أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - ديسْفيرال. . حياة ناقصة تستعير ذاكرة الآخرين















المزيد.....

ديسْفيرال. . حياة ناقصة تستعير ذاكرة الآخرين


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 6208 - 2019 / 4 / 22 - 10:29
المحور: الادب والفن
    


يُطوِّع نوزت شمدين في روايته الجديدة "ديسْفيرال" الصادرة عن دار "سطور" ببغداد الثيمة العلمية، ويروِّض عناصرها المعقّدة والعصيّة على القارئ العادي بدءًا من العنوان Desferal، مرورًا بمرض الثلاسيميا، وانتهاءً بزراعة نخاع العظم، وما بينهما من مصطلحات طبيّة عديدة تستدعي قارئها إلى البحث في الإنترنيت لمعرفة معانيها، وفكّ طلاسمها العلمية بُغية الإحاطة بهذا المرض، والوقوف عند العلاجات الطبيّة المتاحة.
يُوحي العنوان للوهلة الأولى بالغموض وربما يُشوِّق القارئ لمعرفة معنى هذه العتبة النصيّة الغريبة التي تتأخر حتى الخُمس الأول من الرواية لنعرف أن الديسْفيرال، هو الاسم التجاري لدواء الديفيروكسامين الذي يستعمل لتمخلب الحديد الزائد في الجسم والتخلّص منه للمرضى المصابين بالثلاسيميا التي تعني فقر الدم المزمن.
لم يسرد شمدين هذه المعلومات دفعة واحدة وإنما قدّمها على شكل جُرعات متفرقة سهّلت عملية هضمها واستساغتها من قِبل أفراد الأسرة المفجوعة التي فسّرت هذا المرض على طريقتها الخاصة، وقَبِلت به كقَدَر هابط من السماء، وليس كحقيقة علمية دامغة لا علاقة لها بالتأويلات الخرافية التي تجترحها الذاكرة الشعبية من الخزعبلات والأوهام والأساطير.
يعتمد النسق السردي للرواية على ثلاثة أجيال وهم الآباء عزّام ومجيد، والأبناء سليم وزاهدة، والأحفاد جابر وإيثار. يقتصر جيل الآباء على الشقيقين عزّام سعيد ومجيد سعيد اللذين تنازعا للظفر بـ "شمس" فحظي بها الأخ الأكبر عزّام، ثم تنافسا على لقب الشيخ فأفضى بهما هذا التنافس إلى القطيعة النهائية بين الأسرتين لكن قصة الحُب التي ستجمع بين سليم مجيد وابنة عمه زاهدة عزّام هي التي سترمم جانبًا من العلاقة المقطوعة بين الطرفين وستسمح بحدوث هذه الزيجة على مضض بعد موت الشيخ عزّام برصاصة طائشة في أثناء الاحتفال في نهاية حرب الخليج الثانية عام 1991 حيث قُيدت الحادثة ضد مجهول.
حملت زاهدة بجنينها الأول لكنها سرعان ما أجهضته بسبب الأشغال الكثيرة التي تنوء بها في المنزل الكبير الذي يضم والديّ سليم وشقيقاته الأربع، ثم أجهضت جنينها الثاني وظهر أنها مُصابة بفايروس المقوسات الغوندية Toxoplasmosis الناجم عن تلوّث الفواكه والخُضار أو تناول لحوم الخراف والأبقار غير المطهيّة جيدًا وما إلى ذلك من أسباب صحيّة غير أنّ القابلة "عفاف" بشرّت العائلة بأن الجنين الثالث سوف يصمد لتسعة أشهر كاملة من دون أن يتعرّض لخطر السقوط وأنّ المولود سوف يكون ذكرًا بحسب خبرتها المتراكمة فجاء جابر وفرحت به الأسرة برمتها لكنه ما إن بلغ شهره السادس حتى انتبهت الأم إلى أن لون عينيه يميل إلى الاصفرار