أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - مالك ابوعليا - تاريخ الدين: الدين في افريقيا















المزيد.....



تاريخ الدين: الدين في افريقيا


مالك ابوعليا
(Malik Abu Alia)


الحوار المتمدن-العدد: 6671 - 2020 / 9 / 8 - 00:53
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الكاتب: سيرجي الكساندروفيتش توكاريف

ترجمة مالك أبوعليا

الملاحظات والتفسير بعد الحروف الأبجدية بين قوسين (أ)، (ب)... هي من عمل المُترجم

يسكن افريقيا شعوبٌ وصلت الى مستويات مختلفة من التطور وتعيش في ظروفٍ مادية وثقافية مختلفة.
يُمكن تصنيف سكان افريقيا الأصليين على أساس التطور الاجتماعي-الاقتصادي-على غرار شعوب الأمريكيتين- تقريباً، الى ثلاث مجموعات: قبائل الصيد الرحالة الأكثر تخلفاً التي لا تُشارك في الزراعة أو الرعي (البوشمان Bushman والبيجميين Pygmies من وسط افريقيا)، والغالبية العُظمى من شعوب افريقيا السوداء، أي السكان الزراعيون- الرعويون في جنوب افريقيا الاستوائية (الهوتينتوتيين Hoottentots والبانتو Bantu وشعوب السودان ومنطقة البحيرات الكُبرى)، وشعوب الحضارات القديمة في شمال وشمال شرق افريقيا (سكان المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر واثيوبيا والصومال الأصليون). تتميز المجموعة الأولى بأشكال قديمة للغاية من الانتاج المادي والنظام الاجتماعي والثقافة، في اطار النظام المشاعي- القَبَلي. تُمثل المجموعة الثانية الأكثر عدداً مراحل مختلفةً من انحلال النظام المشاعي-القَبَلي، والانتقال الى المُجتمع الطبقي. المجموعة الثالثة، التي تعود جذورها الى الحضارة القديمة والشرقية القديمة تُشبه شعوب البحر الأبيض المتوسط وليس لديها آثار لأسلوب حياة قديم.
هذا هو السبب في أن الدين في افريقيا شديد التنوع. يُعالج هذا الفصل المجموعتين الأولى والثانية فقط، وسيتم تغطية المجموعة الثالثة في الفصول المُتعلقة بالديانات القومية والعالمية (الاسلام والمسيحية، الخ).

1- الأديان عند شعوب افريقيا التي ليس لديها لُغةً مكتوبة
حافظ البوشمان، وهم مجموعة صغيرة من قبائل الصيد في جنوب افريقيا، على أكثر الأشكال قِدَماً من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والديانيات. يبدو أنهم بقايا عددٍ أكبر بكثير من مجموعات الصيد القديمة في هذا الجزء من افريقيا. تم طردهم من أراضيهم من قِبَل الوافدين الجُدد الذين كانوا زراعيين ورُعاة. أدى الاستعمار الهولندي والبريطاني بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر الى ابادة مُعظم قبائل البوشمان المُتبقية. تم تدمير تنظيمهم الاجتماعي المُميز وثقافتهم بحلول القرن التاسع عشر،(على غرار السكان الاستراليين الأصليين).
كانت قبائل البوشمان مُنقسمةً الى عشائر مُستقلة. كانت آثار الطوطمية واضحةً من حقيقة أنه تم تسمية عشائرهم على أسماء الحيوانات والرسومات الصخرية لأشكال نصف حيوانية ونصف بشرية والأساطير حول الحيوانات التي تُشبه البشر أو الحيوانات التي تحولت الى أشخاص.
آمن البوشمان بالحياة الأُخرى، وكانوا يخافون جداً من الموت. كان لقبائل البوشمان طقوساً خاصةً لدفن الموتى في الأرض. ومع ذلك، لم يكن لديهم عبادةً للأسلاف مثل الشعوب الافريقية الأكثر تطوراً.
كانت طقوس الصيد هي السمة الأكثر تميزاً للدين عند البوشمان. صلّى رجال القبائل للقمر واشمس والنجوم والكائنات الختارقة للطبيعة، من أجل الصيد الحصول على صيدٍ موفق. هذا مثال على صلاة كهذه: "أيها القمر في الأعالي، ساعدني لأقتل غزالاً غداً. دعني آكل لحم الغزال. ساعدني لأصطاد الغزال بسهمي. دعني أشبع من لحمه، دعني أملأ معدتي الليلة. فلأشبع معدتي يا قمر! في الأعالي! أنا أحفر الأرض بحثاً عن النمل، دعني آكل".
تلى البوشمان صلاةً مُماثلةً للجندب الذي يُشار اليه باسم "Ngo" أو "Cagn"، والذي يعني الرجل المُحترم Gentleman. كان الجندب، من ناحية، حشرة حقيقية، على الرغم من الصفات الخارقة للطبيعة التي تُنسَب له. من ناحيةٍ أُخرى، كانت الحشرة مُرتبطةً بروح سماوية مخفية والتي كانت أيضاً تُسمى "Cagn"، وما الى ذلك، واعتُبِرَت خالقةً للأرض والناس. كان هذا الكائن السماوي بطلاً ثقافياً، خالق الكون، وعلى ما يبدو، طوطماً سابقاً.
مجموعةً أُخرى من القبائل البدائية كانت البيجميين القصار الذين انتشروا في مستوطنات صغيرة في حوض نهر الكونغو وبعض المناطق الأخرى في وسط افريقيا. عاشت هذه القبائل لفترةٍ طويلة بجوار شعوبٍ ذات ثقافةٍ أرفع. ومع ذلك، فقد حافظوا على اسلوب حياتهم في الصيد والجمع ونظامهم الاجتماعي المشاعي البدائي.
