أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد أحمد الزعبي - محاصرة الحصار - إعادة نشر















المزيد.....


محاصرة الحصار - إعادة نشر


محمد أحمد الزعبي

الحوار المتمدن-العدد: 6002 - 2018 / 9 / 23 - 15:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



تمثل هذه المقالة "مذكرة" سبق للكاتب أن أعدّها في إطار مساهمته في أعمال الندوة الدولية حول " مفهوم وممارسة الحصار من وجهة نظر القانون الدولي " والتي انعقدت في مدينة الرباط المغربية في الفترة من 11 ـ 13 نوفمبر 1999 بدعوة من" اللجنة الوطنية المغربية لدعم العراق" المكونة من عشر منظمات شعبية وحزبية مغربية وشاركت في أعمالها الأمانة العامة لمؤتمر القوى الشعبية العربية . إن الكاتب إذ يعمد إلى نشر هذه المذكره في هذا الوقت بالذات ، فلسببين اساسيين : أولهما هو أن ماورد فيها عام 1999 مايزال صالحا ـ من وجه نظر الكاتب ـ لتفسير ماجرى ويجري وربما ماسيجري على الساحة العربية عامة والعراقية خاصة قبل و بعد الإحتلال الإنجلو ـ أمريكي للعراق وثانيهما ، هو رغبة الكاتب في أن يعيد قرع جرس الإنذار ـ بعد مرور عام على التآمر العربي والدولي على احتلال العراق ـ أمام " الرفاق " في دمشق ، ويقول لهم بصوت عال لالبس فيه " الكلام لك واسمعي ياجارة " ( فبراير 2004 )
. ليست الحرب المستمرة باشكال وصور مختلفة ومتعددة على العراق ( عاصفة الصحراء ، ثعلب الصحراء ، الحصار المستمر منذ أكثر من عشر سنوات ...) والتي حصدت وتحصد أرواح الألوف من أهلنا وإخوتنا في العراق ، سوى حلقة في سلسلة الصراع الوطني والقومي المشروع مع الإمبريالية العالمية ورأس حربتها الصهيونية منذ بدايات هذا القرن ، حيث أن 84% من البلدان النامية عامة والوطن العربي خاصة كانت حتى عام 1914 قد وقعت تحت الإحتلال الإمبريالي الغربي ، الذي إضافة إلى استغلاله البشع لثرواتها الطبيعية والبشرية ، عمل مابوسعه وما زال يعمل حتى اليوم على منعها من الوقوف على قدميها ولحاقها بركب الدول المتطورة تقنيا وصناعيا ، وبالتالي اقتصاديا واجتماعيا .
إن تغيير الدول الإستعمارية لثوبها ثلاث مرات خلال قرن ، حيث تحولت من الآستعمار القديم المباشر إلى الاستعمار الجديد غير المباشر وأخيرا إلى مابات معروفا باستعمار العولمة ، لم يغير ـ من حيث المضمون من حقيقة هذا الإستعمار شيئا ، وليس أدل على ذلك من تلك الوقائع والأرقام الدامغة التي أوردها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام1998 ، والتي تشير بصورة أساسية إلى :
1. يستهلك 20% ممن يعيشون في البلاد الأكثر غنى في العالم 86% من مجموع السلع والخدمات .
- تفوق ثروة ثلاثة أشخاص فقط وهم الأكثر غنى في العالم مجموع الدخل الصافي ل 48 دولة هي الدول الأكثر فقرا في العالم .
- يملك 48 شخصا فقط مايوازي مالدى الصين الشعبية بسكانها المليا ر و200 مليون نسمة .
- يعيش 300 ملين إنسان في العالم على دولار واحد فقط يوميا ، ويعيش ثلاثة مليارات على دولارين
و لايتجاوز الإنفاق الحكومي على الضروريات الأساسية في البلدان النامية ، بما في ذلك على الصحة والتعليم 4% من حجم ثروة 225شخصا هم الأكثر ثراء في العالم .
- ويمكن أن نضيف إلى هذه القائمة ماأورده أحد السياسيين الألمان في كتاب صدر له قبل أقل من شهر من الآن ، من أن ثمن الطائرة الواحدة من الطائرات الأمريكية B-2 Bomber التي كانت تقصف يوغسلافيا يعادل مجموع الدخل الاجتماعي الصافي لألبانيا (1) وما أوردته جريدة LVZ من أن 358 مليارديرا في العالم يملكون بقدر مايملكه نصف سكان هذا العالم . ( تاريخ 5 / 11 /1996 ) .).

