الأمريكية والصهيونية، وهو ما ظهر في وقف جزء من المساعدات الأمريكية لأثيوبيا لإظهار أنها غير راضية عن سلوكها التفاوضي، وتدخلها في الملف الليبي وتجميد الوضع العام على ما هو عليه بحضور كل التناقضات والأطراف، لكن المقابل كان خطيرا للغاية بالنسبة لمصر ومستقبلها الاستراتيجي والوجودي، أعلنت أمريكا ضم المزيد من العرب لسردية "الاستلاب للآخر" وصفقة القرن بتوقيع اتفاقية "إبراهيم" بين الإمارات و"إسرائيل"، وانضمت مؤخرا البحرين لقطار الصفقة، وكان موقف مصر المعلن هو القبول والتهنئة والإشارة لأهمية ذلك لإقامة دولة فلسطينية! في الملف المركز بالنسبة لمصر في سد النهضة، وقفت المفاوضات عند فشل التوصل لاتفاق او إطار اتفاق مع أثيوبيا، وخضعت السودان للصفقة بنسبة ما في مقابل رفع العقوبات التاريخية عنها كدولة على قائمة الإرهاب، وحاولت مصر زيادة رصيدها عند السودان بالدعم الذي قدمته لها لمواجهة فيضان النيل التاريخي هذا العام، لكن التدفقات الصلبة أو المادية للسودان لم يصحبها خطابا سياسيا ناعما يمتلك تصورا استراتيجيا لمستقبل العلاقة بين البلدين، لتظل أزمة مصر أن سردية "الاستلاب للآخر" تحاول إعادة إنتاج "الدولة حارسة التناقضات" التي أسس لها السادات ودعمها مبارك، عن الدولة التابعة التي تحقق مصالح الغرب والصهيونية، وتحافظ على ممكنات الحالة العربية في حالة صفرية وعاجزة، في مقابل ان يحافظ الغرب/ الصهيونية على حدود دنيا لوجودها العام... ما تطرحه هذه الورقة الاستشرافية هو بديل لسردية "الاستلاب للآخر" والخضوع لصفقة القرن ومواجهة سد النهضة في آن واحد، اعتمادا على الذات من خلال سردية كبري بديلة لـ"الاستلاب للآخر"، معتبرة أن ما تم من تمرير للسردية يمكن إصلاحه وعلاج آثاره، وبناء نموذج حضاري مصري جديد قادر على استعادة المبادرة، ولم الشتات العربي. حيث تطرح الورقة فلسفة لسردية مصرية تقوم على فكرتين أو شعارين أو مقولتين أساسيتين، إحداهما تخص الذات كسردية خاصة بها تطرح بها نفسها على العالم، والأخري تخص الآخر وتطرح بها الذات تصورها للآخر العالمي ومركز تكونه، المقولة التي تخص الذات وسرديتها الخاصة تنص على: سردية الثورة المصرية كمصدر للقوة الناعمة وإضافة للأمن القومي، والمقولة التي تخص الآخر تنص على: سردية "ما بعد المسألة الأوربية" وتجاوز تبعاتها.




مقدمة:

