أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ساطع هاشم - تائهاً في حجرة














المزيد.....

تائهاً في حجرة


ساطع هاشم

الحوار المتمدن-العدد: 6509 - 2020 / 3 / 9 - 10:46
المحور: الادب والفن
    


لقد رحلت قبل اندلاع حرب المردة المؤمنين أولاد الشيطان ولم يتسنى لها ان ترى حقيقة حدسها وهواجس قلبها المعذب وهذه هي الحقيقة، ولم يبقى لي اليوم من ذكرى الحجرة التي جمعتنا سوى وحشتها وأفول نجمتها وشقاء العاجز الباحث عن نقطة ارتكاز بعد ان غابت ابتسامتها ومرحها بين تلافيف الحياة وحروب المتدينين واتباع الآلهة والطوائف في كل مكان

في تلك الحجرة جمعتنا الصباحات والليالي الباردة، وكان كلما غزاها ظلام المساء انحسر المكان الذي نتحرك فيه الى بضع اقدام بفعل العتمة، وفي احيانٍ كثيرة كان هذا يشعرنا بضعفنا وكاننا في أعماق الهاوية، لأننا لم نكن سوى جسدين عاريين وقليل من الروح وشيئا من الفكر الحر وقد تقلصت إمكانات حركتنا بانعدام النور الى الصفر، وكان هذا غالباً مايزيد من حدة خيالنا ووجدنا، وتصورنا للمحيط والتصاقنا ببعضنا ويختلط علينا المرئي بالمحسوس
وذات مرة ونحن في هذه الحالة من الغياب خَفَتَ صوتها فجأة وتاهت بين السكون والدموع، وكأن مللا لا حدود له قد أصابها، وصارت بلا صوت او رنين، وواصلت حديثها بهمس خافت لم يستمر طويلًا ولم افهم منه الا الغموض
لقد كانت غارقة بالأسى وهي الى جواري وتمد يدها وأصابعها المليحة الرشيقة والمليئة بالخواتم كل لحظة بالهواء وكأنها تشير الى آلامها التي بدت اكبر من حجمها وشكلها بفعل الدموع، والزمن الذي يمزقها، ثم تركت هذه الشوارد وعادت الى ضمي اليها والى ضحكنا وعبثنا وقالت لن نطلب تشاؤماً وتسولاً اكثر مما نحن فيه

وقبل ان تغفو تلك الليلة سألتني، اذا كنت اعرف شيئًا عن دوائر الساعات او مثلثات النظم الهرمية وتسلسل السلطات وإذا كانت حياتنا خدعة ام حقيقة، وإذا كان الانسان يعلم ذاته حقاً، ولم أتمكن ولا مرة واحدة من الإجابة على أي من أسئلتها تلك وكنت أقول لها باني لا أعلم ولم يخطر على بالي في أي يوم من الأيام ان أضيع وقتي بالتفكير بمثل هذه الطرهات وبمثل هذه الأفكار الجميلة لأنها خائبة لا تنفع او تضر، ولا تواسي احداً في محنة او شجاعاً في ورطة او واحداً مثلي هارباً من المعاني السود
وتحسست يداي جبهتها وتركتها هناك لبعض الوقت حتى قهرني ضعفي، لكنها بادرتني بحركة ولمسة ناعمة اعادت لي الوعي، لقد كانت تحيا بقلب عامر بالمحبة وتعتقد بان أحلامها لن تتحقق يوماً ما، ومن الصمت سألتني وكأنها تتحدث عن مأساة كبرى:
هل تمقت الشيخوخة؟، الصغار بالسن يمقتون الشيخوخة والشيوخ
وتجاهلت امرها فقد كان دماغي يعج بالبحث عن طريقنا بين الطرق، ونحن نسكن المسكن السيىء وحيدين تختلط حياتنا بالفن والخيبات وعصر الآلة ونحاول جاهدين ان نجد لنا موطئء قدم في هذا الضجيج
تم استدارت نحوي وقبلتني وقالت: ان الدنيا عرض زائل بل خيال لا حقيقة وأنشدت:
العيش نوم والمنية يقظة. والمرءُ بينهما خيال ساري
واستمرت بالخيال وقالت:
ستقوم حرب عظمى بين المردة والآلهة وستنتهي بموت الجميع وخراب العالم ولكنه موت مؤقت ريثما تتجدد الأرض بسماء أخرى اجمل وأبهى. ثم احتضنتها وقبلتها وقلت لها بأن هذا اسعد خبر وأجمل نبوءة سمعتها في حياتي ولابد انها ستتحقق، واختلطت اقدامنا وأجسادنا واصابعنا تحت رداء الليل بانتظار سماء اجمل وأبهى وكانت هذه هي المرة الأخيرة التي تطرق بها أسماعي صوتها، ولم أراها بعد تلك الليلة ابدا

لقد رحلت بكل شبابها وعنفها وضعفها ومشاغلها وعبث السنين الطوال
لقد رحلت وهي الان في ذكراها اكثر خلوداً من مذابح الدم وليالي الزمهرير
لقد رحلت وتركتني تائهاً في أعماق حجرة مظلمة بلا قرار، وتلك هي الحقيقة



#ساطع_هاشم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقبرة في الشتاء
- هل يعيش القتلة سعداء؟
- دولة الفساد الخضراء
- شعلة تشرين
- معارك بالخريف
- اورفيوس العراقي
- نور مروان – الفراشة الشهيدة
- سأرحل وانا اسف
- تشرين الجبار
- عندما رسمني الفنان فائق حسن وطلبته
- بيض الغربان
- الشهداء القلائل
- عربات الخريف
- ستون سنة وبضع ليالي
- ضياء بلا ظلال
- السياسة في أزياء خلفاء المسلمين
- رموز الاحتجاج العالمية الملونة
- يوم المرأة البرتقالي
- اصفر الشمس والشعاع البهلواني
- شيء من تاريخ اللون الاسود في العراق


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ساطع هاشم - تائهاً في حجرة