2. إن العوامل التي سمحت لهذه الصورة العالمية البشعة أن تحصل وان تستمر حتى اليوم ، بل والتي تبدو اليوم أكثر بشاعة من أي وقت مضى هي بصورة أساسية مايلي :
2 ـ1 الحلف غير المقدس بين المصنع والمدفع اللذ ين كانا ثمرة التطور المعرفي البشري على مدى آلاف السنين ، واللذين وضعت أوروبا يدها عليهما واستخدمتهما استخداما مزدوجا ، فمن جهة لإنتاج وتطوير السلع والخدمات ، ومن جهة ثانية لمنع البلدان الأخرى من امتلاكهما ، وغني عن القول أن أحد أهداف أمريكا المعلنة من حرب الخليج الثانية (حرب حفر الباطن) كان تدمير القدرات العلمية والمعرفية للعراق ومنعه من امتلاكهما مستقبلاً .
2 ـ2 الهيمنة على وسائل الإتصال والإعلام وتوظيفها في غسل أدمغة الناس ، بمن فيهم مواطني الدول الأوربية ذاتها ، وتزييف وعيهم بغية جعلهم يرون الأمور كما تحب هي (وسائل الإعلام ) أن يروها وليس كما هي بالفعل . وبطبيعة الحال فإن الديموقراطية و / أو حقوق الإنسان و / أو مكافحة الإرهاب هي الصابون الذي تستخدمه هذه الوسائل في عملية غسل الأدمغة هذه . يقول روجيه غارودي " وهكذا يخلق اقتصاد السوق سلطة جديدة " ديمقراطية " مؤلفة من الثالوث الأسود الذي يضم ، مدير شركة الإتصالات ومعه من يملك القرار في شبكة التلفاز ، ورئيس الحزب السياسي ، وتصبح الديمقراطية الإسم المستعار سياسيا لاقتصاد السوق " ( مجموعة باحثين ، نظام التضليل العالمي ،ترجمة غازي أبو عقل ، دمشق 1994 ، ص 180 ) . ومن المعروف أن ثلاث وكالات أنباء هي ، رويتر ووكالة الصحافة الفرنسية ، ووكالة الصحافة المتحدة " تغربل وتفرز للعالم كله ماينبغي قوله وما ينبغي رفعه إلى مرتبة الحدث " وأن سادة الإعلام الثلاثة في عصرنا ( مردوخ وماكسويل في بريطانيا وهيرسانت في فرنسا ) يعتبرون الإعلام والأخبار سوقا كغيرها، تباع فيها الصور والمشاهد كما تباع الأحداث والوقائع ( أنظر نفس المرجع السابق ص 179) .
وبالنسبة للوطن العربي ، فإن المملكة العربية السعودية تسيطر على 95 % من كافة الصحف والمجلات الصادرة باللغة العربية في الوطن العربي وخارجه وكذلك من الراديو والتلفزة ( أنظر مجلة إنامو الألمانية ،العدد12 ص8 ، وكلنا رأى و/ أو سمع ماعرف لاحقا ب " أكاذيب حرب الخليج " ، كيف كانت معظم وسائل الإعلام العالمية ولا سيما التلفزة ، تركز على الصورة المزورة للبطة الملوثة بالنفط وهي تحاول تفادي الغرق ، في حين يتم تجاهل قصف قوات التحالف لمدارس الأطفال ، وللمستشفيات ، ولملاجئ المدنيين العزل ( ملجأ العامرية خاصة) .
نعم إنه الإعلام المتحيز والغارق حتى أذنيه في مستنقع الأيديولوجيا الصهيونية .
2 ـ 3 اللعب بورقة الحداثة والربط بين هذا المفهوم وبين مفهوم التصنيع ومن ثم ربط هذين المفهومين مع مفهوم الليبرالية أي عمليا اللجوء إلى التدليس المعرفي لربط مفهوم الحداثة بمفهوم الرأسمالية . وبما أن الحداثة مرتبطة بذهن غالبة الناس بعملية التطور والتقدم بوصفها مسألة موضوعية وضرورية ، فإن ربطها بالرأسمالية إنما يضع هؤلاء الناس أمام إشكالية نظرية وعملية زائفة ، مفادها : أن على المرء أن يقبل المفهومين معا أو أن يرفضهما معا !
2 ـ 4 اللعب بورقة الأقليات ( الدينية ،الطائفية ، القومية ، الطبقية ، القبلية و الجهوية ) من حيث ربط هذه المسألة ربطا صحيحا أحيانيا ومشوها غالبا وانتقائيا دائما بمسالة الديمقراطية وحقوق الإنسان .
2 ـ 5 استخدام المؤسسة العسكرية في البلدان النامية من قبل الدول المتطورة اقتصاديا وتقنيا ـ وهي غالبا الدول الامبريالية ـمن أجل إيصال عملائها أو القابلين بقيمها وثقافتها إلى السلطة ، حتى ولو تعلق الأمر باقلية منبوذة ومرفوضة من الأغلبية الساحقة من المواطنين . إن هذا لايلغي بطبيعة الحال ، أن الجيش هو من طينة الشعب ، وأنه قد لعب دورا إيجابيا في العديد من الحالات وفي العديد من البلدان .
2 ـ 6 اللجوء إلى الحصار الاقتصادي والاعلامي والثقافي والسياسي ضد الدول التي تشق عصا الطاعة ( كا لعراق) خلافا لكل الشرائع والقوانين وبما في ذلك تلك الصادرة عن هيئات الأمم المتحدة الرسمية ، والأمثلة على ذلك كثيرة ومعروفة.
2 ـ 7 اللجوء إلى القوة العسكرية ، وإلى استخدام الأسلحة المحرمة دوليا في إطار من العهر السياسي والاعلامي ، ومن إسكات للآخرين إما بالعصا وإما بالجزرة أو بهما معا . إن المثال العراقي هنا يعتبر حقيقة ملموسة تفقأ العيون .
2 ـ 8 الهيمنة على القرار الدولي عبر الهيمنة على مجلس الأمن ، سواء بالوعد والوعيد أو باستخدام حق الفيتو .إن ميثاق الأمم المتحدة بنصه على حق الفيتو للدول الخمس الأقوى في العالم قد ولد وهو يحمل جرثومة اللاعدالة واللامساواة بين الأمم والشعوب ،بل جرثومة تسلط القوي على الضعيف . إن وجود دولتين إشتراكيتين بين دول الفيتو قد خفف إبان فترة الحرب الباردة من حدة هذا التسلط ، ولكن سقوط الإتحاد السوفياتي ورمادية الموقف الصيني الغالبة قد أعاد القرار الدولي إلى يد الدول الراسمالية ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية وجعل من هذه الدول الخصم والحكم معا في كل القضايا والخلافات الدولية ، وخاصة منها مايتعلق بالدول النامية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية .

3 . إ ن التطبيل والتزمير لنظام عالمي جديد يشهد نهاية الأيديولوجيا! ونهاية التاريخ ! والمتاجرة بشعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان بوصفها الإبن الشرعي للاقتصاد الرأسمالي ينبغي ألاّ يحجب عنا نحن أبناء البلدان النامية وبالذات في الوطن العربي حقيقة أن هذه الشعارات إن هي إلاّ كلمات حق يراد بها باطل ، وأنه من جهة أخرى لايمكن المراهنة على التناقضات السياسية والاقتصادية التي تطفو على سطح النظام الرأسمالي هنا وهناك وبين الفينة والأخرى ، ذلك أن هذه التناقضات محكومة بسقف عدم الإضرار بثوابت هذا النظام ، أي بالمصالح المشتركة التي تجمع أكثر مما تفرق ، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالمواجهة مع دول الجنوب عامة ومع العالم الإسلامي خاصة ومع العالم العربي على وجه التحديد . إن قيام وسائل الإعلام المختلفة بحجب طبيعة وحجم استغلال الدول الصناعية المتطورة للبلدان النامية ، أدى في كثير من هذه البلدان الرأسمالية إلى خلق حالة من اللامبلاة وعدم الإكتراث من قبل المواطن العادي بما يجري على الساحة الدولية .
. لقد استشهد السياسي والمفكر الألماني المعروف أوسكار لافونتين في كتاب له بعنوان " القلب يخفق يسارا" بالشاعر اليوغسلافي شارلز سيمك الذي وصف دور وسائل الإعلام الغربية في تزييف وعي المواطن الغربي على النحو التالي: " إن باستطاعتنا الآن أن نجلس على أريكة مريحة في غرفة الجلوس ، مع كأس من البيرة الباردة وقليل من البطاطا المقلية ونتابع مشاهدة قصف بغداد أو بلغراد ليلا . إنني على يقين ـ يتابع سيمك ان مثل هذا المشهد كان سيقع عندما قصفت هوريشيما ودريسدن لو ان التكنولوجيا كانت قادرة آنذاك على نقل هذا القصف على الهواء مباشرة "