ان أكثر الأوصاف تفصيلاً للمعتقدات الدينية مُتاحةً لنا هي أوصاف المعتقدات الدينية لقبائل البامبوتي وقبائل أُخرى في حوض نهر ايتوري Ituri. تُشكل هذه القبائل المجموعة الشرقية من البيجمييمن. ترتبط أهم المُعتقدات والطقوس السحرية عند البامبوتي بالصيد. يلتزم البامبوتيين بصرامة بقواعد وتابوهات الصيد الخُرافية، ويُمارسون طقوساً سحرية. ان موضوع عبادتهم الرئيسي هو روح الغابة، سيد طيور الغابة الذي يُصلون له قبل الصيد.
ان الطواطم الوحيدة التي يمتلكها البامبوتيين تعود للعشائر. لا يوجد طواطم جنسية أو فردية. ومع ذلك، فان العديد من الناس لا يعبدون طوطم عشيرتهم وحسب، بل يعبدون طواطم عشيرة زوجاتهم، وطواطم شركائهم في طقوس القبول. مُعظم الطواطم حيوانات (النمور المُرقطة، الشمبانزي، الأفاعي، الظباء، النمل، الخ)، وأحياناً تكون نباتات. يُعتَبَر الطوطم من الأقارب القريبين، ويُشار اليه عادةً باسم "الجد" أو "الأب" يعتقد الناس أن عشائرهم نبعت من طواطمهم. يُمنع منعاً باتاً استخدام لحم الطوطم في طعام المرء، أو حتى لمس اي جزءٍ منه، على سبيل المثال، الفراء. يعتقد البامبوتيين أنه بعد الموت، تتحول روح كل شخصٍ الى حيوانٍ طوطمي.
ان لدى البامبوتيين نظام قبول مثير للاهتمام. يبدأ جمع الأولاد بين سن التاسعة والسادسة عشرة. يمرون في الطقوس كمجموعة كاملة. يتم ختنهم ويمرون في صعوباتٍ أُخرى. يتعرضون للضرب، ويتم تغطية أجسادهم بأوساخ متنوعة، ويقوم راقصون يرتدون أقنعةً مُرعبةً باخافتهم ويجب أن يرقدوا على بطونهم، وما الى ذلك. يتم تحضير القبول من خلال اضافة تعليماتٍ أخلاقيةٍ عليه. يتم، خلال القبول، اطلاع الأولاد، لأول مرة، على صافرة وغليون وأشياء أُخرى تُستخدم في الطقوس. هذه أشياء مُقدسة لا يحق للأطفال والنساء رؤيتها. كل هذا يحدث في الغابة حيث تم بناء كوخٍ خاصٍ لهذا الغرض ولا يُسمح للنساء أن يوجدن هناك، لكن يُشارك جميع الرجال في الطقوس. طقوس القبول كلها مُرتبطةً بروح الغابة تور Tore. يُنظر الى طقوس القبول على أنها وسيلة للتواصل مع القوى السحرية التي يحتاجها الصياد. ينضم اولئك الذين تم قبولهم الى جماعة الذكور السرية تور، والتي سُميت على اسم اله الغابة.
ليس لدى البامبوتيين طقوس دفنٍ متطورة. لديهم فكرة غامضة عن أرواح الموتى، والتي يعتقدون أنها تتحول الى طواطم. لديهم كائن الهي اسطوري، خالق، مُرتبط بالقمر أو الرعد. يعتبره الناس شراً لانه يقتل الناس بجعلهم فانين. لا يوجد طقوس تُبجل او تستجدي هذا الكائن الاسطوري.

2- الدين عند غالبية الأفارقة
حققت الغالبية العُظمى من شعوب افريقيا السوداء-افريقيا جنوب الصحراء- منذ زمنٍ بعيد مستوىً أعلى من التطور الاجتماعي. عملت هذه الشعوب في الزراعة بالمعول لفترةٍ طويلة. قام الكثير منها، خاصةً في شرق وجنوب افريقيا، بتربية الحيوانات. يتم الجمع بين الزراعة والرعي بدرجاتٍ مُختلفة في مناطق متنوعة. يستقر الناس في القٌرى، ويعيشون في بعض مناطق أُخرى في المُدن الناشئة. يعرف الناس حِرفاً مختلفة، من بينها الحدادة، ويُشاركون في التجارة. مُعظم هذه الشعوب لديها مُجتمع عشائري في مراحل مُختلفةً من التطور والانحلال. لدى البعض منهم، ولا سيما الزراعيون في غرب ووسط افريقيا، آثاراً واضحةً من النظام الأمومي، البعض الآخر، وخاصةً القبائل الرعوية في جنوب وشرق افريقيا لديها علاقات ابوية-عشائرية واضحة. نشأت عند مُعظم هذه الشعوب علاقات طبقية، وتوجد في بعض الأماكن دول شبه اقطاعية بدائية منذ العصور الوسطى.
حددت الاختلافات في ظروف الحياة المادية وطبيعة النظام الاجتماعي، أشكال الدين السائدة بين مختلف الشعوب الافريقية. لكن هناك تشابه في العديد من السمات الجوهرية لمعتقداتهم الدينية.
ان السمة الأكثر تميزاً ووضوحاً للدين بين شعوب افريقيا هي عبادة الأسلاف. تُعتَبَر افريقيا بلداً كلاسيكيةً في عبادة الأسلاف. تطورت هذه العبادة بين القبائل الزراعية والرعوية التي حافظت على بعض أشكال أو بقايا النظام العشائري-القَبَلي. تطورت عبادة الأسلاف من النظام العشائري-الأبوي، والذي كان سائداً بين مُعظم الشعوب في افريقيا منذ وقتٍ ليس ببعيد. من الصحيح القول، ان عبادة الأسلاف ارتبطت ايضاً عند بعض شعوب افريقيا، ببقايا الأمومية، والتي كانت قويةً جداً في بعض الأماكن، خاصةً بين الزراعيين. اتخذت عبادة الأسلاف أشكالاً عائليةً مع نشوء العائلات الفردية، أشكالاً يصعب عادةً تمييزها عن الأشكال العشائرية الصرف. أخيراً، من نشوء وتقوية التحالفات القَبَلية وتطور الدول البدائية، نشأت العبادة القَبَلية والدولانية لأسلاف الرؤساء والملوك، حيث تم تأليههم.