لقد تطورت الأحداث سريعا في ملف صفقة القرن وسد النهضة والمنطقة العربية، حيث وقفت اللحظة الحالية عند قبول مصر لسردية "الاستلاب للآخر" والخضوع للصفقة وتفاهماتها الأمريكية والصهيونية، وهو ما ظهر في وقف جزء من المساعدات الأمريكية لأثيوبيا لإظهار أنها غير راضية عن سلوكها التفاوضي، وتدخلها في الملف الليبي وتجميد الوضع العام على ما هو عليه بحضور كل التناقضات والأطراف، لكن المقابل كان خطيرا للغاية بالنسبة لمصر ومستقبلها الاستراتيجي والوجودي، أعلنت أمريكا ضم المزيد من العرب لسردية "الاستلاب للآخر" وصفقة القرن بتوقيع اتفاقية "إبراهيم" بين الإمارات و"إسرائيل"، وانضمت مؤخرا البحرين لقطار الصفقة، وكان موقف مصر المعلن هو القبول والتهنئة والإشارة لأهمية ذلك لإقامة دولة فلسطينية! في الملف المركز بالنسبة لمصر في سد النهضة، وقفت المفاوضات عند فشل التوصل لاتفاق او إطار اتفاق مع أثيوبيا، وخضعت السودان للصفقة بنسبة ما في مقابل رفع العقوبات التاريخية عنها كدولة على قائمة الإرهاب، وحاولت مصر زيادة رصيدها عند السودان بالدعم الذي قدمته لها لمواجهة فيضان النيل التاريخي هذا العام، لكن التدفقات الصلبة أو المادية للسودان لم يصحبها خطابا سياسيا ناعما يمتلك تصورا استراتيجيا لمستقبل العلاقة بين البلدين، لتظل أزمة مصر أن سردية "الاستلاب للآخر" تحاول إعادة إنتاج "الدولة حارسة التناقضات" التي أسس لها السادات ودعمها مبارك، عن الدولة التابعة التي تحقق مصالح الغرب والصهيونية، وتحافظ على ممكنات الحالة العربية في حالة صفرية وعاجزة، في مقابل ان يحافظ الغرب/ الصهيونية على حدود دنيا لوجودها العام... ما تطرحه هذه الورقة الاستشرافية هو بديل لسردية "الاستلاب للآخر" والخضوع لصفقة القرن ومواجهة سد النهضة في آن واحد، اعتمادا على الذات من خلال سردية كبري بديلة لـ"الاستلاب للآخر"، معتبرة أن ما تم من تمرير للسردية يمكن إصلاحه وعلاج آثاره، وبناء نموذج حضاري مصري جديد قادر على استعادة المبادرة، ولم الشتات العربي.
إذ في ملف سد النهضة نجحت أثيوبيا واقعيا في تقديم سردية أو صورة لمصر للمجتمع الدولي والأفريقي، بشكل يخدم مخططاتها في بناء سد النهضة، اعتمدت صورة مصر التي قدمتها أثيوبيا لأفريقيا على أن النظام المصري الحالي هو أقرب للأنظمة العسكرية، ووصل للسلطة بطريق غير ديمقراطي بنسبة 100%، وانه يمارس تعاليا معتادا للشمال الأفريقي في مواجهة الجنوب. وعلى الصعيد الدولي قدمت أثيوبيا سردية/ صورة لمصر أسوأ بكثير، قدمت أثيوبيا مصر بوصفها امتدادا لصورة المستعمر الذي يريد الهيمنة على مقدرات حوض النيل ومائه، واستطاعت اللعب على عقد "المسألة الأوربية" التاريخية بوصف ما تفعله هو تمردا مع استعراض للقوة يشبه تمثلات تمرد "العبد على السيد" في جدلية هيجل الشائعة في الفكر الأوربي، وتواكبت السردية الأثيوبية مع ضغوط صفقة القرن ومشروع تفكيك الذات العربية وخضوعه للرواية والسردية الصهيونية، والهدف من كلمة بديلة في عنوان الدراسة؛ أن البعض يقدم سردية الاستلاب والخضوع للصفقة وبنودها حاليا لمصر، لذا فتقدم الدراسة سردية كبرى بديلة لمصر عن سردية الاستلاب والخضوع للآخر وصفقة القرن، والسياسية التي ستمرر لمصر الحصول على حقها عبر التبعية والخضوع لأمريكا، فهذه سردية بديلة عن خطاب الاستلاب والحصول على المكانة عبر التبعية ودور "الدولة حارسة التناقضات".
من ثم تطرح هذه الورقة الاستشرافية تبني سردية أو مشروعا جديدا لمصر، يضع نصب عينيه ما قدمته أثيوبيا للعالم عن مصر، وتضع أيضا موقف مصر الراهن في ظل السياق العام ظرفية "صفقة القرن" التي توظف فيها أمريكا كل الأوراق بما فيها الملف الأثيوبي، لتجبر مصر على قبول الصفقة وضم المزيد ممن العرب لها.
تطرح الورقة فلسفة لسردية مصرية تقوم على فكرتين أو شعارين أو مقولتين أساسيتين، إحداهما تخص الذات كسردية خاصة بها تطرح بها نفسها على العالم، والأخري تخص الآخر وتطرح بها الذات تصورها للآخر العالمي ومركز تكونه، المقولة التي تخص الذات وسرديتها الخاصة تنص على: سردية الثورة المصرية كمصدر للقوة الناعمة وإضافة للأمن القومي، والمقولة التي تخص الآخر تنص على: سردية "ما بعد المسألة الأوربية وتجاوز تبعاتها.
المقولة الأولى عن دور الثورة ستواجه بشكل مركزي التشويه الأثيوبي فيما يتعلق بالديمقراطية، وستحقق اللُحمة مع تاريخ مصر الثوري في القارة السمراء في عهد عبد الناصر، القائم على التعاون لا التعالي وستؤكد على طموح مصر في أن يعم العدل والحرية والتعاون أفريقيا. المقولة الثانية ستكشف لعب أثبوبيا على تناقضات "المسألة الأوربية" وستقوم على تجاوز الرواسب الثقافية لها، وظهور نماذج إنسانية جديدة أيضا
كما أن أهمية السردية الجديدة تجاه الذات والآخر في العموم، لا في خصوص الملف الأثيوبي وضغوط صفقة القرن، أنها تقوم على فهم التطور السريع للأحداث المتلاحقة في المنطقة العربية، في خضم التدافعات الإقليمية والدولية، حيث تبدو المسألة بوضوح أن النموذج العربي في حاجة لسردية كبرى، أو مشروع وجودي جامع يعيد إنتاج الذات العربية ودورها في المنطقة والعالم من جديد. وأن استمرار الشكل الحالي لدولة المركز التاريخي/ مصر، سيؤدي فقط إلى مزيد من التفكك والحصار للذات العربية لغياب بديل / سردية كبرى تواجه السرديات الإقليمية الأخرى (الإيرانية- التركية- الصهيونية)، وكذلك السرديات الدولية (لأمريكية – الروسية- الفرنسية- ...)
كما أن هذه السردية الكبرى تصلح للتطبيق في كافة الدول العربية، تحديدا في دول الموجتين الثوريتين الأولى والثانية، في دول الموجة الأولى (مصر- ليبيا – سوريا – اليمن – تونس)، أو دول الموجة الثانية (السودان- الجزائر – العراق – لبنان)، لتتخلص تلك الدول من مأزقها الحالي الذي وصلت له عبر بتفعيل التناقضات الداخلية ووصولها لمرحلة الانسداد مثلما في لبنان، أو بضغوط التدخلات الخارجية المباشرة كما في العراق وسوريا، أو عبر الملفات الوجودية الضاغطة كما في حال دولة المركز/مصر مع ملف سد النهضة والمواجهة مع أثيوبيا.

أولا: مآل وضع سد النهضة الراهن وخطورته الوجودية

• ما هو أبعد من الانتصار في الملف الأثيوبي
في واقع الأمر مصر وصلت للحظة وجودية حرجة للغاية في ملف سد النهضة تحديدا، ونكاد نقول إن استعادة الأرضية القديمة ستطلب ما هو أبعد من الانتصار حتى في سد النهضة، حيث يكاد خطاب مصر السياسي على المستوى الدولي يكون قد فقد كل عناصر الجذب، ونجحت أثيوبيا في تقديم خطاب اكتسب مساحة لا بأس بها من العالم، والأزمة أن إدارة السياسة الخارجية لمصر الآن لا تدرك أن المشكلة مركزية، في صورة مصر الذهنية العامة، التي لعبت عليها كافة القوى المنافسة لمصر إقليميا ودوليا، بحيث أصبحت مصر في حاجة لفكرة جديدة أو سردية جديدة، تعيد تقديم نفسها بها إلى العالم وتتجاوز الصورة الذهنية الحالية وتناقضاتها ودعاة سردية الاستلاب للآخر والمكانة النسبية المكتسبة عبر التبعية، حيث تقدم أثيوبيا مصر للعالم بصفتها إمتدادا للسياسات العنصرية الاستعمارية، وتقدم الملاحظات المضمرة حول دور المؤسسة العسكرية في الحكم، في مقابل تسويقها لنفسها كنصير جديد للسلام والديمقراطية ودعاوي الحرية والثورات في القارة الأفريفية كما فعلت مع الثورة السودانية.


