القمر في الشعر الشعبي العراقي
سعدي جبار مكلف
2020 / 7 / 30 - 14:42
القمر في الشعر الشعبي العراقي
يل وجهك گمر ومضوي ليله
ليمته اشوفك ياعمري ليله
من يوم ارحلت ما نمت ليله
سهران وحاضن تصاويرك بديه
لقد شاء الله أن يطل علينا كل مساء أنيساً يبدد وحشة الظلام، وشاهداً أبدياً على ما يجري في عالمنا الكبير العظيم ما من عنصر من عناصر الطبيعة حظي في الأدب وخاصة في الشعر بالمكانة التي حظي بها القمر صادقه الشعراء الذين ألفوه في ليالي السهر، وفتنهم جمال ضوئه شديد الرفق بالأحاسيس، فدخل عالم الأدب منذ أن ظهر الأدب، ولم يُستنفد موضوعه حتى اليوم شغل العلماء منذ أن ظهر العلم، فكان السند الأول الذي ركن إليه الإنسان لاحتساب الوقت والزمن. ولا يزال موضع بحث ودراسة واستكشاف، حتى بعد أن وطأته قدم الإنسان، الأمر الذي شكل في حينه ذروة انتصار للعلم والحلم معا لنطالع جمال القمر في هذه السطور والكلمات عن القمر, شعراً وأدباً, وعلماً, وما ورد من ذكر القمر في الشعر الشعبي العراقي
وجهك گمر للناس وعيونك العيد
العنده هيچ اوصاف من الله شيريد
القمر في معتقدات الشعوب القديمة :-
عندما احتاج الإنسان للمرة الأولى إلى احتساب الزمن لم يجد معيناً له على ذلك أفضل من القمر. لم يكن سهلاً على الإنسان ملاحظة تحرك النجوم وموقع الشمس في قبة السماء، لكن ملاحظة اختفاء القمر، ثم ظهوره من جديد هلالاً، واتساع صفحته المضيئة شيئاً فشيئاً ليصير بدراً قبل تقلصه، كانت أبسط الأمور عند أولئك الذين وجهوا أبصارهم إلى السماء. فعدّوا الأيام، ولاحظوا انتظام هذه الظاهرة وتكررها كل 29 يوماً تقريبا وقد اشتُقّ تعبير التأريخ، وهو رصد الأيام والسنوات، من كلمة أرخو السامية القديمة، وهي اسم القمر في العصور السالفة
غاب الگمر من شافك ولا هل
لغيرك ما نزل دمعي ولاهل
مالي دار من بعدك ولاهل
بس انته الحبيب الباقي ليه
تضافر التقويم القمري، مع وضوح الرؤية شبه الدائمة بالعين المجردة، على فتح الباب واسعاً أمام دخول القمر في العادات والتقاليد، ففي ميزان التشاؤم والتفاؤل، يتفاءل العرب بالهلال الجديد، إلا هلال صفر، فيقولون عن مشاريع ينوونها: “إن مرّ صفر بخير”… ودخل الهلال في اللغة على أنه البداية، فيُقال “استهل ولايته بكذا وكذا …” من الهلال وأما البدر فيشبهون به البنت الجميلة “قمر أربعتش” أي مستديرة الوجه مثل قمر ليلة الرابع عشر من الشهر. ومع ذلك لا يرون في القمر فائدة أحياناً، إذ يقولون “أنت مثل القمر، بتونّس وما بتنفع”، أو “القمر بيونّس وما بيحميش ومن حب الناس للقمر، سموا أولادهم بأسمائه المختلفة: قمر وبدر وهلال، كما سموا أيضاً: شمس وشهاب ونجم ونجمة وثريا وسهيل وغيرها من أسماء الأجرام السماوية وكان لكل يوم عند العرب كوكبه فللإثنين القمر، وللثلاثاء المريخ، وللأربعاء عطارد… ونقلت شعوب أوروبا هذه المعتقدات، حتى أنهم سمّوا أيام الأسبوع بأسماء هذه الكواكب وقد سميت ايام واسماء فتيات نسبة الى اسماء القمر وبعض من ايام الاسبوع كما هو في فرنسا او المانيا
غير أن القمر لعب دوراً رمزياً أعمق من هذا عند الشعوب الوثنية القديمة. فقد كانت الشمس رمز الذكر المخصّب، أي الذي يبذر البذار في الأرض الزراعية، أما القمر، فهو الأنثى التي تتلقى البذار وتحمل وتثمر. ويلاحظ أن بعض اللغات، خاصة الأوروبية منها احتفظ بأنوثة القمر وذكورة الشمس حتى الآن، كما هو الحال في اللغة الفرنسية. أما الإنجليز فلا يزالون يحملون في لغتهم بعض آثار هذا المعتقد، إذ أن كلمة الزوج نفسها هي كلمة زراعة .
