همس الايقاع الداخلي في مكان قصيدة - شهرزاد - لرسمية محيبس *


مؤيد عليوي
2020 / 9 / 4 - 00:02     

"شهرزاد " :
(عسل في الكلام
وشمس مخبئة في القميص
يحترق الليل بالقصص العاطفية
الأصابع تلتهم تفاحة الشهوات
غير عابئة بما يتدفق
تحت السرير الملطخ بالقبل
تنتظر النوافذ حكاية ماجنة
تؤجل شهوة الملك المتغطرس
تستيقظ على حين غفلة من عسس الليل
وتنام في أحضان السيوف النزقة
دموعها أجمل القصائد
عند نقاد يجيدون صنع الكلام
ومراكبها تسير على امواج
تهدر تحت وسادتها ) .
الايقاع الداخلي ها هنا هو الموسيقى الداخلية للصوت الواحد من خلال تكراره وانقطاعه في قصيدة النثر بما يتصل بالمدلول الشعري، أو ما عبّر عنه مصطفى صادق الرافعي في كتابه "اعجاز القرآن والبلاغة النبوية "، من أنها موسيقى اللغة في انسجام الحروف التي تكوّن الكلمة والاخيرة تكوّن الجملة..، فتحدث الايقاع الجميل في قراءة وتجويد الكتاب المنزل،
أما الهمس فهو متصل بصفات أصوات النص الخطاب الانثوي "شهرزاد" من ديوان "شغب أنثوي"، التي تكون الايقاع الداخلي من (س، ص، ش) وهي مهموسة وتتصل بالمدلول الشعري كما يتصل صوت السين في سورة الناس بالمعنى المراد من حيث فنون اللغة العربية وإشتغالاتها في علم الصوت والدلالة معا، لينزاح نقديا الهمس الاصطلاحي هاهنا الى همس المرأة وهي تعبر عن مشاعرها ومظلوميتها في المكان الذكوري وسطوته، إذ شهرزاد في هذا الخطاب الانثوي هي المرأة المضطهدة عبر التاريخ الذكوري لذا هي لا تستطيع إلا أن تهمس، ومازالت مستمرة بهمسها في واقع الحياة اليومية داخل المكان الخاص بالرجل بيته أو غرفة النوم الذي يجسد السلطة الذكورية للرجل شهريار(الملك المتغطرس)، إذ يحدثنا ياسين النصير في مقدمة كتابه "مدخل الى النقد الادبي"، أن للمكان سلطة وهيمنة على النفس البشرية مرتبطة بدواخل مَن يدخلون لذاك المكان، أما علاقة همس المرأة بالحاضر فتتجلى من خلال توظيف الشاعرة رسمية محيبس للفعل المضارع فقط، لتمنح حكاية شهرزاد وشهريار التاريخية، جواز مرور الى حاضر المرأة العربية والعراقية، فلم تستعمل الفعل الماضي قط في نصها أعلاه.