• أزمة الفصل بين القوة الخشنة
والقوة الناعمة في الحالة المصرية
إن القوة الخشنة لمصر مهما زادت التدفقات فيها عسكريا أو ماليا (ممولة محليا او إقليما كانت)، كما حدث في دعم الملف اللبناني والسوداني، فإنها إن لم تصحب بقوة ناعمة ذات جاذبية شعبية وسياسية، فعلى المدى الطويل ستكاد تصبح بلا جدوى، ولهذا أقولها صراحة إن مصر وصلت لمرحلة حرجة للغاية، إما تتبنى سردية كبرى تصبح مركزا لقوة ناعمة جاذبة لها على المستوى الدولي والإقليمي الشعبي والنخبوي، وإلا فسيكون الأمر حرجا للغاية وعرضة لعديد من الاحتمالات غير المأمونة بتاتا داخليا (بالرفض الشعبي الكامن) وخارجيا (بالتبعية وسردية الاستلاب للآخر)، لأن الصورة الذهنية لمصر حاليا في المسارات الدولية غير مصحوبة بمصدر حقيقي للقوة الناعمة والجذب للآخرين، بل يسلط العديد من القوى المنافسة لمصر الضوء على بعض المناطق بعينها في الصورة الذهنية للإدارة السياسية الحالية لمصر، تفقدها الكثير من الزخم الذي يجب علاجه بضرورة البحث عن مصدر بديل وقوي للقوة الناعمة لمصر، بما يمكن من تغيير الصورة الذاتية المستقرة عنها في محيط شبكة العلاقات الدولية، وما يتعلق فيها من ملفات تأثرت بتلك الصورة الذهنية السلبية وافتقاد مصدر لمصدر للقوة الناعمة تجذب به الآخرين وتصبح منافسا لهم. إذ سردية الاستلاب للآخر تطرح التبعية في مقابل أن يتم كفالة مصر دوليا من قبل أمريكا، وإعادة إنتاج مفهوم "الدولة حارسة التناقضات" التي يرعاها الغرب في مقابل وجودها وتحركها تحت نطاق السيطرة وحفاظها على مصالح الغرب، وإبقاء الذات العربية في حالة التفكك وانعدام الوزن.


• طبقة الاضمحلال الحضاري
النخبة الثقافية دعاة "نهاية السرديات الكبرى"
في لحظة تاريخية سابقة؛ قدمت الدولة المصرية "تنخيبا زائفا" يقف على أزمة مع "مستودع الهوية" الخاص به، ومنحته صفة "النمط السائد ثقافيا" أو ما اصطلح على تسميته بـ "النخبة الثقافية" المُصدرَة في المؤسسات الثقافية والأكاديمية والإعلامية، هذه النخبة التي تم تنخيبها بغير طرق "الفرز الطبيعي" ولا تعبر عن "كتلة جامعة" حقيقة للبلاد، استخرجت من حفائر "المسألة الأوربية" مقولة نهاية السرديات الكبرى، أو نهاية المشاريع والتصورات السياسية لتنظيم وجود الدولة في العالم، وقامت بتقزيم كل مصادر القوة الناعمة الجزئية لمصر، أو بعبارة أخرى فككت كل مصادر القوة الناعمة التقليدية لمصر على مستوى الفنون والآداب والدراما والفلكلور،... ألخ، وقدمت لمصر تمثلات مشوهة مسخت مكانتها التاريخية، ففقدنا حتى المكونات الصغيرة للصورة الذهنية التاريخية الناعمة لمصر، بالإضافة للفقد العام مع شعار نهاية السرديات الكبرى الذي تبنته تلك الطبقة الثقافية السائدة منذ تسعينات القرن الماضي، والمشكلة الكبرى أن تلامذتهم مازالوا يسيطرون على مفاصل الثقافة المصرية ومؤسساتها، ومصادر صنع مكونات القوة الناعمة في تفاصيلها الصغيرة التي قد تجتمع وتكون صورة كبيرة حيوية وفعالة. بالإضافة إلى أن هذه النخبة أفرزت تمثلا جديدا مع ضغوط صفقة القرن، هو سردية "الاستلاب للآخر" والانتصار لروايته كحل تطرحه على المشهد المصري والعربي.