گالولي عنك حلو مثل الگمر چنك
بس انا راح اختلف عن الحجوا عنك
مو انته چنك گمر هو الگمر چنك
وفي مصر الفرعونية ارتبطت دورة القمر الشهرية بأسطورة أوزير وصراع الخير متمثلاً في حورس مع الشرفصارت مرحلة اكتمال القمر تمثل لحظة انتصار أوزير واستعادته العرش بمساعدة أربعة عشر يوماً قمرياً، وكأن كل يوم يمثّل شخصاً. لهذا، ارتبطت الدورة القمرية بتجدد القوى الملكية في مصر الفرعونية، باعتبارها في صراع مستمر مع الشر الذي يهدد البلاد. كما أن نصوص الأهرام الموجودة في مقابر ملوك الدولة القديمة تصف المتوفى بأنه «قمر» لضمان تجدد بعثه دورياً بلا نهاية لم تبتعد القبائل الإفريقية كثيراً عن هذه الأفكار، ذلك أن كهّان القبائل الذين يمارسون السحر والشعوذة، لا بد لهم من التضحية إما بذبح معزة أو بهبة أرز أو ذرة أو زيت لجلب الخصب إلى القبيلة. لكن هذه الأضاحي لا بد وأن يكون موعدها بداية شهر قمري جديد لأن القمر هو رمز الخصب. وكثيرة هي الحكايات التي وصلتنا من الشعوب القديمة وأساطيرها حول القمر، منها ما يقول إن القمر يتحطم مرة كل شهر وأن النجوم هي حطام القمر القديم وفي محاولة لتفسير البقع الداكنة على سطح القمر، تقول إحدى الأساطير إن القمر كان يلاحق الشمس بحبه لها حتى أغضبها، فلطخت وجهه المستدير بالرماد كي يدعها وشأنها، ومنذ ذلك الحين والقمر يحتفظ بتلك البقع السود !!
وفي واحد من المفاهيم الخرافية الظريفة أن القمر يساعد عروس المستقبل، إذ عليها أن تنظر إلى الهلال من منديل حريري وتقول “أيها الهلال أيها الهلال، انا أحييك أيها الهلال، أيها الهلال كن لطيفاً معي؛ إن كنت سأتزوج فأرني كم شهراً سأظل عازبة”. وبقدر ما ترى من أهلّة من ظلال المنديل يكون عدد الشهور التي تبقى فيها عازبة
بهيدة على بختك ياگمر مساهر واريد اشكيلك
انه غريب ابدنيتي مضيع وادور ليلك
عن ربعة اهلي ودلة الديوان ومواويلك
عن ضحكة البربين لعيون الدلو
عن رگصة الصفصاف والماي الحلو
عن صحبتي وخلاني وعيون النهر
بهيده على بختك ياگمر
العرب والتقويم القمري :-
القمر في معتقدات العرب وتقاليدهم وعاداتهم وأدبهم، غير القمر في معتقدات الشعوب الأخرى، فالعرب في الإجمال يقطنون بلاداً حارة أو معتدلة المناخ. والليل عندهم سانحة جميلة للخروج تحت القبة داكنة اللون المرصعة بالقمر كان عرب شبه الجزيرة يعتمدون تقويماً قمرياً، غير أن العرب مثل كل الشعوب القديمة أيضاً لاحظوا أن المواعيد السنوية في تقويمهم القمري، لم تكن ثابتة في موقعها من السنة الشمسية. فالشهر الذي يصادف الصيف هذه السنة، يصادف الربيع بعد تسع سنوات، ثم الشتاء بعد تسع سنوات أخرى، وهكذا. وسبب هذا الانزلاق، هو أن السنة القمرية 354 يوماً، فيما تستغرق الأرض لتدور دورة كاملة حول الشمس 365 يوماً و 5 ساعات و 48 دقيقة وبضع ثوانٍ. وهذا يعني أن الشهر القمري “ينزلق” من الشتاء صوب الخريف فالصيف فالربيع، نحو 33 يوماً كل ثلاث سنوات. ويقلّ القرن الهجري (القمري) عن القرن الميلادي (الشمسي) نحو 3 سنوات. ولمعالجة هذا الأمر اتبعت الشعوب القديمة أساليب مختلفة. فمنهم من أبطل التقويم القمري واعتمد الشمسي، مثل الفراعنة الذين جعلوا سنتهم 360 يوماً (12 شهراً من 30 يوماً الشهر) زائدة 5 أيام أعياداً واحتفالات. كذلك اعتمد يوليوس قيصر، سنة 44 ق.م، السنة الشمسية، وجعلها 365 يوماً. وكانت بعض الشعوب القديمة تعمد إلى زيادة شهر كل ثلاث سنوات قمرية لتعود المواعيد القمرية إلى مكانها في السنة الشمسية :-