ثم جاء أصوات الهمس (س ، ص ، ش) وهي من مخرج صوتي قريب جداً من الشفتين – اللسان – ألة النطق والهمس منه من خلال الشفتين، وهذا متواشج ومتعاشق مع مدلول الخطاب الانثوي لـهمس "شهرزاد" في الايقاع الداخلي وسطوة المكان، جاءت هذه الاصوات ولا نقول الحروف فالحرف يُكتب ولا يتُنطق، والنص النثري يُقرأ ولا يلقى من منصة فالمنصة استماع المتلقي من الشاعرة أو الشاعر، والقراءة بصوت مسموع وتفكّر في أكثر من مرّة..، لأنها قصيدة النثر تحتاج من القارئ تشغيل جميع حواسه وعقله، المهم لقد جاءت هذه الاصوات (س، ص، ش) بتكرار منسجم ينقطع مرة بأصوات اخرى مكوّنة ايقاعا داخليا جليا، متصل بالمدلول الشعري للخطاب الانثوي برمته، حيث كان عدد مرات تكرار صوت السين (10) وصوت الصاد (6) وصوت السين (3) ليكون المجموع (19) جميعها مهوسة مع مجموعة أصوات مهموسة اخرى تملك صفة الهمس ذاتها لكنها الاقرب الى الدارسة لأن مخرجها في النطق يكون قربيا من الشفتين فيوافق همس شهرزاد بمعنى يوافق المدلول الشعري،
فينقسم جسد الخطاب الانثوي الى مقطعين من حيث حالة المرأة مع هيمنة المكان أو سلطته الذكورية، إلا أن همسها يبقى واحدا في المقطعينِ، إذ يبدأ المقطع الاول ببداية الخطاب الانثوي (عسل في الكلام ) ونتهي بـ( تحت السرير الملطخ بالقبل ) ليكون فيما بعده الى نهاية النص مقطعا ثانيا، فعسل الكلام أو الكلام المعسول يكون مِن الرجل للمرأة ليخدعها بوعوده الكاذبة، فنتخدع وتهمس قليلا لأنها هي سايرته وقبلت أن يأكل تفاحها فعدم الرفض هو القبول مع سطوة الرجل الاجتماعية بمعنى الجنس الذكوري..، لذا نسمع أصوات الهمس (س، ص، ش) تسع (9) مرات فقط في الايقاع الداخلي بما يتعاشق مع المدلول الشعري، فهو همس النساء قبل شهرزاد من قناع قصتها التاريخية المرموز به الى حاضر المرأة المقموع من خلال الفعل المضارع، بينما يصير المقطع الثاني بـ(10) أصوات مهموسة في الايقاع الداخلي، والزيادة هنا صوت واحد ليدل على صوت شهرزاد الرافضة ذكورية الرجل (الملك المتغطرس) في المقطع الثاني، لكنها تعاني فتهمس أيضا وهمسها يختلف عن همس مَن سبقنها الى بيت وغرفة الرجل حيث سطوته الذكورية فالنوافذ مشرعة للذكور تسترق النظر لها من خارج الغرفة للدلالة على ذكورية المجتمع الذي يتناقل أخبار شهريار أي كان هذا الشهريار مِن هذا الزمان أو ذاك الزمان ، إذ :(تستيقظ على حين غفلة من عسس الليل /وتنام في أحضان السيوف النزقة /دموعها أجمل القصائد /عند نقاد يجيدون صنع الكلام ) فالإدانة للذكورية النزقة أذ لا وجود لعسس مؤنث أو نساء ناقدات، وكلمة السيوف مذكر في جذر الكلمة من الاصل، والمراد بها القوة والهيمنة الذكورية أما كلمة (احضان) فقد كان فيها صوت جهوري غير مهموس (ض) وقريب من الشفتين في مخرج نطقه، ليمنح سمة الجهر لنوم شهرزاد أمام المجتمع بين احضان القوة والهيمنة، فاضحا عسف شهريار وعنفه من خلال شهرزاد سيما أن صوت (ض) جاء لمرة واحدة في هذا الخطاب الانثوي في اشارة خفية لرفض شهرزاد الوحيد دون الأخريات، كما يكون(ض) صوتا جهوريا مثله بقية أصوات الجهر في كلمات النص، يقطع تكرار همس (س، ص، ش) بين الكلمات والجمل، بما يولد الايقاع الداخلي بين التكرار والقطع، ثم نلحظ هذه السطوة الذكورية للمكان والتي جسدتها كلمة (تحت) في :( غير عابئة بما يتدفق /تحت السرير الملطخ بالقبل ) نهاية المقطع الاول فيما يخص النساء التي ضاجعهن شهريار، فكانت الواحدة منهن وهي تعبر عن حال الجمع بصيغة المفرد، تحت غطاء السرير الملطخ بالقبل غير عابئة بدم بكارتها يتدفق تحت غطاء السرير..