هنا سوف ندرس الأشكال العائلية-العشائرية لعبادة الأسلاف. عادةً ما يؤمن شعوب افريقيا بأن أرواح الأسلاف هي كائنات تحرس العائلة والعشيرة. ومع ذلك، فهي ليست دائماً كائنات خيّرة ولطيفة ايضاً. غالباً ما يطلبون ويتطلّبون ويريدون الحصول على القرابين ويتوقعون أن يُعبدوا، والا فانهم سيعاقبون ذريتهم بدلاً من أن يحرسونها. في بعض الأحيان يتم القاء اللوم على أرواح الأسلاف نفسها بسبب العديد من الأمراض وغيرها من الجوائح، ولكن تعتقد بعض الشعوب، أن المُتسبب في تلك المصائب هم أسلاف العشائر الأُخرى. فقط بقايا الطوطمية القديمة لا تزال موجودةً بين شعوب افريقيا. تتجلى هذه البقايا بشكل أساسي في أسماء العشائر ذات الطابع الطوطمي وفي حقيقة أن المحظورات Taboos لا تزال موجودةً في بعض الأماكن ضد استخدام لحوم الحيوانات الطوطمية في الطعام. من بين الشعوب الرعوية في جنوب وشرق افريقيا، تُعَد الطواطم حيواناتٍ مستأنسة بشكل أساسي. وتندر المظاهر الأخرى للمعتقدات والعادات الطوطمية. ان لدى البيشوانا Bechuanas في جنوب افريقيا، الذين حافظوا على معتقداتهم الطوطمية، رقصات طوطمية خاصة، حيث لكل عشيرة رقصة خاصة بها. لهذا السبب، عندما يُريد البيشوانا معرفة عشيرة الشخص، يسألون ما هي رقصته.
حافظت الشعوب الزراعية، وخاصةً في غرب افريقيا على الطوطمية العشائرية بدرجةٍ صغيرةٍ فقط. ومع ذلك فقد تحولت (الطوطمية العشائرية) الى شيءٍ جديد: الى عبادةٍ محليةٍ جماعية لحيوانٍ فرد من نوع مُعين. يبدو أن هذا الانتقال من الطوطمية العشائرية الى عبادة الحيوان المحلية كان مشروطاً بالانتقال من مُجتمع قائم على القرابة الى مُجتمع قائم على المنطقة المُشتركة.
تنتشر عبادة الحيوانات في افريقيا الى حدٍ ما، ولم تنشأ دائماً من الطوطمية. في مُعظم الحالات، تبدو جذوره أكثر مُباشرةً: الخوف الخرافي من الحيوانات البرية الخطرة.
يتمتع النمر المُرقط Leopard بعبادةٍ خاصة في افريقيا، انها واحدة من أفظع الوحوش المُفترسة. لكن هذا لا يمنع الكثير من الناس من اصطياده. ترتبط عبادة النمر المُرقط بالطوطمية بشكلٍ غير مُباشرٍ فقط. في بعض المناطق (على سبيل المثال، عند قبائل الداهومي Dahomey)، كان النمر يُعتبر طوطماً للعشيرة المَلَكية.
تنتشر عبادة الأفعى كذلك. كان لدى الداهوميين معبد حقيقي للثعابين يحتوي على ثلاثين زاحفاً وكان يوجد فيه مزاراً لأفعى البايثون وأنواع أُخرى كان يعتني بها كاهنٌ خاص. اولئك الذين يعبدون الأفاعي يعتبرون أن الحاق الأذى بها هو أبشع جريمة.
أولت الشعوب الزراعية في افريقيا قدراً كبيراً من الاهتمام للعبادة الجماعية لسيد الزراعة والأرواح والآلهة المحلية الجماعية. كان لكل مدينة وقرية ومنطقة أرواحهها وآلهتها المحلية التي هي سادة للأنهار والجداول والتلال والديان والجبال والغابات.
عَبَدَ شعوب نيجيريا الآلهة المحلية على شكل الحيوانات. كان لدى الزولو Zulu في جنوب افريقيا عبادة الأميرات السماويات-الالهة نومكوبولوانا Nomkubulwana التي جعلت الأرض خصبة وكانت المُنشئة الاسطورية للزراعة. كانت العشائر والصلوات المُبجلة لهذه الأميرة تؤديها الفتيات والنساء المُتزوجات. كان هذا منطقياً لان النساء فقط، عند الزولو، يَقُمن بكل الزراعة. غالباً ما يرتبط مفهوم الفيتيشية أو الصنمية fetishism (أ) بافريقيا. الصنمية هو المُصطلع المقبول للدين عند جميع الشعوب الافريقية. منذ أن اعتبر المُستعمرون الأوروبيون الأفارقة بأنهم متوحشين، بدأ العلماء تدريجياً في الاعتقاد بأن الصنمية هي المرحلة الأولى من الدين. ومع ذلك، فان دراسةً أكثر جديةً للحقائق، تُظهر: أولاً، ان المعتقدات والطقوس الصنمية هي بشكل أساسي سمةً لغرب افريقيا. ثانياً، ان شعوب افريقيا نفسها، بما في ذلك غرب افريقيا، ليست متخلفة كثيراً حقاً، لان معظمها اقترب من النظام الاجتماعي الطبقي. ثالثاً، الصنمية بالنسبة لهم، ليست، على ما يبدو، الشكل الأول لدينهم، ولكن اللاحق.
من المُحتمل أن الصنمية في افريقيا، على الأقل تلك الخاصة بالصنميات الشخصية، والتي تطور مُعظمها اليوم كشكل غير اعتيادي من فردنة Individualization الدين، مُرتبطة بتفكك الروابط العشئرية القديمة. يسعى بعض الأفراد الذين لا يشعرون بالحماية الكاملة من قِبَل عشائرهم الى دعم أنفسهم في عالم القوى الغامضة.