انا شفتك گمر ابوسط النجوم
وانا روحي شمعه بس مطفيه
اني شفتك شمس تحيطك غيوم
وعيني تهمل بس دمع يوميه
انت گلبك خالي من اسم الهموم
وروحي بوسط الحزن مرميه
اني بس هيئة بشر لابس هدوم
وانت وردة بغابة بس محميه
اني نبته بشمس يحرگني السموم
وانت نبته ظل دوم مسگيه
اني صاير ارض محتلة بهجوم
وانت جنة عدن ومضويه
اني اقسم قسم بربي القيوم
انت حبي وما احب حوريه
ويسمى أسلوب زيادة شهر أو أيام إلى التقويم، لمنع إنزلاق المواعيد عن مواقعها في السنة الشمسية “الكبس” أو “الإنساء”، لأنهم يُنسِؤون الشهور، أي يؤجلونها، حين يضيفون في ما بينها شهراً. ما يقولـه العلم
قمرنا هو أكبر الأقمار في المجموعة الشمسية، يدور حول نفسه كل شهر تقريباً، وهي المدة نفسها التي يتطلبها ليدور حول الأرض في مدار شبه بيضاوي يبعد عن الأرض ما بين 406000 و 356000 كيلومتر حسب موقعه على المدار. والمحور الذي يدور به القمر على نفسه لا يسمح لنا برؤية غير 50 في المئة من سطحه، وأحياناً قليلة 59 في المئة. وهو ينزاح عن الأرض بنحو 3.82 سم كل يوم، ما يجعله يدور حول نفسه وحول الأرض ببطء متزايد…
وأظهرت الفحوص المخبرية التي أجريت على صخوره، أن تركيبة القمر المادية قد تمت بالقرب – أو في المكان نفسه – من المكان الذي تكونت فيه الأرض في النظام الشمسي.
“يشبه القمر كومة من الرمل لعب عليها أولادي” على حد قول أحد أفراد طاقم المركبة الفضائية “أبولو”، فلونه رمادي ومتبقع نتيجة ضربات النيازك والأجرام الكثيرة، ومليء بالهزمات وكأنه إنسان أصيب بالجدري. يبلغ قطر بعض الحفر عليه مئات الكيلومترات، ويعود معظمها، كما يعتقد علماء كثر إلى “فترة القصف الثقيل”. أي إلى نحو أربعة مليارات سنة ولا تزال آثارها ظاهرة حتى اليوم، من دون أن تستطيع التحركات التكتونية أن تزيل آثارها. وبعض المرتفعات الطبشورية تمتد على سطح القمر إلى كيلومترات عدة، وبعض الجبال يصل ارتفاعها إلى حوالي عشرين ألف قدم مثل جبال أبنين Apennine. ولا يوجد للقمر غلاف جوي ليحميه من التأثيرات الكونية العديدة ومن حرارة الجو المتقلبة بين الليل والنهار كيف تكوّن؟
الفرضيات والنظريات العلمية حول تكوّن القمر عديدة ومتضاربة. إذ تقول نظرية “الالتقاط” إن القمر كان جرماً بعيداً في النظام الشمسي، تمكنت الأرض من جذبه وجعله يدور حولها في مداره الحالي ما افتراض “الحلقة” فيقوم على أن جسماً خارجياً تائهاً ضرب الأرض منذ حوالي 4.5 مليار سنة، عندما كانت حديثة التكوين فتطايرت فلذ أرضية في الفضاء مكونة حلقة أخذت مدارها حول الأرض مشكلّة في البداية أقماراً صغيرة، تكتلت لاحقاً لتُشكّل القمر من جهة أخرى، تقول نظرية “الانشقاق” أن الأرض الحديثة التكوين كانت تدور حول نفسها بسرعة تقارب الدورة الكاملة كل 2.5 ساعة، ما تسبب بتشكيل نتوء عند خط الاستواء. وأدى في وقت معين إلى انفصاله عن الأرض ومتابعة الدوران منفصلاً. ويعتقد العالم جورج داروين أن القطعة التي انفصلت عن الأرض كانت تقع في موقع المحيط الهادئ حالياً، بسبب شكل الفجوة التي يشكلها قاع هذا المحيط في الكرة الأرضية
يا غربتي ..