، فهي تهمس همسا أخر تحت الغطاء، همس المغلوبة على أمرها بالخديعة وبسطوة القيم الذكورية مما يجعلها اسفل السلم الاجتماعي من خلال (تحت)، بينما يكون همس شهرزاد رمز المرأة الرافضة لذكورية شهريار في نهاية المقطع الثاني الذي ينتهي به النص :(ومراكبها تسير على امواج/ تهدر تحت وسادتها) فهمسها وبكائها الهادر مثل أمواج البحر يكون تحت الوسادة لأنه غير مسموح لها أن تعبر عن احساسها وهي المقموع الاجتماعي الادنى في سلم المجتمع الذكوري، بينما تؤدي كلمة (مراكبها) وظيفة احلام اليقظة بالخلاص من سطوة المكان الذكوري، بما يؤشر تركيبها اللغوي الاستعاري الى تطلع النفس المسجونة بين جدران هيمنة المكان، الى الفضاء الخارجي حيث البحر والمراكب..، كما يقول باشلار عن هذا في كتابه "جماليات المكان "، وفيما كانت تؤدي الكلمة(تحت) وظيفة اجتماعية واحدة في الاستعارة كما كان يقول لايف إيكوست-1- إذ الخطاب الانثوي هذا في استعماله ( تحت السرير..، وتحت الوسادة...)، مفاده أن المرأة في جميع حالتها رافضة أو قابلة بعسف شهريار، هي أسفل السلم الاجتماعي .
لقد كان الخطاب "شهرزاد" النص انتصارا لشهرزاد المرأة ورفضها، فاضحا عسف شهريار الرجل، منسجما مع عنوان الديوان "شغب انثوي"، ومعبرا عن تطلع المرأة لتحررها من سطوة شهريار في الماضي من خلال القناع التاريخي للنص، وفي الحاضر والمستقبل من خلال الفعل المضارع ،فشهريار الحاضر قد يكون تاجر نساء يبيع ويشتري بهن، أو يملك مكانا ليبيعن اجسادهن والهوى كما في نظام رأسمالي، إذ كانت الأنظمة الاشتراكية تمنع الدعارة وبيع الجسد، وربما يكون شهريار رجل مسن وثري (يتزوج) بفتاة أصغر منه بثلاثين سنة أو اكثر، أو ربما شهريار يتزوج بها زواج المسيار أو المنقطع، وربما تكون هي قاصرة وهو كامل الفحولة وله مثلها أكثر من واحدة، فتعدد صور شهريار في الحاضر لكن سيفه المال وذكورية المتجمعات بما ينتج عنفا اسريا ضد المرأة والطفل في أغلب الاحيان، هذا اذا ما أردنا المرور على مؤلفات عبد الرزاق جبران في هذا الموضوع خاصة كتابه "مبغى المعبد" في حرية الاختيار بين قبول الفتاة ورفضها حين يسمي الزواج بالاتحاد بين الرجل والمرأة، بمعنى أن يكون الكيانان البشريان كياناً واحداً مِن خلال الاحساس المتبادل، بل روحاً في جسدين هما امرأة ورجل، حيث نقتبس منه ما يأتي :(ليست مشكلة الكاهن هي أنه (يحرّم) الزواج بين اناس لا تجتمع (اديانها) مشكلته أنه (يحلل) الزواج بين اناس لا تجتمع (قلوبها)!! وفي هذه المشكلة للمعبد، مارست البشرية زناها في الزواج أكثر مِن المبغى..)-2-......................،.
........................................................................................
*شغب أنثوي، شعر رسمية محيبس، دار قناديل، بغداد، الطبعة الجديدة المنقحة،2020 ، قصيدة "شهرزاد" .
1- ينظر: مدخل الى النقد المكاني ،ياسين النصير، دار نينوى، دمشق ، ط 1، 2015 ، ص : 227 .
2- مبغى المعبد، عبد الرزاق جبران، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، 2010، ص :10.