• بين استعادة الذات أو الانسلاخ عنها
ملفات وجودية نكون فيها أو لا نكون
هذه الفكرة التي حكمت الثقافة والوعي المصري العام ومؤسسات البلاد طوال العقود الماضية، وأوصلتنا لحافة هاوية الاضمحلال الحضاري و"الانسلاخ عن الذات" و"الاستلاب للآخر"، بدلا من "استعادة الذات" والوقوف على لحظتها المفصلية التاريخية، حان موعد إزاحتها بنخبها الظاهرة والباطنة بدلا من أن تتحول لنمط سائد يستلزم من السياسيات الداخلية قهر الناس وصدمهم جماعيا لقبول صفقة القرن، وتفعيل كافة تناقضات الذات العربية التاريخية في مصر، والبديل الذي تطرحه هذه الورقة هو السعي لتقديم "سردية كبرى" لمصر بها تستعيد قواها الناعمة وتضبط قواها الصلبة، وتواجه بها البلاد التحديات الحضارية الوجودية في: الجنوب (حيث ملف سد النهضة أعقد الملفات وأثقلها هما)، وفي الشرق (حيث ذروة المخططات الصهيونية والأمريكية بمشروع صفقة القرن)، وفي الغرب (حيث تم تسخين الملف الليبي كأداة ضغط جديدة على مصر)، وفي الشمال (حيث البحر المتوسط وتسخين التناقضات مع تركيا في ملفات الغاز والوجود البحري).
إذ تقف الأمة المصرية أمام لحظة تاريخية صعبة؛ بسببب عجز حِزَمْ السياسات العامة الداخلية والخارجية المنتظمة حول مقولة نهاية السرديات الكبرى وسردية "الاستلاب للآخر"، عن مواكبة المتغيرات داخليا وخارجيا، وهي الحزم ذاتها التي تقف بالتوازي مع تمثلها أو بالأصح مصدرها المشوه في مفهوم "الدولة حارسة التناقضات"، التي تحولت لها "دولة ما بعد الاستقلال" عن الاحتلال الأجنبي في مصر منذ القرن الماضي، تلك الدولة التي تحافظ على بقاء التناقضات الأقليمية والداخلية، ولا تفجر طاقات البلاد وتسمح لفرزها الطبيعي بالظهور، في مقابل أن تحافظ القوى الدولية على حدود دنيا من شروط وجودها وبقائها.
مصر في حاجة الآن لسردية كبرى بديلة عن سردية الاستلاب للآخر والخضوع لصفقة القرن، تقوم على فهم واضح للذات في علاقتها بالآخر، أي أن مصر في حاجة لسردية تقوم على فكرة ذات وجهين أو حسب البعض فكرتين؛ فكرة مقبولة لتسويق الذات للآخر، وفكرة مقبولة لوضع الآخر أمام مسئولياته، إذن نحن في حاجة لسردية تضع في حسبانها الذات والآخر، وفق التحدي الحضاري الراهن وحقيقة ان الوجود البشري وجود قائم على التدافع بين متعدد وليس الوجود المنفرد المنعزل (وهو تصوري لمقاربة التدافع الحضاري).

ثانيا: سردية الموقف البديل من الذات
(سردية الثورة المصرية كمصدر للقوة الناعمة وإضافة للأمن القومي)