يُمكن لأي شيء يستملك خيال الشخص أن يكون صنماً: صخرة ذات شكل غير اعتيادي، قطعة خشب من شجرة، أجزاء من جسم حيوان، أو اي نوع من الصور-صنم. غالباً ما يتم اختيار كائن صنمي عشوائياً. اذا أنجز المرء شيئاً من اختيار صنمه، فقد يطن أنه قد ساعده وبذلك يحتفظ به لنفسه. على العكس من ذلك، اذا كان هناك بعض الفشل والعثرات، يتم التخلص منه واستبداله بشيءٍ آخر. وبالتالي، هناك موقف مُزدوج من الصنم: يتم تقديم قُربان له من أجل الحصول منه على المساعدة، وتتم مُعاقبته في حالة الفشل. المُثير للاهتمام بشكلٍ خاص هو العادة الافريقية المُتمثلة في تعذيب الصنم، ليس لأجل مُعاقبته، بل لأجل تحريضه على الفعل. على سبيل المثال، عندما يلجأ الناس الى الصنم، فانهم يدقون مسامير حديدية فيه، لانهم يعتقدون أنه عندما يشعر الصنم بالألم الذي تُسببه المسامير، فانه سيتذكر بشكلٍ أفضل ويفعل ما يؤمر.
يتربط تطور العبادة القَبَلية في افريقيا، كما في كل مكانٍ آخر، بظهور الكهنة. لعب الكهنة في الديانات الافريقية نفس الدور الذي لعبه في بولينيزيا. تطورت الكهنوتية بشكلٍ خاص في غرب افريقيا.
كان لدى مُعظم الشعوب كهنة من مُختلف الفئات والتخصصات التي يُمكن تقسيمها الى مجموعتين رئيسيتين: كَهَنة قَبَليون رسميون مرتبطون بالمعابد وكانوا مسؤولين عن العبادة في الدولة، وكهنة مُستقلون مُعالجين وسَحَرة وعرافين يعملون عندما يُطلب منهم ذلك.
كان كَهَنة المعابد القَبَلية هم الأكثر تأثيراً. كان كل معبد مكاناً تشريعياً يحوز على ممتلكاتٍ وأرض وحتى أقنان وعبيد. يذهب الدخل الذي يتحصل من المُمتلكات والأرض والتبرعات المُختلفة الى الكهنة. كان الكَهنة من بين أكثر الطبقات العُليا ثراءاً وتأثيراً.
كان يُفترض من الكهنة، عند الشعوب التي كانت تعمل في الزراعة، أن يُجلبوا المطر بأداء طقوسٍ طويلة الأمد كانت ناجحةً في مُعظم الأحيان: يبدأ هطول المطر عاجلاً أم آجلاً.
كان الكهنة أيضاً مسؤولين عن سحر الحرب وتقديم الاضحيات لآلهة الحرب. لكن الوظيفة الأكثر أهميةً للكهنة، خاصةً في غرب افريقيا، كانت المُشاركة في الاجراءات القانونية. في الدول الافريقية البدائية، تم استخدام السحر لتحديد ذنب أو عدالة هذا الادعاء القانوني أو ذاك. تم استخدام سموم مُختلفة لهذا الغرض: تم اعطاء المُتهم أو كلا الطرفين في النزاع مشروباً خاصاً، اذا لم يتأثر الشخص من السم فسيتم اعلان انه على حق. بما أن الكاهن هو الذي يمزج المشروب ويصنعه، يكون من الواضح أنه هو المسؤول عن مصير الشخص. كانت الاجراءات القانونية أداةً مُهمةً للسلطة في أيدي الكهنة وأحياناً الرؤساء والملوك الذين خدمهم الكهنة.
قام الكهنة المُستقلون-السَحَرة والمعالجون- بمعالجة المرضى بشكل أساسي ولجأوا الى التكهن والتنبؤ. لجأ العديد من المُعالجين المُحترفين الى الأساليب الشامانية: فقد كانوا يُدخلون انفسهم بحالات جنونية من الرقص البري والصراخ والضرب على الطبول أو اشياء أُخرى. عادةً ما احتقر الكهنة القَبَليون الرسميون مثل هذه الأساليب الوحشية.
الى جانب الكهنة والشامان، لعب الحدادين في افريقيا دوراً خاصاً، وأكثر تواضعاً بالنسبة للدين. كانت شعوب افريقيا، لزمنٍ طويل، تستخرج الحديد وتشتغل به. انتقلت مهنة الحدادة، بين معظم شعوب افريقيا، كقاعدة عامة، في العائلات من جيل الى جيل. نظراً لان معارف ومهارات الحداد ليست في متناول الجميع، فان هذه المجموعة من الناس مُحاطةً بهالةٍ من الغموض في أعين رجال القبائل المؤمنين بالخرافات.
يتجلى الخوف من الحدادين بطرق مُختلفة: من ناحية، اعتُبِرَ الحدادين غالباً نجسين ومنبوذين، ومن ناحيةٍ أُخرى، يُعتقد أن لديهم قوىً خارقة. عزز الحداداين أنفسهم سمعتهم كأشخاصٍ غير عاديين. يستطيع الحداد أن يستخدم أدواته، وخاصةً المطرقة، ليُصيب عدوه بالمرض. يخاف الناس من هذا أكثر من أي نوعٍ آخر من السحر. تُعتبر المطارق والمنافخ وأدوات الحدادة الأُخرى مثل أدوات الساحر، ولن يجرؤ أحدٌ على لمسها.
