أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرات المحسن - فلم سينمائي















المزيد.....

فلم سينمائي


فرات المحسن

الحوار المتمدن-العدد: 6524 - 2020 / 3 / 27 - 17:01
المحور: الادب والفن
    


تلك العقود غير البعيدة من زمن العراق المعاصر، وفي أيام الصيف حيث الشمس لافحة تحرق من يطل برأسه من بين دفتي باب الدار. في تلك الأيام تظهر الحشرات الطيارة والزاحفة وتبرز عضلاتها بوجه العراقيين. وكانت ولازالت هذه الحشرات تعيش في البرك والمستنقعات المنتشرة في المدن وحولها. هذه الحشرات تكون السبب بنشر الأوبئة والأمراض بين الناس. كانت المؤسسات الصحية سابقا تقوم بتسيير سيارات بيك آب تحمل على ظهرها ماكينة رش المبيدات، وتأخذ هذه السيارات مهمة تعفير الشوارع والأزقة برش مادة الكازويل، وهي خليط من النفط الأبيض والأسود والكاز الثقيل، ومن خلال أنبوب ضخ يدفع المادة على شكل رذاذ قوي، عندها يرقد الخليط فوق أسطح المستنقعات والبرك والجدران وأرضية الشوارع ليقتل الحشرات ويدرأ الأوبئة.
حين تأتي تلك العجلات لترش المبيد في أزقتنا وشوارعنا نخرج نحن الأطفال والصبية مهرولين لنلحق السيارة ونتسابق للوصول إلى فتحة المضخة التي تدفع الرذاذ الرشاش، ويحاول القوي والجسور منا السيطرة على رأس المضخة وإدارتها حيث يرغب. وكانت صدورنا تمتلئ بذلك الرذاذ الطيار دون أن يردعنا أحد.
سابقا وفي أيام الصيف، تجتاح العراق العديد من الأوبئة من مثل، الجدري، التيفوس، الحصبة ، التدرن ، الملاريا ،الأنفلونزا ، حمى صفراء، الطاعون وغيرها.
تلك السنة من سنوات الضنك العراقي، أنتشر وباء الكوليرا انتشارا واسعا في مدن العراق جميعها، فضاقت الدنيا على الناس بما رحبت، ولكن للبعض منهم أحوال وأفعال تداولها الألسن.
في سنة الكوليرا التي أطلق عليها العراقيون اسم ( سنة أبو زوعة ) بسبب إن أول أعراض الوباء هو التقيؤ الذي يصيب الإنسان، ليجف جسده من كثرته وتكراره، بعدها يسقط المرء صريعا بسبب ذلك.
في ذلك الوقت كانت هناك فتاة من بنات الهوى أي مومس، أسمها زهرة العجمية. ما كانت زهرة تهتم لأمر وباء الكوليرا بقدر الاهتمام برغباتها وطيشها. وكانت تملك عربة كار تجرها الخيول وسائق لهذه العربة أسمه شيخان أبو نوريه. هذا الشيخان شاب وسيم ذو شارب طويل ولكنه سفيه لا يخجل من شيء، ويعرفه الناس بخاصية واحدة هي فعله اليومي بإطلاق زيج أي عفطة طويلة تمتد لدقائق، صارت الناس في بغداد تتندر بها. البرنامج اليومي لشيخان أبو نوريه يبدأ بأخذ المومس زهرة العجمية من أمام دارها الملاصقة لمنطقة الصابونجية صباح كل يوم، ثم يذهب بصحبة زهرة في جولة طويلة يطوف فيها بين شوارع بغداد، تبدأ من عكَد الصخر ورأس الجسر ثم يمر بشارع الرشيد للوصول حتى باب الشرقي بعدها الإياب ظهرا.
تلك الأيام وحين تهم زهرة العجمية الخروج لركوب العربة، تقف أمها قرب الباب تتذلل وتتضرع أليها بالقول.
ــ يمه من فدوة رحتلج زهوري، ابو زوعة مرض وطش بكل الولايات وماتت الناس، ليش أنتي عندج حرز وما تتمرضين.. يمه زهوري أبقي بالبيت، مو إذا تمرضتي منو راح يعيشنه، وإذا متي يا بعد روحي، راح ينكَطع الرزق، وأمج تموت من الجوع، يمه لو جنت أني بذاك الوكت وبذاك الحيل، ما عتبت عليج ومنعتج من الطلعة، بس أمج ركت وصار حيله من حيلج، يمه زهوري الحبيبة أبقي ولا تطلعين من البيت، بلجي يخلص مرض أبو زوعة بعد جم يوم وترجع أيام الكيف.
ولكن زهرة العجمية ما كانت تهتم لما تتحدث عنه أمها، وتضرب توسلاتها عرض الحائط. لذا أَزرت بعباءتها الموشاة بالدانتيل وخيوط الذهب الرفيعة خصرها ووضعت قدمها مطوقة الكاحل بسلسلة ناعمة من الذهب، فوق دكة العربة ليتلقف شيخان يدها وهو يهز كتفه ثم ردفيه بمرح ونشوة. حينذاك تلتفت زهرة نحو أمها الواقفة قرب عتبة الدار وتبتسم لها بدلال قائلة:
ـــ يمه أندار الوجهج صدقة، تريديني أختنك وأموت بالبيت من الضوجة والحسرة، خاصة بعد ما كَام يطبلنه أحد.. يمه وروح للسيد، وما أحلف بي جذب، أذا أبقه يومين بالبيت، وما أطلع ومحد يأشرلي لو يغازلني لو يغمزلي، راح أنحرف.. تعرفين شنو أنحرف والله أنحرف ..
ثم تطلق ضحكتها الداعرة فيعقبها شيخان أبو نورية بزيج طويل يتردد صداه بين جدران الزقاق الضيق، عندها ينتبه الجيران والمارة لذلك. وكان فيهم من يحاول تقليد ما يشبه عفطة شيخان ولكن هيهات. تلك العفطة أو الزيج كانت أيضا إيعازا اعتادت الخيول سماعه، لذا تنطلق مباشرة في رحلتها اليومية المعتادة.
جلست زهرة العجمية وسط مقعد العربة ذات السقف المفتوح، ووضعت ساق فوق ساق، عندها بانت ربلة ساقها البضة من بين الفتحة الجانبية الطولية لثوبها الوردي المطرز بالكلبدون الفيروزي. منذ بداية الرحلة تأخذ زهرة بهز جيدها هزا خفيفا وبغنج تعض طرفي شفتيها، وترمش بجفنيها وتحرك حاجبيها بحركات إغراء ودلال وميوعة، وبذات الوقت توجه نظراتها وإشاراتها المبطنة إلى الشباب المتجمهر لمشاهدتها، والضارب عرض الحائط قرار الحكومة بمنع التجول بسبب وباء الكوليرا.
كان الشباب يترقبون صباحا مجيء عربة زهرة العجمية، فيقف عديد منهم عند رؤوس الأزقة وقرب المنعطفات التي تمر بها العربة، لتبدأ رحلة القبل الهوائية وإشارات الغزل والحركات الموحية بالجنس، والطلبات الخاصة المبثوثة بأوراق ملونة صغيرة. وكانت زهرة تفرح كثيرا بالهدايا التي تقدم لها ولا تهتم للتحذير من جراثيم الكوليرا العالقة بتلك العلب الملونة .
كل تلك الأحداث تجري خلال المسيرة اليومية وشيخان أبو نوريه لا يفعل غير هز الأرداف وإطلاق العفاط الطويل بين فينة وأخرى، أو حين يتوقف للإلقام الخيول حفنة علف. وكانت قدرته ظاهرة على افتعال التغاضي عن الذي تتبادله زهرة مع الشباب، ولكنه فجأة يطلق زيج معدل طويل حين ينتبه لفشل أحد الشباب بالحصول على مبتغاه من زهرة العجمية. وأعتاد شيحان أبو نورية قيادة العربة ساحبا لجام الخيل وهو واقف في مقدمة العربة، يهش على خيوله بسوط طويل يصدر صفيرا حادا حين يلوح به في الهواء.
في أحد الأيام توقفت العربة فجأة وسط شارع الرشيد، وبالتحديد أمام سينما الوطني وطال وقوفها. أخذ شيخان أبو نوريه يصرخ على خيوله بأعلى صوته، ويكرر عفطاته ويضرب بسوطه دون أن يجد من الخيول حركة. ساط الخيل بالقامجي عدة مرات دون فائدة تذكر. فقد حرنت والعياذ بالله وترفض الحركة. نظر شيحان نحو واجهة سينما الوطني وتملى عنوان الفلم ،عندها أطلق ضحكة مجلجلة، ثم أردفها بزيج طويل كان أطول من سابقاته. فقد قرأ عنوان الفلم ( أولاد الحكومة) للمخرج ( وليتني بتتناتك ليخاطر) وهو مخرج إيراني الأصل مولود في جزر البهاما. والفلم من بطولة مجموعة من ممثلي الصفين الأول والثاني .عندها صرخ شيخان:
ـــ ولكم دي،دي نعله على أبو طاهركم، أتحركو شويه ،تبسمرت رجليكم ، شنو حرنتو مثل هذولاك الربع . شنو عرفتو عنوان فلم اليوم بالسينما، بس لا تنتظرون نطب وياكم للسينما حتى تتفرجون وتشوفون شلون راح يصير تأليف الحكومة وإطلاق سراح الميزانية. دي ولكم دي.