القوة الناعمة في أبسط تعريفاتها؛ هي رغبة الآخرين دولا وأفرادا في تبني تمثلاتك الثقافية والحضارية والسياسية ودعمها، وجاذبيتها بالنسبة لهم ورغبتهم في اتخاذها نموذجا ومثالا طواعية واختيارا. مشكلة السياسات الخارجية لمصر الآن على المستوى الإقليمي والدولي أنها مهما حاولت لا تجد الصدى الكافي، بل تجد الصد والرفض، لأن الصورة الذهنية للدولة المصرية ماتزال تقوم على فكرة "دولة ما بعد الاستقلال" بقلبها العسكري، وهذه الصورة الذهنية بتمثلها الحالي ومداخلها أثر تدافعات ما بعد ثورة يناير وموجتها الثانية في 30 يونيو، لن تجد قبولا على المستوى طويل المدى أبدا، لذا فالدولة المصرية في حاجة لسردية كبرى بديلة وفكرة جديدة تكون مصدرا للجاذبية والقوة الناعمة إقليميا ودوليا، وليس سردية الاستلاب للآخر والخضوع لضفقة القرن.
هنا حقيقة على المستوى الفكري والمعرفي وبروح الباحث المدقق؛ لا أجد فكرة بديلة يمكن أن تجد القبول الناعم في السياسات الخارجية لمصر، سوى نموذج الثورة المصرية في 2011م كفكرة حضارية جديدة نظر لها العالم بإعجاب وتطلع، تجاوزت الأشكال التاريخية للثورات بشعاراتها الموروثة عن تمثلات "المسألة الأوربية" شرقا (شيوعية) وغربا (رأسمالية)، ونادت بقيم حضارية تصلح لكي تكون أسسا لشكل عالمي جديد، من ثم أطرح بوضوح هنا مشروع الثورة المصرية كمصدر للقوة الناعمة وإضافة للأمن القومي المصري، لا خصما منه كما كان يروج المستفيدون من التراتب الاجتماعي الذي استقر في كنف دولة ما بعد الاستقلال وتحولها للدولة "حارسة النتاقضات" ومفاهيمها السلبية التي بسط نفوذه عليها "الأمن السياسي"، واستبعد كل موهبة حقيقية في مصر وفتح الطريق أمام الانتهازية والذاتية، وتراجعت بها مفاهيم "الأمن القومي" والبحث عن عناصر التفوق وموارد القوة الجماعية.
خلاصة سردية الثورة المصرية كمصدر للقوة الناعمة وإضافة للأمن القومي، ستحقق لمصر الجاذبية التلقائية من الآخرين، والقبول والترحيب في المستوى الإقليمي والدولي، والنجاعة في ملفاتهما كما يلي:
- في الملف الليبي؛ ستتمكن من احتضان الغرب الليبي الذي يتبنى لحد ما قيم التمرد على النظام القديم لدولة ما بعد الاستقلال هناك التي مثلها القذافي ونظامه، وستتمكن ما اكتساب تأييد القاعدة العريضة من الشعب الليبي التي لا تزال تبحث عن ممثل لها بعيدا عن اليسار واليمين وتناقضات القرن الماضي.
- في الملف الجنوبي في السودان وأثيوبيا ودول الحوض والقرن الأفريقي، ستتخلص مصر من الصورة الذهنية التي تحاول أن تصمها بها النخب الأثيوبية أفريقياٌ ودولياٌ، عن كون مصر الحالية تمارس أعمالا استعمارية موروثة لعلاقتها المرتبكة بالدول الكبرى الغربية تحديدا أمريكا (التي تلعب على كل الحبال بدورها)، من ثم ستتمكن مصر بتبنيها لسردية الثورة وطموحها الحضاري، في اكتساب قوة ناعمة ودعم طبيعي على الصعيد الإفريقي وتتجاوز الصورة الذهنية السيئة لمصر "ما بعد الاستقلال" ومفهوم "الدولة حارسة النتاقضات"، وما بعد تدافعات يناير وموجتها في 30 يونيو.
- على المستوى السوداني، ستكتسب السردية الجديدة لمصر قبول الحكومة المدينة التي جاءت بها تدافعات ما بعد الثورة السودانية هناك، وتتجاوز الصورة الذهنية السلبية عن دعم مصر/ الدولة لقمع العسكريين ممثلي "دولة ما بعد الاستقلال" هناك للثورة السودانية، وستتمكن مصر من مد جسور التعاون في العديد من المجالات وفق المصالح المشتركة للبلدين.
- وعلى المستوى الإريتري، ستكتسب السردية الجديدة زخما لاستعادة الصلة مع النظام الإريتري الذي وصل للاستقلال عن طريق التمرد المسلح، وكان توجهه عربيا صرفا يسعى للانضمام لجامعة الدول العربية في التسعينيات، لو تشوه مفاهيم السياسات الخارجية لـ"الدولة حارسة التناقضات" في عهد مبارك، لتحول البحر الأحمر لبحيرة عربية خالصة.. وبالمثل مع الصومال وجيبوتي وبقية دول القرن الأفريقي وحوض النيل.
- على المستوى العربي؛ ستتواصل مصر كقوة ناعمة ونموذج حضاري مع دول الثورات العربية الكبرى في موجاتها الأولى والثانية، الأولى تشمل ليبيا وتونس واليمن وسوريا، والثانية وتشمل السودان والجزائر والعراق ولبنان، وستمثل مصر نموذجا جديدا قد يحقق معادلة غائبة تحديدا في دول التدافع الهوياتي مع النفوذ الإقليمي في لبنان واليمن وسوريا والعراق، وستمثل مساحة مشتركة أكثر مع ليبيا والسودان وتونس.
- على مستوى دول الخليج ستقدم مصر نموذجا لمراجعة نماذج القوة الجديدة التي نمت في أطراف الحاضنة العربية (الإمارات – قطر – السعودية)، بما سيجعل تلك الدول تبدأ في مراجعة سياساتها الخارجية التي قامت على سياسة ملء الفراغ أثر انسحاب مصر في ظل سردية "الدولة حارسة التناقضات"، وتحولها حاليا إلى سردية الاستلاب للآخر وخطابه.
- على المستوى الدولي تحديدا في العلاقات مع أمريكا والاتحاد الأوربي، ستكتسب مصر قوة ناعمة ونفسية لا حد لها، لأن نموذج وسردية "التشيوء" التي وصلت لها تلك البلدان في علاقتها الحضارية بأفرادها، دفعت العديد منهم للبحث عن نماذج حضارية جديدة خارجها، وكان النموذج المصري في 2011 هو أقوى تلك النماذج وأكثرها جاذبية واستقطابا للقوة الناعمة، وحاولت معظم بلدان العالم إعادة إنتاج نموذج ثورات الميادين وثورة ميدان التحرير المصري.
- على المستوى الصيني، سيكون للنموذج المصري وسرديته الجديدة مساحة هائلة للتأثير في مشروع طريق الحرير، ومنحه سماته النهائية الناعمة التي لم تتشكل بعد، كما ان النموذج الصيني نفسه لم يستقر بعد على شكل معادلته الحضارية وسرديتها الكبرى، بما سيسمح للنموذجان في التشارك وتبادل التأثيرات وصولا لمزيج أكثر عدالة وحداثة عما سبق في مرحلة المركزية الأوربية.
- وبالمثل مع بقية دول أفريقيا سيمثل النموذج المصري وسرديته الجديدة، مثالا مهما لتجاوز "دولة ما بعد الاستقلال" عن الاحتلال الأجنبي التي ما تزال موجودة في القارة، ويمكن لمصر بكوادرها الجديدة وضع مجموعة من السياسيات الرئيسية وحزم المساعدات الفنية، الممكن تطبيقها مع مراعاة التمايزات والتنوعات داخل القارة السمراء البكر، وكذلك مع روسيا التي ستنضبط كثيرا في تعاملها مع مصر بسرديتها الثورية، ومع بقية دول العالم في أمريكا اللاتينية التي قدمت نماذجا محترمة في تجاوز "دولة ما بعد الاستقلال" عن الاحتلال الأوربي.


ثالثا: سردية الموقف البديل من الآخر
( سردية ما بعد المسألة الأوربية وتجاوز تبعاتها)