من الصعب رسم خط واضح يفصلال بين جماعات الكهنة والجماعات السرية. لكن تطورت المُجتمعات السرية بشكلٍ خاص في غرب افريقيا: فهي أكثر عدداً وأكثر نفوذاً وتنظيماً، على سبيل المثال، منها في ميلانيزيا. في غرب افريقيا، تتكيف المُجتمعات السرية بشكلٍ أفضل مع الظروف الناتجة عن مُجتمعٍ أكثر تعقيداً. في ميلانيزيا هم في الأساس مُجتمعات ذكورية، أنشطتها موجهة الى حدٍ كبير ضد النساء، لكن ليس هذا هو الحال في غرب افريقيا. أحد الأسباب هو أن تقاليد الأمومية أقوى في غرب افريقيا، ويُمكن للمرأة أن تُدافع عن نفسها بشكلٍ أفضل. تفسير آخر، هو أن الأشكال المتطورة للدولة البدائية تتطلب تنظيم قوةٍ بوليسية، وهي وظيفة من وظائف الجمعيات السرية. يوجد العديد من المُجتمعات في غرب افريقيا، بعضها محليٌ بحت، وبعضها الآخر منشر على مساحاتٍ واسعة. هناك جمعيات ذكورية وأُخرى انثوية. وبسبب انتشار الاسلام، ظهرت مُجتمعات اسلامية خاصة. هذه المُجتمعات لها وظائف انفاذ القانون وتحصيل الديون ومال الى ذلك، لكنها غالباً ما تُشارك في أعمال غير قانونية، بما في ذلك الابتزاز.
كل هذا يتم تحت شعار الشعائر الدينية ويتعلق بالمعتقدات الروحية والسحرية. كما هو الحال في أماكن أُخرى، يرتدي أعضاء المُجتمعات الذين يتظاهرون بأنهم أرواح، أقنعة وأزياء مُخيفة، ويرقصون ويقيمون عروضاً مختلفة لترويع الناس.
لا تُشارك جميع المُجتمعات السرية في غرب افريقيا في ممارساتٍ دينية، على الرغم من أن مُعظمها يرتبط بمفاهيم وطقوس خرافية أُخرى. حاول أحد الخبراء في هذا الموضوع، بعد جمع بيانات حوالي 150 جمعية سرية، تقسيمها الى ثلاث فئات: دينية وديمقراطية ووطنية (بما في ذلك الرياضة والنوادي العسكرية، الخ)، والاجرامية والمُنحلة. يضم النوع الأخير جمعياتٍ سرية وارهابية مُتطرفة، مثل جماعة نمور الشعب People-Leopards التي كانت حتى ثلاثينيات القرن العشرين مسؤولةً عن الاغتيالات التآمرية في أجزاء كثيرة من غرب افريقيا. لكن هذه المُجتمعات الارهابية قامت ايضاً بطقوس دينية سحرية، بما في ذلك تقديمها لقرابين بشرية. كانت أنشطة هذه المُجتمعات، التي أراد قادتها الحفاظ على امتيازاتها القَبَلية القديمة، موجهةً ضد اي تقدم أو اي علاقات اجتماعية جديدة، وضد الاصلاحات التقدمية التي من شأنها تدمير العلاقات التقليدية.
واحدة من أكثر الأشكال المُميزة للدين في افريقيا هي عبادة الزعيم المُقدس، وهو أمر طبيعي لمُجتمع طبقي مُبكر نموذجي للعديد من الشعوب في هذا الجزء من العالم.
تتجلى عبادة الزعماء (الملوك) في افريقيا بعدة طرق. على سبيل المثال، يؤدي الزعيم وظائف كاهن أو ساحر، أو تُنسب قوىً خارقة للطبيعة الى الزعيم الذي يُعبد مُباشرةً، كما تُمارس عبادة الزعماء الأموات. هناك مرحلتين رئيسيتين لعبادة الزعيم، تتوافقان مع مراحل الانتقال من المجتمع ما قبل الطبقي الى المُجتمع الطبقي. في المرحلة الأولى، يكون الزعيم ببساطة هو الشخص المسؤول عن رفاعية المُجتمع، وتخدم قواه الخارقة للطبيعة هذا الغرض. لكن في المرحلة الثانية، يكون حاكماً مُستبداً وتكون "الوهيته" مُجرد وسيلة لتقوية سلطته وتمجيده.
لا أحد يستطيع أن ينطق باسم الرئيس المُقدس بدافع الخوف الخُرافي. كان الحظر المفروض على اسم الزعيم الميت أكثر صرامةً.
من بين القوى الخارقة المنسوبة الى الزعماء، كانت أهمها قدرته على جلب المطر اللازم للزراعة. اعتقد الناس أن الزعماء يتحكمون في الظواهر الطبيعية والجوية. ومن هنا جاء الاعتقاد بأن الزعيم لا يُمكن أن يكون مُسناً، ويجب أن يتمتع بصحة جيدة وفي حالة بدنية قوية، لان الزعيم المريض والضعيف لا يُمكنه التعامل مع هذه الواجبات المُهمة. كان هذا هو الدافع وراء العادة التي كانت عند العديد من الناس لاستبعاد رئيس ضعيف وبالٍ جسدياً من السلطة، أو حتى قتله. في بعض الأحيان كان هذا يحدث عندما يصل الزعيم الى سنٍ مُعينة. في أولى علامات تدهور الصحة (وهو أمر تعرفه العديد من زوجاته قبل أي شخصٍ آخر)، يقتله مرؤوسيه، الأمر الذي لا يمنع روحه على الاطلاق من الحصول على التكريم الالهي. بين بعض الشعوب، عندما يبدأ الزعيم في ملاحظة تقدمه في السن أو ضعفه، يُخبر ابنائه أن الوقت حان ليموت، ويتم تحقيق رغبته.
وهكذا، خلال مرحلة الديمقراطية العسكرية، كانت العادات والمُعتقدات المُرتبطة بعبادة الزعيم، على الرغم من أنها أعطت الزعماء الكثير من التبجيل، تُشكل, في بعض الأحيان عبئاً عليهم، بل كانت تُهدد حياتهم. تمرد الزعماء على هذه العادات، مع انحلال التقاليد الديمقراطية المشاعية وازدياد سلطتهم.