#فرات_المحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أكل الطلي الهرفي
- مهام ليست بالسهلة ولكنها ليست مستحيلة
- هل هناك تحولات مرتقبة للانتفاضة العراقية
- الأكاديمي حين يخطئ
- ما آل أليه حال سائرون
- مطاردة الأشباح
- وحدة قوى التيار الديمقراطي هل من مرتجى؟
- الإطاحة بعمر أحمد البشير كان طبخة سعودية
- هل السيد عادل عبد المهدي رجل مجموعة مستقبل العراق؟
- شعار الصداقة بين الشعوب بين النظرية والمآل.
- شعار الصداقة بين الشعوب، بين النظرية والمآل.
- يقال تمخض الجبل فولد فارا
- الولاء والحراك الجماهيري
- ضباع مجالس المحافظات
- خرج أو صرة أو خزائن السيد حيدر العبادي
- هل قرأ المكتب الاستشاري للحزب الشيوعي العراقي اللوحة جيدا؟
- تركيبة الحشد الشعبي، هل تؤهله أن يكون ظهيرا للقوات المسلحة ا ...
- شارع المتنبي تغتاله بسطات الكتب
- فضائح انتخابات الخارج تتكرر دون حياء
- صالات قمار الانتخابات البرلمانية


المزيد.....




- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...
- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرات المحسن - فلم سينمائي