4. بالنسبة الى عالمنا العربي ، وبالنظر إلى حساسية موقعه الجغرافي وتوفره على العديد من الثروات الطبيعية ولاسيما النفط ،عصب الصناعة الحديثة ، فقد كان اهتمام الغرب به ـ لسوء الحظ ـ زائدا عن اللزوم ، حيث تم اللجوء إلى عدد من الإجراءات التآمرية الإمبريالية التي تكفل لهذا الغرب الهيمنة على الوطن العربي حتى آخر قطرة نفط فيه . أبرز هذه الإجراءات :
4 ـ 1 زرع الكيان الصهيوني في قلب هذا الوطن كيما ينوب عن النظام الرأسمالي الغربي في إخضاع الأمة العربية عبر ترسيخ تجزئتها التي رسمتها اتفاقية سايكس ـ بيكو سيئة الذكر , وتعطيل تنميتها عامة والاقتصادية منها خاصة ، واستنزاف ثرواتها ، وعسكرة نظمها ، وتزييف وعي أبنائها ، وصولا بأنظمتها وشعوبها إلى الضعف فاليأس فالتسليم فالاستسلام ، وهو ما تحاول كافة الأنظمة العربية الراهنة ( أنظمة الجامعة العربية ) تمريره فعليا بحجة الواقعية السياسية ، وتحت اسم حركي مضلل أطلقوا عليه زورا اسم " " السلام" مضيفين إليه عددا من " البهارات " مثل الشجعان والشامل والعادل ...الخ التي لاولم تخف حتى على الأطفال الذين يرون بأعينهم ويلمسون بأيديهم الثمرات المرة لهذا السلام في فلسطين والعراق والجولان .
4 ـ 2( إقامة وحماية عدد من الكيانات ( الدول ! ) المكروسكوبية النفطية التي لاتملك من مقومات الدولة سوى بئر النفط ووضعها من الناحية العملية تحت وصاية الغرب ، واستخدامها عند الضرورة كمخلب قط ضد حركة التحرر الوطني العربية( ح ت و ع) كما حصل ويحصل الأن مع العراق ، حيث تلعب هذه الدويلات دورا رئيسيا في استمرار وتنفيذ الحصار الوحشي والظالم المفروض على شعبنا في العراق والذي أودى ويودي بحياة مئات الألوف من أبناء هذا الشعب المناضل والعريق .
4 ـ 3 الاعتماد على ثلة من القادة العرب الذين باعوا أنفسهم للشيطان ، في اختراق الأمن القومي العربي ، ودعمهم بالمال والسلاح والإعلام ، والسكوت عن طابع حكمهم وتفكيرهم الرجعي الذي ينتمي إلى القرون الوسطى ، وعن تكوينهم الأقلياتي الذي غالبا مااقتضى ويقتضي قمع الأغلبية بالحديد والنار ، حتى في حالة تمويه هذا القمع خلف سحب دخانية من الديمقراطية الكاذبة ، ديمقراطية ال 99% والتي يمكن تجييرها أيضا من الأب إلى الإبن .
4 ـ 4 ممارسة الحصار الجزئي أو الشامل ـ حسب الضرورة الإمبريالية ـ حتى ولو أدى هذا الحصار ألى تدمير بلد بأكمله وأودى بحياة الملايين من الأطفال والنساء والشيوخ ومن المدنيين العزل .
4 ـ 5 اللجوء إلى التدخل العسكري المباشر عندما لاتجدي كافة الطرق السابقة في إخضاع قطر ما أو قائد ما أو حزب ما كما هي الحال الآن مع العراق ، حيث يمارس عليه عدوان عسكري مباشر برا وبحرا وجوا بصورة وحشية ومتواصلة منذ عشر سنوات .