كان الملوك، في الدول الاستبدادية لساحل غينيا الجديدة وأجزاء أُخرى من افريقيا، على الرغم من أنهم لم يخضعوا في كثيرٍ من الأحيان لقيود طُقسية صارمة، في مُعظم الحالات لم يموتوا قبل الأوان تمشياً مع التقاليد الخُرافية. كان الملك يُعتبر مُقدساً، وتم تكريمه كالهٍ حي. كما أفاد المراقبون، فان ملك بينين (في الروافد الدُنيا من نهر النيجر) كان صنماً (فيتيشاً) وموضوع رئيسي للعبادة في مملكته. لقد كان يتمتع بمكانة أكثر من بابا الكاثوليك، لانه لم يكن وكيلاً للاله على الأرض، بل كان هو نفسه الاله الذي أطاعه رعاياه وعبدوه على هذا النحو. وُضِعت صور برونزية للملك وزوجته على هيكل الأسلاف في القصر وكانت هذه الصور موضوعاً للعبادة.
تمت عبادة الزعماء والملوك الأموات في جميع أنحاء افريقيا من قِبَل القبيلة او الشعب كله، على الأغلب كانوا أهم مواضيع العبادة. ارتبطت هذه العبادة ارتباطاً وثيقاً بالعبادة العائلية والعشائرية للأسلاف. كان الفرق هو أن العبادة الأولى كانت عامة، أما الثانية فكانت خاصة وتقتصر على المنزل. في نفس الوقت، لم تنفصل هذه العبادة عن عبادة الرؤساء الأحياء.
في القبائل الديمقراطية، كانت عبادة أسلاف الزعماء تتضمن صلواتٍ وقرابين عادية، كما هو الحال في العبادة العائلية والعشائرية للأسلاف. لكن في الدول الاستبدادية، كانت عبادة الزعماء الأموات قويةً بشكلٍ خاص وافترضت أشكالاً وحشية. غالباً ما كانت تُقدم القرابين البشرية- أثناء دفن الزعيم أو اثناء مناسبةٍ دوريةٍ ما. تمت التضحية بالعبيد والمُجرمين المُدانين، وكانت هذه القرابين في نفس الوقت، شكلاً من أشكال الاعدام. من بين بعض الشعوب في غرب افريقيا، كان يُنظر الى الأشخاص الذين تمت التضحية بهم أثناء ذكرى موت الملك الميت، على أنهم رُسُل أُرسلوا الى الحياة الأخرى لاخبار الزعيم الميت أن كل شيء في مملكته على ما يُرام. ساعدت هذه العادات والمُعتقدات على تقوية سُلطة الزعماء الذين فصلوا أنفسهم عن المُجتمع واعتمدوا على القوة لحكم رعاياهم.
شكّلت عبادة الزعماء والملوك،الأحياء منهم والأموات، شكلاً بالغ الأهمية من أشكال العبادة القبَلية عند شعوب افريقيا، لقد كانت شكلاً قوياً لدرجة أنه طغى على شكلٍ آخر من أشكال العبادة القَبَلية- عبادة الآلهة القَبَلية.
كان لكل الشعوب تقريباً الههم المُقدس، وأحياناً أيضاً الههم تحت الأرضي والبحري، الخ. في بعض الحالات، كان يُنسب الى الاله على أنه خالق العالم والانسان، وفي حالاتٍ أُخرى، كان للاله صفات اله جوي يجلب المطر والرعد، وفي حالاتٍ أُخرى، كان هو السماء بكل بساطة. لكن في جميع الحالات تقريباً لم يكن هذا الاله موضوعاً للعبادة، نادراً ما يُفكر فيه، وكان من النادر أن يكون موضوعاً للصلاة.
في كل مكانٍ تقريباً، ساد الاعتقاد بأن الاله خلق الأرض والناس، لكنه منذ ذلك الحين، لم يتدخل مُطلقاً في شؤون البشر، ولا يساعدهم ولا يضرهم، وبالتالي لا يوجد أي سبب لمناجاته، انه الهٌ خامل deus otiosus. كان الاله، بين بعض القبائل، موضوعاً لقصصٍ ونكاتٍ متنوعة ومرحة، ومُهينة الى حدٍ ما.
ان العلاقة بين الاله المُقدس وعبادة الأسلاف هي مسألة مُعقدة. لا يبدو أن مُعظم الشعوب، خاصةً في غرب ووسط افريقيا، تربط بين الاله المُقدس وصُور الأسلاف. فقط لدى بعض الشعوب في شرق وجنوب افريقيا، حيث تظهر صورة الاله بطريقةٍ مُعقدة، بعض العناصر القرابية في تصورهم عن الاله المُقدس. على سبيل المثال، يؤمن الزولو بكائنٍ الهي، خلق الانسان وأشياء أُخرى على الأرض. من ناحيةٍ أُخرى، هذا الاله هو أبو شعب الزولو. اصبح الاله المُقدس، فقط بين بعض الشعوب، موضوع عبادةٍ دينيةٍ حقيقية. هذا موجود بين اولئك الذين كانت لديهم علاقات قوية بين القبائل، وقاتلوا بشكلٍ متكررٍ في حروبٍ بين القبائل وشنوا الغزوات. كان الاله المُقدس اله قَبَلي حربي. كانت الجبال، بالاضافة الى الاله المُقدس، موضوعاً للعبادة القبَلية في شرق افريقيا، وخاصةً بين الشعوب الرَعوية وشبه المُستقرة.
يعتبر بعض الباحثين أن الأساطير الافريقية أدنى من الأساطير الاوقيانوسية والأمريكية. هذا ليس صحيح تماماً. الأساطير الافريقية هي ببساطة أكثر رتابةً الى حدٍ ما. انها تُظهر الاله في كثيرٍ من الأحيان على أنه خالق كل الأشياء. افريقيا لديها عدد أقل من الأساطير حول نشأة الكون، وأكثر حول نشوء البشر. الأرض والسماء، وفقاً لهذه الأساطير، موجودتان منذ زمنٍ بعيد. لكن وفقاً لبعض الأساطير، كانت الأرض ناعمةً أو شبيهةً بالصحراء، لم يكن فيها ماء ولا حيوانات، وكان الظلام سائداً. هناك العديد من الأساطير حول أصل الماء. يقولون أنه في البداية أخفت امرأة عجوز أو حيوانٌ ما الماء، وسرقه بطل الأسطورة من أجل البشر.