في موقف متصل بسردية الذات المصري التي ستقوم على جاذبية الثورة المصرية ونموذجها التحرري، الذي تجاوز سياق "المسألة الأوربية" بشعاراتها الشرقية (الماركسية) وشعاراتها الغربية (الرأسمالية)، سيظهر أيضا موقف الدولة المصرية من الآخر المهين، الذي هو مصدر السلطة الناعمة والخشنة المسيطرة عالميا بتمثلاته القديمة والجديدة، وهذا الموقف سيقوم على فكرة تجاوز "المسألة الأوربية" أو "ما بعد المسألة الأوربية" في تمثلها الأوربي الاستعماري القديم، وتمثلها الأمريكي الاستعماري والمهيمن الحديث، ونلاحظ هنا البديل تجاه الاخر سيكون التجاوز في مقابل الاستلاب والخضوع الذي تطرحه سردية "الاستلاب للآخر".
حيث سردية "ما بعد المسألة الأوربية" تعني باختصار تجاوز تلك المرحلة التاريخية من حياة البشر التي تحول فيها النموذج المادي الأوربي (بتمثلاته الليبرالية أو الماركسية) إلى "نمط سائد" بالقوة الناعمة أو الخشنة، ومحاولته استيعاب وتفكيك كل ثقافات العالم الأخرى داخله، والتعالي على تمثلاتها التي ترتبط بالقيم أو الأخلاق أو الدين أو العادات الموروثة، كرد فعل على "اللحظة الخاصة" بظهور المسألة الأوربية، وأزمتها مع رجال الدين منذ العصور الوسطى، وما تبع ذلك من تشوهات و"آثار جانبية" صاحبت مشروع التوسع والتمدد الحضاري والاستعماري الأوربي وكرد فعل له ولأفكاره وسياقه الخاص.
أهمية هذه الفكرة لمصر كسردية كبرى في علاقتها بالآخر تكمن في الجملة الآخيرة من الفقرة السابقة، وما يتعلق بـ"الآثار الجانبية" لـ"المسألة الأوربية" في طور توسعها الحضاري والاستعماري، حيث سيحقق لمصر اعتماد سردية "ما بعد المسألة الأوربية" نقاط تفوق وجاذبية في السياسات الخارجية وعلاقاتها بالآخر المتعدد الإقليمي والدولي، تحديدا في الملفات الساخنة التي تعتبر في معظمها عرضا أو "أثرا جانبيا" للمسألة الأوربية، وعلى رأسها ملف سد النهضة، كما يلي:
- في موضوع سد النهضة، سيتم مخاطبة العالم وأفريقيا والأثيوبين، بخطاب مركزي واضح، وهو ضرورة تجاوز "المسألة الأوربية" وتبعاتها أو ما يمكن تسميته بـ"آثارها الجانبية"، بمعنى أن أثيوبيا تروج لنفسها في صورة الضحية للاستعمار المستمر وأن مصر تمثل هذا الاستعمار، لكن السردية الجديدة ستكون واضحة في خطابها، بان مصر وأثيوبيا والعالم أجمع عليهم أن يتجاوز تناقضات "المسألة الأوربية" والولوج لما بعدها، وان تفجير ملف سد النهضة بهذه الطريقة هو نتاج لسياسات خلق التناقضات وفرق تسد في منطقة حوض النيل، بدعم من تمثل آخر لـ"المسألة الأوربية" وهو الوجود الصهيوني في المنطقة وكـ"أثر جانبي" له . هذه السردية الجديدة ستدفع أوربا لتحمل مسئوليتها تجاه فكرة "سيندروم الاستعمار" الذي تريد أثيوبيا أن تسقطه على مصر، وستفسد سردية أثيوبيا الخارجية بوصف مصر امتدادا للاستعمار وصورته الذهنية، شريطة أن يكون تطبيق سردية مصر الجديدة عن طريق كوادر مخلصة ذات مواهب متراكمة وأصيلة في العمل العام، بل ستكون مصر وأثيوبيا وغيرهما دعاة ولوج مرحلة جديدة من تاريخ البشرية تسمى "ما بعد المسألة الأوربية"، وتجاوز متلازماتها النفسية لدى الدول التي تأثرت بها خاصة في القارة السمراء، التي تعرضت لأبشع استغلال عنصري عبر التاريخ في "تجارة الرقيق الأسود".
- في موضوع فلسطين وصفقة القرن، ستضع السردية الجديدة أوربا القارة العجوز أمام نفسها، وستكشف عما تحاول القارة العجوز الهروب منه، بأن أوربا في لحظة تحولها الحداثي أنتجت مجموعة من "الأضرار الجانبية" نتاجا لعقدها الخاصة، منها دعم منح يهود أوربا تحررا خاصا بهم كرد فعل على ممارسات النازي ومعاداة السامية القديمة معهم، والذي جاء على حساب الفلسطينيين والمشروع العربي عامة، السردية الجديدة ستطالب أوربا بتحمل نتائج "المسألة الأوربية" وتبعاتها، وأهمها القضية الفلسطينية التي أصبح موقف أوربا منها مترددا بين عقدة الذنب القديمة، وعقدة الذنب الجديدة التي يمارسها اليهود الصهاينة تجاه الفلسطينيين في الأرض العربية المحتلة، بما سيكسب موقف مصر في قضية صفقة القرن دعما كافيا، لتخفيف الضغوط الأمريكية وكبح جماع ااستراتيجيات استهداف الآخر التي لا تبارح العقلية العنصرية العدوانية الأمريكية أبدا.