5. إن تشديدنا على دور العامل الخارجي في الوصول بالأمة العربية إلى هذا الدرك من الإنهيار ، لايعني بحال أننا ننسى أو نتناسى الدور الهام للعامل الداخلي في هذا الانهيار، أو أننا نعفي أنفسنا أنظمة وهيئات وأحزابا بل وأفرادا من المسؤولية فكما يقول المثل الشعبي " إن الباب المفتوح يشجع السارق على الدخول " .إن سوسيولوجيا التغير الإجتماعي تشير إلى أنه يكمن وراء حركة الظواهر الاجتماعية مجموعة معقدة من العوامل : عوامل موضوعية وأخرى ذاتية ، عوامل داخلية وأخرى خارجية ...الخ ، وإذا كانت العوامل الموضوعية خارجة عن إرادة الناس المباشرة ، فإن العوامل الذاتية هي من صنع أيديهم بامتياز . وعلى هذا فإننا نحمل مسؤولية السكوت ، وتجاهل معاناة أهلنا وإخوتنا في العراق إلى :
الأنظمة العربية عامة ودول " إعلان دمشق " خاصة
الأحزاب والقوى السياسية والنقابية والمهنية العربية ولا سيما ما يعرف بالتقدمية منها
كافة المثقفين العرب ، وطلبة الجامعات منهم على وجه الخصوص
الأمانة الأمانة العامة لجامعة الدول العربية . ويرغب الكاتب فيما يتعلق بهذه النقطة بالذات ، أن يشير إلى أنه قد أرسل بتاريخ 30.10.1996 رسالة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية ، جاء فيها مايلي حرفيا :
" إن المسؤولية الكبرى والأساسية في هذا الحصار الظالم والوحشي المضروب على إخوتنا في العراق منذ 1990 إنما تقع بصورة جوهرية علينا نحن العرب , وبالذات على الأنظمة العربية الراهنة ، على ذوي القربى .. . إن السبب الحقيقي الكامن وراء هذا الحصار ووراء استمراره هو عزل العراق ماديا ومعنويا عن الأمة العربية ، بغية الاستفراد ببعض أنظمتها ورموزها وفرض التنازلات المذلة عليهم ، ولا سيما في مجالي الأرض والنفط وذلك لصالح النظام العالمي الجديد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ، وراس حربتها في المنطقة العربية : إسرائيل ، وكل ماعدا ذلك إن هو إلاّ من قبيل ، الضحك على الذقون ، انتهى الشاهد " .

6. لقد برز العراق بوصفه ـ إلى جانب الشعب الفلسطيني وبعض القوى الوطنية والتقدمية الأخرى ـ السابح الوحيد في الإتجاه المعاكس لتيار الاستسلام ( المطلق أو المقيد ) للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ، والذي ـ أي التيار المستسلم ـ بدأ يطفو على سطح الحياة العربية بعد هزيمة 1967 بصورة عامة وبعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر بصورة خاصة . وقد بدا هذا الموقف العراقي المتميز ، بنظر الجماهير العربية المحبطة ، كما لو انه خشبة النجاة التي يمكن ان تنتشل الأمة العربية من وهدة اليأس التي هي فيها . وقد تضاعف هذا الأمل بعد إعلان العراق عن امتلاكه لسلاح " الكيماوي المزدوج " الذي يمكن أن يحقق التوازن العسكري المنشود بين العرب وإسرائيل .

7. لقد كان قرار القيادة العراقية باجتياح الكويت وضمها رسميا إلى جمهورية العراق على درجة كبيرة من الخطورة ، لأنه كان يعني بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل ، وأيضا بالنسبة لبعض الأنظمة العربية : سيطرة نظام وطني معاد للإمبريالية والصهيونية على جزء اساسي من أهم مصدر للطاقة في العالم ، الا وهو النفط ، بما يعنيه ذلك من إمكانية التحكم بسعر هذا النفط ، وإمكانية استخدامه كسلاح سياسي في معركة التنمية والتحرير .
توفر إمكانية واقعية لإجبار إسرائيل على الإلتزام بقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية ، والتي كانت على الدوام مرفوضة من إسرائيل بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية إن خطورة مثل هذه القضايا ، تشير بصورة لالبس فيها إلى أن دخول العراق إلى الكويت ـ قرة عين النظام العالمي الجديد ـ سوف يترتب عليه الدخول في معركة شاملة وغير متكافئة مع " العالم " الذي بات بعد سقوط الاتحاد السوفياتي ، واقعا ـ بصورة أو بأخرى بدرجة أو بأخرى ـ تحت العباءة الأمريـ ـ صهيونية . والسؤال المشروع الذي يطرح نفسه بإلحاح هنا هو : هل كانت القيادة العراقية تضع في حسبانها كل هذا عندما دفعت بقواتها إلى الكويت ؟ هل وضعت في حسبانها :
ــ أن رد الفعل الأمريكي والغربي سوف يكون على هذه الدرجة من الوحشية واللاإنسانية ؟
ــ وأن الأنظمة العربية سوف تنقسم بين شريك في المذبحة أو متفرج عليها ؟
ــ وأن الجماهير العربية لاتستطيع سوى ان تضع قلوبها مع العراق ، أما سيوفها فلا ، ولسبب بسيط ، وهو أ نها لم تعد تملك أية سيوف بعد أن جردتها عدة عقود من القمع والاضطهاد والإذلال وا لتجويع والتغييب المنظم ، بل وأيضا الاغتيالات الفردية والجماعية ، وغسل الأ دمغة ، على يد الأنظمة العربية المختلفة ، من هذه السيوف .