تدور العديد من الأساطير حول أصل الحيوانات. وتتنوع الأساطير حول منشأ البشر. في بعضها، خلق الاله بعض البشر (من الطين والخشب، الخ). يقول آخرون أن أول البشر أتوا من السماء (أنزلهم الاله)، ولا تزال هناك أساطير أُخرى تقول أن أول أًناس قد أتوا من تحت الأرض، من الكهوف والصخور. هناك أيضاً اساطير تدعي أن البشر الأوائل نشأوا بطريقة خارقة للطبيعة من أسلافهم الاسطوريين (من ركبتيهم أو وركيهم) أو من الأشجار.
هناك العديد من الأساطير حول أصل الموت. غالباً ما تستند الى فكرة "الأخبار الكاذبة": يُرسل الاله رسولاً (حيواناً) من السماء ليقول أن الناس سيموتون ثم يعودوا الى الحياة، لكن لسببٍ ما يتأخر هذا الخبر، ويسمع الناس أخباراً أُخرى (من خلال حيوانٍ آخر) بأنهم سيموتون الى الأبد. وفقاً لفكرةٍ أسطوريةٍ أُخرى أقل شيوعاً، يُصبح الناس فانين كعقابٍ على استيقاظهم بعد فوات الأوان على الخلود الذي كان يُخطط الاله منحهم اياه اذا ظلوا مُستيقظين. تنبع هذه الفكرة من التشابه الواضح الذي يتبدى للناس بين النوم والموت. فكرة أُخرى مُشابهة هي العقاب، وأفكار أُخرى قديمة هي تشبيه القمر بالأفعى التي تنزع جلدها، الخ.
تدور بعض الأساطير حول كارثة عالمية، على سبيل المثال، فيضان (على الرغم من أن بعض الباحثين يعتقدون عن خطأ، أن الأفارقة لم يكن لديهم أي سطورة عن الفيضان)، ونشوب حريقٍ في جميع أنحاء العالم. هناك ايضاً أساطير حول أصل النار والحيوانات الأليفة والنباتات المُستزرعة.
حققت شعوب شمال وشمال شرق افريقيا من المغرب الى مصر وأثيوبيا منذ فترةٍ طويلةٍ مستوىً أكثر تقدماً من التطور الاجتماعي من سكان بقية افريقيا. كان لهذه المناطق أقدم حضارات العالم القائمة على الزراعة والرعي. أظهرت الحفريات بين عامي 1956-1957 حول هضبة الثور (طاسيلي ناجر)، وجود ثقافةٍ متطورةٍ للغاية في قلب الصحراء، التي كانت منذ آلاف السنين منطقةً مرويةً جيداً. تم العثور على الجداريات الصخرية الرائعة هناك والتي تمت دراستها بدقة. كانت الحضارة المصرية العظيمة، التي تعود جذورها الى العصر الحجري الحديث للصحراء، هي أقدم حضارة في البحر الأبيض المتوسط، التي وُجِدَت في دولةٍ قوية، وأثرت فيما بعد على تشكيل الثقافة الكلاسيكية. كانت الدول العبودية في قرطاج ونوميديا وموريتانيا تقع غرب مصر، في منطقة أراضي ليبيا وتونس والجزائر والمغرب المُعاصرة.
وبطبيعة الحال، فان المُعتقدات الدينية في شمال افريقيا تجاوزت مرحلة العبادات القَبَلية، لقد كانت تُميز المُعتقدات الدينية التي تطورت في المجتمعات الطبقية، على الرغم من وجود بقايا للمعتقدات السابقة. (سيتم تناول الديانة المصرية القديمة بشكلٍ منفصل في الفصل السادس عشر). كانت مصر واحدةً من الأماكن التي نشأت فيها المسيحية (القرنان الأول والثاني)، وبعد ذلك بوقتٍ قصير انتشرت في جميع أنحاء شمال افريقيا (القرنان الثالث والرابع). ولكن حل الاسلام بين القرنين السابع والثامن محل المسيحية، وأصبح الدين السائد في كل مكان باستثناء أثيوبيا وبين القبائل القبطية في مصر. أصبحت افريقيا تحت التأثير العربي، أحد المراكز الاسلامية الرئيسية في العالم.
تغلغل الدينين الاسلام والمسيحية تدريجياً في عمق افريقيا السوداء. دعمت سلالات الطبقات الحاكمة لدول السودان ومالي وغانا، الخ، دعمت زحف الاسلام جنوباً بدايةً من القرن الحادي عشر. تم جلب الدين الجديد الى الناس من خلال الغزوات والتجارة والمُبشرين المتجولين. لم ينتشر الاسلام أبعد، الى داخل المناطق الجافة والخالية من الغابات في السودان، ولم يصل الى منطقة الغابات الاستوائية حيث لا تزال توجد أشكال خاصة من البُنى الاجتماعية والديانات المحلية. لكن في العصر الحديث، بدأ الاسلام يتغلغل في المناطق الاستوائية من ساحل غينيا الجديدة، عندما توقفت الحروب الاقطاعية في العصور الوسطى واتسعت العلاقات التجارية.
كما انتشر الاسلام على طول الساحل الشرقي لافريقيا، وكذلك على امتداد النيل الى شرق السودان (من خلال التجار والمُبشرين العرب والسواحليين.
تم تعديل الاسلام وتنقيحه بشكل كبير بين شعوب افريقيا الاستوائية وفقاً للظروف المحلية. غالباً ما قِبَلَ السكان فقط الشكل الخارجي للدين الاسلامي، وأبسط طقوسه، لكنهم حافظوا على معتقداتهم القديمة. غالباً ما كان موضوع العبادة الرئيسي ليس الله ورسوله، ولكن القديس المحلي (المارابو) Marabou الذي حل محل الزعيم السابق والكاهن السابق. ظهرت أخويات مسلمة تختلف قليلاً عن الجماعات السرية الوثنية المحلية، ونشأت طوائف جديدة، نصف مسلمة ونصف وثنية.