غربة عصافير التودع اعشوشها... برفّة جنح
ويا دمعتي ..
دمعة الكاع التبكي موت اهروشها... بجيت الملح
يا دار اهلنا الطاهره ... مر العمر
عيون اليحب امساهره ...ومامش خبر
بهيده على بختك يا كمر
وك يا كمرنه مروتك ... حنّي الشواطي بدمعتي
كلهم كبرت اعله الصبر...والونّه صارت غنوتي
مشتاق ابوسن دجله... واشرب مايها
واعزف ترانيم المحبّه بنايها
دجله الهوى ، والسوق ، والحب ، والسهر
بهيده على بختك يا كمر
القمر والحياة على الأرض : -
للقمر آثار بالغة الأهمية على حياتنا الأرضية، وذلك من خلال الدور الذي يلعبه في حركة البحار والمحيطات وانعكاس ذلك كله على المناخ الأرضي. فالقمر يجذب مياه البحار والمحيطات صوبه، فترتفع في وسطها مما يؤدي إلى تراجعها عن الشواطئ وهذا ما نسميه “الجزر”، وعندما ينسحب القمر إلى الجهة الأخرى من الأرض، يكون قد أفلت هذه المياه من جاذبيته فتعود لتتمدد إذا جاز التعبير – وهذا ما نسميه “المد”.
وعندما يكون القمر على خط مستقيم مع الشمس والأرض، مرتين في الشهر، ينتج عن انسحابه ما يسمى موج الربيع القوي. وعندما تكون الشمس والقمر بزاوية مستقيمة مع الأرض يكون لدينا هلال نصفي، وهو ما يُحدث الجزر المحاقي في الربع الأول والثالث من عمر القمر.
هذا التحريك القمري للمياه هو المحدد الأول لنوعية الحياة على شطآن البحار وحتى في أعماقها. فبعض الحيوانات تغير لونها حسب دورة القمر. وبعض الأسماك تضع بيوضها بتلازم دقيق مع شكل القمر، ومعظمها ينجو من شباك الصيادين عندما يكون القمر كاملاً..
وقد حاول العلم ولا يزال ربط السلوك الإنساني بالقمر، وبشكل خاص حالات الجنون. حتى أن كلمة “Lunatic” الإنجليزية المشتقة من أصل لاتيني “Luna ” تستخدم للإشارة إلى الشخص المجنون. كما أن الفرنسيين يستعملون منذ القرن الرابع عشر التعبير نفسه للإشارة إلى الجنون. وقد كان الطبيب اليوناني هيبوقراطيس أول من ربط في القرن الرابع ق.م. بين “الجنون ومستوى الرطوبة في الدماغ”. ولأن اليونانيين القدامى ومن بعدهم الرومان تكهنوا بوجود تأثير لجاذبية القمر على مستويات الرطوبة، تعزز الربط بين الجنون والقمر، خاصة عندما يكون بدراً. وبعدما أهملت هذه الفكرة لقرون عدة على الصعيد العلمي، عادت مؤخراً إلى الظهور، وظهرت نظريات حديثة تكاد تكون أصداء نظرية هييقراطيس. فقد تزايد في السنوات الأخيرة الاهتمام بتأثير القمر على تطور الأعضاء الحية. وعلم “البيولوجيا الزمنية” (CHRONOBIOLOGY) يدرس تأثير إيقاعات القمر على هذه الأعضاء. ويسأل أحد العلماء: “لم لا؟ فأجسامنا تتكون من الماء بمعظمها، فلماذا لا تكون تحت تأثير القمر؟ ربما كان في دمائنا مد وجزر”، كذلك في عواطفنا. ألم يقل شكسبير “إن القمر يجعل الإنسان مجنوناً؟”
الإنسان على سطح القمر
“هيوستن، هنا قاعدة السكون، النسر قد هبط” هذه الجملة كانت أول كلام إنساني يصلنا من سطح القمر. كان ذلك في 20 يوليو 1969م عندما نجحت المركبة الفضائية أبولو 11 في إيصال أول بشري إلى القمر وسط متابعة لم يسبق لها مثيل استقطبت أنظار العالم وحبست أنفاسه من أقصاه إلى أقصاه.