8. هناك بالتأكيد جملة من الأ سباب المتشابكة والمعقدة تكمن وراء هذا الموقف شبه السلبي من الناحية العملية للجماهير العربية حيال محاصرة العراق اقتصاديا وسياسيا وثقافيا وعلميا ، بيد ان السبب الجوهري والأساسي من بينها جميعا ـ من وجهة نظرنا ـ ، هو أن هذه الجماهير في الوقت الذي كانت ترى ضالّتها في الموقف القومي الشجاع للنظام العراقي ، فيما يتعلق بسياسته الخارجية ، كانت ترى أن السياسة الداخلية للنظام لم تكن تواكب سياسته الخارجية ، بل إن هذه السياسة الأخيرة كانت مخيبة للآمال ، ولا تختلف في شيء عن سياسة بقية الأنظمة العربية الأخرى المدانة من قبل هذه الجماهير .
إن الغاية والوسيلة تشكلان سدا الموقف القومي الصحيح ولحمته ، وهما يمثلان معا الشرط الضروري للإ قلاع ، ويتمثل الموقف الصحيح بالنسبة للسيا سة الداخلية ب : المشاركة الشعبية 1. في صنع القرا ر ، 2. في تنفيذ القرار 3. في الإفادة العادلة من نتاج هذا القرار . والسؤال هنا : هل إن هذا متوفر في العراق ؟. إن المسؤولية القومية والخلقية ، تسمح لنا بأن نجيب على هذا التساؤل ب لا . إن الكاتب يرغب أن يحذر رفاقه في بغداد من إمكانية أن ينفذ الأعداء من هذة الثغرة الموجودة بين السياستين الداخلية والخارجية للنظام . [ وهذا ماحدث فعلا في شهر أفريل عام 2003 ]