- أما أمريكا، فهي حضارة القوة، حضارة الواقع والبرجماتية البحتة، حضارة سلطتها بلا ضمير، وسردية "ما بعد المسألة الأوربية" ستشمل اعتبار الولايات المتحدة "أثرا جانبيا" مركزيا للتمدد الحضاري الأوربي القديم، ومن ثم سيكون على القارة العجوز العمل على ضبط "ابنها الضال" وحفظ التوازن قدر المستطاع، لكن في حقيقة الأمر أمريكا حضارة القوة المفرطة وقياس القوة لا وفق قوة الذات فقط، بل وفق قياس قوة الآخر والعمل على تحجيمها عند الحاجة وفق سيناريوهات متعددة، لذا أمريكا علاقتها بالسردية الجديدة ستكون مجرد الحجة العالمية في الدبلوماسية المصرية والتصور المصري تجاها، لكن واقع الأمر أن أمريكا لا تفهم فقط سوى في معايير القوة والندية، لذا على مصر شيئا فشيئا تطوير استراتيجية تقوم على امتلاك أدوات ضغط في مواجهتها، في السياسة الخارجية تحديدا، ويكون الموقف السيااسي واضحا وجليا بان مصر تعتبر أمريكا "عرضا جانبيا" مركزيا لأزمة "المسألة الأوربية"، ووهم نهاية التاريخ وسيطرتها عليه، ويجب ضبط أمريكا لأنها تعتبر الجميع عدوا، وتتربص لكافة فرص النمو والحركة في العالم، يجب أن تكون السياسة المعلنة الواضحة تجاهها بأنها العدو الحضاري المستبد تجاه الجميع، الذي يريد احتكار العالم وكبح فرصه باسم الحرية! ولا حل مع أمريكا سوى سياسة المواجهة والقوة تلك هي اللغة أو "محددات التلقي" أو محددات الفهم الوحيدة التي تفهمها العقلية البرجماتية الأمريكية.
- في الملف التركي سردية ما بعد المسألة الأوربية لمصر، ستضبط العلاقات وتعيدها إلى إطار التنافس التقليدي، تركيا واحدة من أبرز "الآثار الجانبية" للمسألة الأوربية ومتلازماتها، حيث فجأة ودون مقدمات خرج تيار تركي وتبنى مقولات "المسألة الأوربية" في عصر النهضة والتحديث، وأعلن قطيعة خشنة وقاسية للغاية مع تاريخ تركيا الذي كان عبارة عن واحدة من اكبر موجات ضبط وإزاحة التمدد الأوربي في هذا النطاق، لذا سردية مصر الجديدة على المسار التركي، ستبعث رسالة مضمرة بأن مصر تتفهم ما يجري في تركيا ومحاولتها استعادة توازنها مع "مستودع هويتها" القديم، لكن على الجميع العمل بحرص لبناء "مزيج ثقافي مشترك" في اتجاه التعاون، واحترام الحدود الدنيا للآخر وتوسعة مجالات التفاهم الكثيرة.
- في الملف الإيراني، السردية الجديدة عن "ما بعد المسألة الأوربية" ستكون في المسار نفسه، لكنها ستطلب جهدا أكبر، لأن تمثلات "المسألة الأوربية" في الحالة الإيرانية، أنتجت نظاما ومنظومة فكرية ترى في نفسها بديلا قادرا على استيعاب الهوية العربية باسم البعد الديني الإسلامي في مذهبه الشيعي، وتختلف إيران عن تركيا في انها استطاعت تنمية وتغذية العنصر المذهبي الشيعي في البلاد العربية، مثل العراق وسوريا واليمن ولبنان، وخلطت التوجه المذهبي بشعارات المقاومة للمسألة الأوربية وتمثلاتها الكامنة في الاستعمار والهيمنة الأمريكية الجديدة على المنطقة، لذا سيكون من المهم أن ترسل مصر إلى إيران رسالة مفادها قدرة العالم العربي على استعادة دوره، وسيكون على السردية الجديدة في مصر ان تبذل جهدا أكبر في محاولة وجود جاذبية لفكرتها هذه والنموذج الحضاري الذي تقدمه، بما يجعل ضغط إيران على العنصر الديني المذهبي يتراجع، وتلتف الشعوب العربية حول مشروع جماعي وسردية جديدة أكثر جاذبية من المذهبية المسلحة التي تقدمها إيران، لكن إيران مثل أمريكا أيضا نمو مصادر قوتها الخشنة سيحتاج لجهود وتدفقات مصرية كبيرة على المستوى الخشن بالإضافة للسردية الناعمة الجديدة، سيحتاج الأمر فهما مصريا للتناقضات الموجودة في الخليج والشام والعراق لدفع إيران داخل حدودها قليلا، وضبطها في مسار التعاون العربي لا مسار احتواء العرب والتمدد نحوهم من خلال عنصر المذهبية المسلحة.
- الصين وروسيا وأفريقيا وبقية دول العالم، سترحب بالسردية الجديدة لمصر، التي ستكون أقرب لمشروع جديد لـ"دول عدم الانحياز"، لكنها هذه المرة مبادرة واضحة تقوم على تحمل أوربا لما فعلته في العالم في موجة تمددها الحضاري، خلال عصر النهضة والتحديث والاستعمار والتعالي على كافة الحضارات خارجها، سيكون المشروع نحو علاج للآثار القديمة والعدالة ، لا نحو مركزية جديدة، وهو ما قد يحقق ضبطا للتمدد الصيني في المرحلة الراهنة، ويمنحه طوق نجاة ناعم في مواجهة التدافع مع أمريكا، وربما سيكون الأمر مع روسيا أكثر تعقيدا كونها الوريث لأحد أكبر "الآثار الجانبية" للمسألة الأوربية المتمثلة في الماركسية والشيوعية، لذا تجاوز المسألة الأوربية واستعادة روسا لذاتها سيطلب بعد الوقت لتطور نموذجا جديدا وتجد روسيا نفسها في مشروع حضاري جديد، قد يكون للنموذج المصري شأن فيه بعد وضوح تمثلاته السياسية وسياساته العامة في إدارة الموارد، وفق تصورات أكثر جدية لبناء التراتب الاجتماعي تقوم على الفرز الطبيعي لمواهب المجتمع والعدالة، والسلام في ظل ذلك النموذج الحضاري وتحوله لنمط شائع، حتى يجري في الحياة ما يجري عليها دوما من تبدل وتغير.
- في أفريقيا سيكون الأمر أكثر قبولا للسردية الجديدة حيث الجرح ما زال غائرا، وآثار تمثلات القهر والاستغلال والعبودية، فقط على مصر في مرحلة ما، أن تطور مجموعة من السياسات الناعمة للتنمية وفق الطبيعة الثقافية المحلية لأفريقا واحترامها، وتطرحها كحزم ناعمة للتنمية يمكنها ان تستقطب التمويل من دول ومؤسسات امتلكت التراكم المالي في فترة السيطرة الأوربية وتراكمات مرحلة الاستعمار.