فطمأنتها حماتها بأن هذا المرض يُدعى "أبو صفار" وهو يصيب الأطفال في كل زمان ومكان. لم يقف الأمر عند تشخيص الحماة وإنما تعدّاه إلى أناس آخرين، فالقابلة شطّبت منطقة خلف الأذنين بموس حلاقة فسالت منه دماء كثيرة، ثم أدلى العشّاب والبقّال والحلاق وإمام الجامع بآرائهم المتناقضة التي تنأى عن الحقائق العلمية وتقترب من الأوهام والتصورات الخاطئة فهو مُصاب بالثلاسيميا ويحتاج إلى التزوّد بدماء جديدة مرة واحدة في الشهر طوال حياته. ثم يفهم الأبوان أنهما حاملان لسمة المرض وأنهما السبب المباشر لإصابته بفقر الدم المزمن وليس أمامه سوى فرصة واحدة للنجاة وهي إجراء عملية زرع نخاع العظم في الخارج. تطول معاناة جابر ونتعرّف كقرّاء على كل تفاصيل هذا المرض الخطير الذي كان مختبئًا في جسديّ الأب والأم. وعلى الرغم من الآلام التي ترافق عملية نقل الدم إلاّ أن السبب لا يكمن في عدم فلترة الدم أو فصل أجزائه كما يقول الأطباء، وإنما بسبب حلول شيء من روح المتبرع في جسده، الأمر الذي يجعله بعد زوال الألم أن يرى جانبًا من حياة المتبرع، ويطلّع على أسراره، ويعرف خبراته وتجاربه، ويلّم بأفراحه وأحزانه فلاغرابة أن تكون ذاكرته الفردية مَنجمًا من الأفكار والقصص والمعلومات المنوّعة التي انتقلت إليه تلقائيًا مع الدماء الجديدة من متبرعين مسلمين ومسيحيين، أغنياء وفقراء، متدينين ومُلحدين، متعلمين وأميّين، موظفين وعاطلين عن العمل لا تجمعهم سوى الطيبة وهي القاسم المشترك بين كل المتبرعين المجهولين باستثناء دماء والده التي سرتْ في شرايينه وأوصاله فعرف عنه كل صغيرة وكبيرة.
لا يمكننا كقرّاء أن نصدّق هذا المنحى الفنطازي لكننا نقبل به كفعل خارق للعادة حين يتحدث عن القرآن الكريم، ويقدّم معلومات دقيقة عن عدد أجزائه وأحزابه وآياته، وأطول السور وأقصرها، أو حين يتحدث عن الجسر الحديدي، وطريقة صبّه في المملكة المتحدة، وشحنه إلى ميناء طرطوس قبل أن تُنقل أجزائه إلى مدينة نينوى، أو حين يتحدث عن السيد المسيح بدقة متناهية حتى يعتقد الأب أن ابنه قد أصبح مسيحيًا في حين أن واقع الحال يشير إلى أنه استشفّ هذه المعلومات من دماء المتبرعين التي صارت جزءًا من نسيج ذاكرته الشخصية فلا غرابة أن يأخذ درجات كاملة في كل الدروس باستثناء درس الرياضة لأنه مريض ويعاني من ترقّق العظام وهشاشتها.
تتعالق المحنة الفردية لجابر وأسرته مع الإمام الداعشي شجاع الذي طلبَ من والد سليم أن يحوّل ابنه جابر إلى كائن مفخخ يفجّر نفسه بين الكفّار المحتلين ويضمن الجنة لنفسه والشفاعة لأهله. وحينما يرفض الأب هذه الفكرة متذرعًا بمرض ابنه، وصغر سنه يُدهمهم شجاع مع ثلاثة ملثمين ويجردهم من كل الأموال التي جمعوها لإجراء عملية زرع نخاع العظام في الخارج لكن هذا الإمام الدّعي سوف يُقتل هو وأفراد عصابته وتُعلّق جثثهم على أعمدة النور.