يُعتبر الاسلام اليوم الدين السائد، على الأقل اسمياً، في موريتانيا والسنغال وغينيا ومالي والنيجر والجزء الشمالي من نيجيريا وجمهورية افريقيا الوسطى وتشاد والسودان والصومال (الى جانب دول شمال افريقيا).
بدأت المسيحية تتوغل في عمق القارة الافريقية بعد ذلك بوقتٍ طويل. وقد انتشر هذا الدين بين السكان الأصليين على وجه الحصر من خلال المُبشرين الكاثوليك والبروتستانت- على الأغلب ابتداءاً من القرن التاسع عشر. غالباً ما مهّد المبشرون الطريق لاستيلاء المُستعمرين على الأراضي الافريقية. انتشر الاسلام من الشمال، لكن المسيحية انتشرت انطلاقاً من الجنوب. تمت اعاقة نجاح انتشار المسيحية بسبب التنافس السياسي بين الدول والخلافات بين الكاثوليك والكالفينيين والانجليكان والميثوديين والمعمدانيين ، وما الى ذلك. على الرغم من أن بعض المُبشرين حاولوا مساعدة السكان الأصليين من خلال تقديم العلاج الطبي لهم وتعليمهم القراءة والكتابة ومحاربة تجارة العبيد، الا أن مُعظمهم (أي مُعظم السكان) كانوا مترددين في تبني الدين الجديد. لم يفهم الناس الدين، لكنهم استطاعوا أن يروا بوضوح ارتباطه بالقمع الاستعماري. تحول السكان الى المسيحية عن طيب خاطر، فقط عندما كان النظام القَبَلي-العشائري في حالة انحلال، على أمل العثور على نوعٍ من الحماية في مجتمع الكنيسة. اليوم غالبية السكان مسيحيون فقط في جنوب افريقيا واوغندا وجنوب الكاميرون والمناطق الساحلية من ليبيريا.
قاتل المبشرون المسيحيون في الماضي بشدة ضد كل التقاليد والعادات المحلية التي اعتبروها "وثنية" و"متوحشة". ومع ذلك، فانهم يحاولون اليوم أكثر فأكثر تكييف الديانة المسيحية مع العادات المحلية وجعلها أكثر قبولاً لدى السكان. انهم مُصممين على تدريب مُبشرين ورجال دين بين السكان الأصليين. تم في عام 1939 تعيين أول أُسقف أسود، وفي عام 1960 عيّن البابا كاردينالاً تنزانياً أسوداً.
أدى تفاعل المسيحية والأديان المحلية الى ظهور طوائف غير عادية وحركات نبوية وعشائر مسيحية-وثنية مُعدلة. يُصبح رؤساء هذه الكنائس الجديدة أنبياء يعتقد الناس أن لديهم قوىً خارقة للطبيعة. ينعكس احتجاج الجماهير العفوي ضد الاضطهاد الاستعمار في أشكال متعددة في هذه الحركات الدينية. كانت بعض الطوائف الجديدة ببساطة أشكلاً متنوعة من حركات التحرر الوطني.
هناك في الثمانينيات، في افريقيا جنوب الصحراء، حوالي 30 مليون مسيحي وحوالي 60 مليون مسلم، وحوالي 130 مليون من أتباع العبادات القَبَلية-الوثنية القديمة.

أ- الصنمية: عبادة أشياء وظواهر الطبيعة. وهي شكل قديم من أشكال الدين في المُجتمع البدائي. وقد اقترح اصطلاح (الصنيمة) في عام 1760 شارل دي بروس وهو مؤرخ وعالم لغوي فرنسي. فقد كان الناس، لجهلهم بجوهر الأشياء المادية-ينسبون اليها صفات خارقة للطبيعة، وكانوا يعتقدون أن هذه الأشياء تُرضي رغباتهم. وترتبط الصنمية بالطوطمية والسحر. (الموسوعة الفلسفية، وضع لجنة من العُلماء والأكاديميين السوفييت، ترجمة سمير كرم، دار الطليعة للطباعة والنشر، ص276)

ترجمة للفصل السادس من كتاب:
History of Religion, Sergei Tokarev, Translated From Russian To English by Paula Garb, Progress Publishers, Published 1986, Translated 1989.
Chapter six: Religion In Africa



#مالك_ابوعليا (هاشتاغ)       Malik_Abu_Alia#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوسيولوجيا ماكس فيبر
- فلسفة كارل بوبر المتأخرة
- تاريخ الدين: الأديان في الأمريكيتين
- سوسيولوجيا اميل دوركهايم
- فريدريك انجلز والمسائل المُعاصرة المتعلقة بتاريخ المجتمع الب ...
- تاريخ الدين: الأديان عند شعوب جنوب وجنوب شرق آسيا التي ليس ل ...
- سوسيولوجيا جورج زيميل
- ضد تفسير نشوء المعرفة من المعتقدات الايمانية
- تاريخ الدين: الأدلة الأركيولوجية للمعتقدات الدينية
- المفهوم السوسيولوجي عند فريديناند تونيز
- بعض المسائل العلمية-الفلسفية لنظرية الحقيقة. القسم الثاني: ا ...
- في نقد نظرية نعوم تشومسكي اللغوية
- أزمة الاتجاه التطوري في السوسيولوجيا، والاتجاهات المعادية لل ...
- بعض المسائل العلمية-الفلسفية لنظرية الحقيقة. القسم الأول: ال ...
- الدراسات الاجتماعية التجريبية في القرن التاسع عشر
- نقد الأسس النظرية ل-سوسيولوجيا المعرفة- البرجوازية
- السوسيولوجيا السيكولوجية على أبواب القرن العشرين
- الفلسفة والجماليات عند موريس ميرلوبونتي
- الاتجاه الطبيعاني في السوسيولوجيا على أبواب القرن العشرين
- مفهوم الفرد في أعمال البير كامو


المزيد.....




- الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - مالك ابوعليا - تاريخ الدين: الدين في افريقيا