• خاتمة: متطلبات تبني السرديتين ومتطلباتهما
عند "دولة ما بعد الاستقلال" في مصر

الإدارة السياسية الحالية لمصر هي إحدى تمثلات "دولة ما بعد الاستقلال" عن الاحتلال الأجنبي في القرن الماضي، التي تواكبت أيضا مع إزاحة النظام الملكي، وقامت على دور رئيسي للمؤسسة العسكرية لأنها من قامت بالثورة على النظام الملكي والانقلاب عليه وسيطرت على الحكم، وكان من المفترض أن تتجاوز مصر مرحلة التأسيس والتحرر والدور العسكري فيها، لكن ربما تعطل ذلك لأسباب تتعلق بوجود المشروع الصهيوني في الأساس وحلقة التناقضات وردود الأفعال التي ارتبطت بوجوده.
إنما اختصارا؛ تجاوز مرحلة التأسيس يعني إنهاء الازدواج المؤسسي في بنية الدولة المصرية وضبط التوصيف الوظيفي لقطاعات الدولة المدينة، بحيث تصبح قادرة على التطور والعمل والضبط الذاتي، لتصل بمصر لهدف بلوغ غاية الاقتصاد الإنتاجي الذي يضمن عيشة كريمة وفرصة متاحة للجميع، واستعادة مفاهيم "الأمن القومي" كمؤشرات ضابطة للجماعة المصرية ونهضتها، وتراجع مفاهيم "الأمن السياسي" كآليات للتفكيك والاستلاب للآخر.
مع ضبط التوصيف المهني للقطاعات العسكرية لتصبح أكثر تخصصا في تطوير قدرات مصر العسكرية لتصل بها إلى حد الاكتفاء التصنيعي الذاتي في قطاعات مهمة، تشمل الطيران والفضاء والصورايخ والاستطلاع، وضمن استراتيجية عسكرية رئيسية تشمل العمل في بيئة قد يتدخل فيها خصم هائل التفوق بعيدا عن أرضه.
أما على مستوى الاجتماعي فسيتطلب ذلك إعادة ضبط منظومة قيم المجتمع المصري، وفق معايير "الفرز الطبيعي" وضبط بناء "التراتب الاجتماعي":، والتوقف عن استخدام "الدمج والتسكين" في أبنية الدولة وتوزيع منافعها وفق عنصر الولاء البحت لا عنصر الكفاءة، مع ضبط دور الأجهزة الأمنية وتراتبها الاجتماعي الذي سيرتبط بضبط التوصيف الوظيفي المحدد لمؤسسسات الدولة المدنية، والعدالة في توزيع المنافع السيادية والأراضي وخلق "التراتب الاجتماعي" الطبيعي، مع التوقف سياسيات خلق التناقضات وبناء الاستقطابات، وسياسات التفكيك و"التنخيب الزائف" مع فتح المسارات الاجتماعية وصولا لهدف "المجتمع الفعال"، القادر على تطوير نفسه بنفسه، واستكمال الشكل الحضاري الطموح لسردية الثورة كإضافة للأمن القومي، وسردية تجاوز "المسألة الأوربية" والعمل لـ"ما بعدها".
كما أن تلك السردية الكبرى لمصر والعرب ستستعيد للقضية الفلسطينية زخمها الناعم، من ناحية التأكيد على الثوابت العربية مهما طال الزمن، ومهما كانت الظروف الحالية غير مواتية للحق العربي واستعادته.



#حاتم_الجوهرى (هاشتاغ)       Hatem_Elgoharey#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تفكيك الذات العربية: بين السلب الخشن والاستلاب الناعم
- اتفاقية إبراهيم والإمارات: خطاب الاستلاب من النخب إلى الدول
- سبتمبر 2020: استمرار تجاهل الجزار للمذكرة الرئاسية في العبور ...
- خطاب الاستلاب بين يوسف زيدان ومراد وهبة: مقاربة التحديث بين ...
- أزمة القوة الناعمة والخشنة لمصر في لبنان والسودان
- من الأرض مقابل السلام.. إلى السلام مقابل تجميد ضم المزيد أرض ...
- لبنان من استعادة الذات إلى استدعاء الآخر
- مصطفى الفقي وخطاب الاستلاب
- بعد العيد وآليات تفعيل المذكرة الرئاسية بالعبور الجديدة
- مواجهة التكتيكات الصهيونية للأثيوبيين بمفاوضات سد النهضة
- سد النهضة وأزمة القوة الناعمة والسياسات الخارجية لمصر
- عن الجزار ومخالفة التوجيهات الرئاسية في العبور الجديدة
- اليوم العالمي للكتاب: بين الناشر القومي لمصر والسياسة الثقاف ...
- مصر كدولة صاعدة: اشتراطات ما بعد المسألة الأوربية
- جمال حمدان: بين تياري الخصوصية الثقافية والتنميط الثقافي
- الاسم حاكم سيناء والفعل في أثيوبيا
- ما بعد المسألة الأوربية: مصر وسد النهضة وكورونا والصهيونية
- كورونا: البطل المضاد في الحضارة الغربية والبحث عن بديل
- المحددات السياسية للأعمال العسكرية: مصر-أثيوبيا أنموذجا
- مصر والفرصة الحضارية البديلة: بين الازدهار والاضمحلال


المزيد.....




- -صدق-.. تداول فيديو تنبؤات ميشال حايك عن إيران وإسرائيل
- تحذيرات في الأردن من موجة غبار قادمة من مصر
- الدنمارك تكرم كاتبتها الشهيرة بنصب برونزي في يوم ميلادها
- عام على الحرب في السودان.. -20 ألف سوداني ينزحون من بيوتهم ك ...
- خشية حدوث تسونامي.. السلطات الإندونيسية تجلي آلاف السكان وتغ ...
- متحدث باسم الخارجية الأمريكية يتهرب من الرد على سؤال حول -أك ...
- تركيا توجه تحذيرا إلى رعاياها في لبنان
- الشرق الأوسط وبرميل البارود (3).. القواعد الأمريكية
- إيلون ماسك يعلق على الهجوم على مؤسس -تليغرام- في سان فرانسيس ...
- بوتين يوبخ مسؤولا وصف الرافضين للإجلاء من مناطق الفيضانات بـ ...


المزيد.....

- روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي ... / أشرف إبراهيم زيدان
- روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس ... / أشرف إبراهيم زيدان
- انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي / فاروق الصيّاحي
- بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح / محمد علي مقلد
- حرب التحرير في البانيا / محمد شيخو
- التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء / خالد الكزولي
- عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر / أحمد القصير
- الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي / معز الراجحي
- البلشفية وقضايا الثورة الصينية / ستالين
- السودان - الاقتصاد والجغرافيا والتاريخ - / محمد عادل زكى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - حاتم الجوهرى - ورقة استشرافية: سردية كبرى بديلة لمصر لعبور المأزق الحضاري