ثمة أحداث وتفاصيل كثيرة تصوّر معاناة جابر من زرق الأبر، وإعطاءه حامض الفوليك والكالسيوم كل يوم ونقل الدماء الجديدة إليه كل شهر تقريبًا، هذا إضافة إلى سخرية الأطفال الذين يشبّهون أنفه بأنف القرد، وجلده بجلد الضفدعة، وبراطمه ببراطم الجمل. تزدان هذه الرواية بعنصر الأمل فبعد أنّ ملّ المريض من إبر الديسْفيرال حلّ دواء الأكسجيد مثل نعمة إلهية لكن ما إن تناوله حتى أصيب بنزيف في المعدة، والتهاب في المثانة الأمر الذي دفع الطبيب للعودة إلى الديسفيرال مجددًا. ولم يبق أمامه سوى عملية زرع نخاع العظام التي دفعت الأبوين لإنجاب طفل آخر أسمياه إيثار على أمل أن يحصلوا على تطابق نسيجي كامل بين الأخوين. وبعد إجراء الفحص المختبري في الموصل توصلوا إلى هذه النتيجة الإيجابية التي قلبت حياتهم رأسًا على عقب لكنهم ما إن وصلوا إلى مدينة كالياري الإيطالية حتى نزل عليهم الخبر نزول الصاعقة لأن فحوصاتهم المختبرية أثبتت عدم وجود تطابق نسيجي كامل بين الشقيقين الأمر الذي يعني تعذّر إجراء عملية الزرع وأن كل الجهود الكبيرة التي بذلوها ذهبت أدراج الرياح. عندها فقط يصرخ سليم قائلاً:"أنا المجرم الذي يستحق العقاب". ثم يسرد حكاية قتل عمه عزّام الذي لم يُصب برصاصة طائشة يوم الاحتفال، وإنما هو نفسه من قتله متعمدًا كي يتزوج بزاهدة التي أحبّها إلى درجة الهوس والجنون لكنها ستنفصل عنه إلى الأبد بمجرد وصولها إلى المنزل، وعودة جابر إلى أدويته القديمة التي تأخذه إلى عالمها السريّ الذي يتيح له أن يتألم ويحتج ويبكي كما يشاء.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معالجة جديدة لثنائية الشرق والغرب في فيلم تبّولة وباي
- الفنان علاء جمعة يوثِّق الذاكرة العراقية بعين تشكيلية
- أصوات سورية تضيء المشاعل، وتحنّي عَتبات البيوت
- صيف مع العدوّ رواية ترصد التحولات الكبرى في سوريا
- (شمس بيضاء باردة) رواية جريئة تُقاصص السلطة الأبوية والسياسي ...
- برنامج -أمير الشعراء- يتألق في موسمه الثامن
- بأيّ ذنبٍ رَحلَتْ؟ رواية تستبطن الشخصية المغربية المثقفة
- إدوارد بيرن- جونز. . الفنان الذي وظّف الأساطير، وعمّق لوحته ...
- سيرة الفراشة: نص روائي مطعّم بشذرات ميتا سردية
- عودة نوعيّة لمهرجان الفيلم الفلسطيني في لندن
- قصص قصيرة جدًا لمحمد حياوي بنهايات تنويرية
- جسور الحُب . . رواية لا تحمّل الأبناء وزرَ ما ارتكبه الآباء
- ليلة المعاطف الرئاسية. . رواية كابوسية مطعّمة بالسخرية السود ...
- أُنشودة حُب. . رواية رومانسية بحُلّة تاريخية
- استجواب الرئيس. . سنوات الطفولة هي المفتاح لفهم شخصية الطاغي ...
- الدكتاتور بطلاً. . الشخصية التي تقمصت سيَر الأبطال وتماهت به ...
- سيرة هجومية حادّة على الثقافة الأنكَلوساكسونية
- رواية -الخريف- لآلي سميث ومثلث الصداقة والحُب والفَناء
- ناسك في باريس . . سيرة الذات المشطورة التي تبحث عن هُوية ضائ ...
- الكُتب التي التهمت والدي.. رحلة ذهنية للولوج في عالم الأدب و ...


المزيد.....




- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - ديسْفيرال. . حياة ناقصة تستعير ذاكرة الآخرين