جمرة الشعر تتوهج رغم الالم


حبيب النايف
2018 / 12 / 7 - 21:56     

جمرة الشعر تتوهج رغم الالم


الشعر وجع لذيذ يستفز الروح ويثير آهاتها بالكلمات ليشذب ما علق بها كي تبقى ناصعة البياض.هو عملية ارتقاء الى الاعلى يحاول الشاعر اللجوء اليها كي يهرب من القلق الذي يقيم معه علاقة صداقة , ليحط على اغصان طمأنينة مفترضة قد تدخله كهوف الهدوء والاستقرار والتي يعتبرها خلاص الفرد والجماعة من الهم المتربص بهم لذا يسعى باستمرار للإفلات منه , لكن دون جدوى .
بين قاتل معلن وتراتيل بلون التوبة يقف الشاعر عمار كامل داخل ممسكا بجمرة الشعر متخذا منها بوصلة تحدد له الاتجاهات التي يسلكها بعد ان تسلح بما يملكه من خيال واسع للتطواف حول العالم الذي يحيط به ومنه يستل مواضيعه بطريقة متأنية وقابلة للمراجعة في كل مرة .
الشاعر عمار كامل حين يطل علينا بمجموعته الشعرية الثانية(تراتيل بلون التوبة ) فانه يأخذنا معه برحلة في هذه الحياة التي تملاها المتناقضات وتحيط بها المشاكل والهموم من كل جهاتها رغم بصيص الضوء الذي يطل عليها من ثقوب متفرقة وقليلة لكنها تبقى الامل الذي نبحث عنه ونحاول الامساك به ليأخذنا معه الى العوالم الجميلة التي نحلم بها .
في نص( تراتيل... بلون التوبة ) يحاول الشاعر الولوج الى الماضي واستحضار الاسطورة والتعامل معها بتصرف وكانه يريد الاشارة الى ما نمر به في الوقت الحاضر والمحاولات اليائسة التي نقوم للتخلص من واقعنا الذي نعيشه لكن دون جدوى حيث يقول :
((هبط الضباب
في كل ركن من زوايا الارض
يلتحف التراب
يتوسد الاسطورة العمياء
بحثا عن سراب
يدعو تمائمه الحزينة
ان تجيب ,
فلا يجاب ))
وكانه بذلك قد فقد الامل بالتغيير وان كل نداءاته تذهب هباء بدون ان يكون لها صوت مسموع لكنه رغم ذلك يبدا بتكرار النداء والمحاولة رغم اعتقاده بانها لم تصل الى نتيجة وان الطرق الملتوية التي تستخدم للتضليل كفيلة بترويض الاصوات العالية وخنقها عند حد معين من النداء الذي لا يرتجى منه شيء الا القبول بالأمر الواقع حيث يقول :
(( سينوءُ سيزيف الكبير بحمله
فالصخرةُ الصماءُ
حمل الخاطئين
الخارجين من النعيم الى الجحيم
لن يهربوا من كل ما نسج القدر
فقيود هاديس الصقيلة في الظلام
افعى تطارد صيدها كل العصور)) .
عمار كامل يلتصق بمدينته حيث يعتبرها التربة الخصبة التي نمت جذوره فيها, منتهلا من ثقافتها لذلك لا يستطيع ان ينسى شوارعها واهوارها وفراتها العذب واثارها الشامخة التي يعتبرها الينابيع التي ارتوى من نبعها المتجدد, وظل وفيا لارثها وحضارتها حتى لو كان في اجمل بقعة يشعر فيها بالراحة الوقتية والتي لا تستطيع ان تنسيه المدينة الام وهذا ما نلاحظه في نص (اشتياق )الذي كتبه وهو في مدينة اسطنبول التركية حيث يقول :
( كلما حاولت ان الفظ اسمك في خيالي
يتلاشى من خلالي
يخترق ظلمة روحي كالدخان
يطفو في صدري سؤالي
هل لقاء ؟ ربما يجمعنا في لحظة .
ازفر الشوق الحبيس
بين احضانك
اروي عطشي واصيح
((ناصرية ....ناصرية )).
ويعبر عن ضياعه وغربته داخل الوطن بما يجول به خياله وما يتراءى له من حزن والم يمسخ منه انسانيته ليجعله كانه يعيش في حفرة يرتجف كالعصفور بعد ان فقد حريته وضاعت حقوقه واحلامه التي كان يمني النفس ان يحققها وهذا واضح في نصه (رسالة ...تحت الاتهام )المقطع الاول :
((رفيقتي
رغم تسرب الدماء من كل مسامات الوطن
نظل كالقطيع نتبع الاجراس للطعام والعمل
نعود كل ليلة
محملين بالعشاء والرجاء والامل
لنطعم الصغار
خبز بطعم الذل والهوان والوجل
نخشى الخروج من قيود بؤسنا
فنتبع الظلال في مجاهل الدروب ونبتسم
لعل بؤسنا يوما سينتهي
او ربما يقتله الخجل ))
رغم ما يحاصره من ضياع وحزن فانه يبقى مفتونا بالماضي ويحاول استعادته في نصوصه والتعامل معه على انه حاضر معنا نستمد من الحب والجمال والقوة حيث خاطب اينانا (الهة السماء والحب والجمال والقتال في العصر السومري (وتلفظ باللغة البابلية عشتار ) وهي حبيبة الاله تموز اله الخصب والنماء في نص (اسر اينانا )يقول :
((مبدعة مقدسة ,سيدة السماء والقمر
سيدتي ضوء منير في الظلام للبشر
واهبة الحياة للانام والتراب والشجر
سيدة البشر
لك الشعوب اذ تدين بالولاء
شاهقة اعلى من الجبال والسحاب
يامن يفيض خيرك الوفير كالمطر )).
ان النص عند الشاعر عمار كامل داخل يتشكل بنسق لغوي قد يكون منفردا او يتداخل مع بعضه مما يجعله يتسم بإيقاع داخلي يشد المتلقي له ويجعله متواصل معه الى نهايته
كما ان الصورة الشعرية عنده قد تظهر بشكل مباشر او قد يوحي لها عن طريق الاشارة التي قد تشغل القارئ لاكتشافها
ان الشاعر عمار كامل داخل في مجموعته الشعرية الثانية يثبت بانه قادر على العطاء والتواصل وانه صوت شعري واعد لازال الطريق امامه من اجل تقديم المزيد من الابداع