9. إن مسألة المشاركة الشعبية التي أشرنا إليها أعلاه ، لاتتماهى بحال لامع ديمقراطية الغرب ، ولا مع موضة ال 99 % الرائجة الآن على الساحة العربية . إن كافة الظواهر الإجتماعية ، ومنها ظاهرة المشاركة الشعبية تنطوي على جانبين واحد يخص الشكل وآخر يخص المضمون ، وبدون التكامل بين هذين الجانبين فإن هذه المشاركة تبقى عرجاء ومشوهة وغير حقيقية . إن الديمقراطية التي نعنيها ونطالب بها هي بصورة أساسية :
الديمقراطية السياسية ، ولا سيما : التعددية الحزبية ، والتبادل السلمي للسلطة ، وحق الجميع في الاختلاف والمعارضة والتعبير عن آرائهم بكل أنواع وأشكاك الطرق السلمية .
الديمقراطية الاجتماعية ، ولا سيما إقامة مجتمع مدني قائم على سيادة الدستور والقانون وعلى تساوي كافة المواطنين في الحقوق والواجبات دون تمييز بينهم على أساس الجنس أو العرق أو المذهب أو اللغة أو الإنتماء القبلي أو الجهوي.
الديمقراطية الإقتصادية ، ولا سيما حق العمل للرجل والمرأة ، والمزاوجة الخلاقة بين القطاعين العام والخاص بما يخدم غالبية السكان وعلى الأخص الفئات المنتجة بأيديها وادمغتها منها .
الديمقراطية الثقافية ، ولاسيما حق الأقليات العرقية والدينية في ممارسة طقوسها وشعائرها الثقافية والدينية الخاصة بها .
وإذا كانت مثل هذه الديمقراطية تتعارض مع مفهوم النخبة ، إلا أنها لاتتعارض مع مفهوم الطليعة ، من حيث أن المفهوم الأول ينطوي على مضامين استعلائية ، يمكن أن تقود ـ ولو عن غير قصد ـ إلى ديكتاتورية فئة أو حزب أو حتى شخص الأمر الذي تتحول معه المسؤولية السياسية والوطنية إلى نوع من " فرض الكفاية " إذا قام به البعض سقط عن الجميع وهذا خلافا لمفهوم الطليعة الذي يوائم بصورة إيجابية وخلاّقة بين دور القادة ودور الجماهير ، ويجعل من العمل الوطني عامة و السياسي منه خاصة " فرض عين " تقع مسؤوليته على أبناء الوطن كافة .
10. إن كافة أصدقائكم أيها الرفاق العراقيون يرغبون في أن يتحول نظامكم الوطني ، إلى نموذج قومي ديمقراطي حي يستقطب جماهير الأمة العربية ، ويعيدها إلى ساحة الفعل والتأثير بعد ان عملت معظم ـ إن لم نقل كافة ـ الأنظمة العربية الراهنة طوال عدة عقود على إبعادها عن المشاركة في حل قضاياها والدفاع عن نفسها ، وإحلال أقلية قبلية أو حزبية أوطائفية أو دينية محلها.
وما لم تعملوا على موائمة سياستكم الداخلية مع سياستكم الخارجية ، فإن الجماهير العربية ومنها شعب العراق العظيم سوف تظل معكم فقط بقلوبها ولكن ليس بسيوفها ، ذلك أنها ـ كما أسلفنا ـ لم تعد تملك هذه السيوف .
الهامش
1- Oskarlafontaine , Das Herz schlägt Links , der Econ Verlag , München 1999 , S. 259



#محمد_أحمد_الزعبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرغي لافروف السوري
- الثورة السورية بين الشمال والجنوب
- بين بشار وديمستورا شعرة معاوية ( إعادة نشر )
- مجلس الأمن بين الجعجعة والطحن
- الغزو الأمريكي للعراق والدور الإيراني
- ملحمة سجون بشار والديموقراطيات الخرساء
- أبو هشام في فقرات
- نظام الأسد وإشكالية الهوية العربية ( إعادة نشر)
- بعد سقوط درعا بيد بوتن، عود على بدء
- الثورة السورية وصمت المجتمع الدولي
- حوران بين فكّي بوتن وترامب
- المعارضة السورية بين القول والفعل
- حوران بين المطرقة والسندان في مثلث الموت
- الثورة السورية وجنرالات الأسدين
- شاهد عيان على ضياع الجولان
- القضية الفلسطينية وأعداؤها الثلاثة
- الرياضيات الأحدث (5+1)=(4+1)
- موسم التهجير إلى الشمال ونصيحة قلم
- ليس بين القاتل والمقتول شعرة معاوية
- الثورة السورية والثلاثيات الثلاثة


المزيد.....




- قبل أن يفقس من البيضة.. إليكم تقنية متطورة تسمح برؤية الطائر ...
- كاميرا مخفية بدار مسنين تكشف ما فعلته عاملة مع أم بعمر 93 عا ...
- متأثرا بجروحه.. وفاة أمريكي أضرم النار في جسده خارج قاعة محا ...
- طهران: لن نرد على هجوم أصفهان لكن سنرد فورا عند تضرر مصالحنا ...
- حزب الله يستهدف 3 مواقع إسرائيلية وغارات في عيتا الشعب وكفرك ...
- باشينيان: عناصر حرس الحدود الروسي سيتركون مواقعهم في مقاطعة ...
- أردوغان يبحث مع هنية في اسطنبول الأوضاع في غزة
- الآثار المصرية تكشف حقيقة اختفاء سرير فضي من قاعات قصر الأمي ...
- شاهد.. رشقات صاروخية لسرايا القدس وكتائب الشهيد أبو علي مصطف ...
- عقوبات أميركية على شركات أجنبية تدعم برنامج الصواريخ الباليس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد أحمد الزعبي - محاصرة الحصار - إعادة نشر