أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - زهور تأكلها النار. . . رواية ترصد الإرهاب القديم بعين معاصرة















المزيد.....

زهور تأكلها النار. . . رواية ترصد الإرهاب القديم بعين معاصرة


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5805 - 2018 / 3 / 4 - 10:53
المحور: الادب والفن
    


يعرف القرّاء والمتابعون للمشهد الثقافي السوداني أنّ أمير تاج السرّ هو كاتب غزير الإنتاج فقد أنجز منذ عام 1988 وحتى الآن 20 رواية، ولعله منهمك الآن في أكثر من عمل روائي، فما إن تخطر في باله فكرة روائية حتى يشرع بكتابتها، وينغمس بأحداثها وشخصياتها ثم يضع عليها اللمسات الأخيرة التي يقتضيها أي نصٍ روائي ناجح. وجدير ذكره أنّ فكرة هذه الرواية قد انبثقت من سؤال منطقي أثارته القارئة "سارة " التي اطلعت على روايته السابقة "توّترات القبطي" وعرفت كل شيء عن الرجال الذين تعرّضوا للأذى، والقمع، والإذلال لكنها لم تتحسس عذابات المرأة السبيّة والجارية في تلك المضارب فكان الردّ مبثوثًا بين صفحات "زهور تأكلها النار" التي وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر للرواية العربية لهذه السنة، وقد سبق له أن وصل إلى هذه القائمة مرتين، الأولى عن روايته الموسومة (366) عام 2014، والثانية عن روايته المعنونة "مُنتجع الساحرات" عام 2017. وكان الحُب هو الثيمة المهيمنة في كلا الروايتين وإن تقاطعت مصائر العُشّاق والمُحبّين.
أمّا ثيمة "زهور تأكلها النار" فتتمحور حول الإرهاب الذي يجتاح مدينة "السور" وما يحيط بها من قرىً صغيرة متناثرة في الصحراء الغربية. ويبدو أن مخيّلة تاج السرّ هي التي خلقت هذه المدينة وأثثتها بما يتلاءم مع أحداث النص الروائي الذي بدا لي مستنسخًا عن أحداث "القاعدة" و "داعش" و "بوكو حرام" وسواها من المنظمات الإجرامية التي قوّضت السلم الأهلي في بلدان متعددة من قارتي آسيا وأفريقيا تحديدًا قبل أن تنتقل شظاياها إلى مختلف أرجاء العالم.
ولكي لا نغمط الكاتب حقه في هذه الرواية لابدّ لنا أن نتوقف عند الثيمة الرئيسة، وبناء الشخصيات، والنسق السردي الذي احتضن الأحداث منذ مستهل النص حتى نهايته من دون أن ننسى اللغة، والحبكة، والبناء للفني لهذه الرواية التاريخية التي تُحيلنا صراحة إلى المنظمات الإرهابية المُشار إليها سلفًا وما ارتكبته من جرائم وحشية تقشعر لها الأبدان.
يمكن إيجاز الثيمة بسؤالين وهما: مَنْ هو المتّقي؟ وما طبيعة الثورة التي فجّرها في "أباخيت" قبل أن يقتحم "مجاهدوها" مدينة السور ويمعنوا في أهلها قتلاً، وسبيًا، وتشريدًا باسم الشريعة؟ وإذا توخينا الدقة فإن "المتّقي "هو مجرد فكرة، وليس شخصًا بعينه" ومع ذلك فقد انتشرت هذه الفكرة انتشار النار في الهشيم وقلبت حياة الناس في مدينة "السور" رأسًا على عقب حيث انقسم المجتمع إلى معسكرين لا ثالث لهما، معسكر الإيمان ويمثله المتقي وجماعته الذين أطلقوا على أنفسهم زورًا اسم "الجهاديين"، ومجتمع "الكفر" الذي يشمل المسلمين والأقباط واليهود والبوذيين من دون أن يستثني الشخصيات الأوروبية التي وجدت في "السور" مكانًا ملائمًا للعيش، والتأمل، والرسم وما إلى ذلك.
تقع أحداث الرواية قبل قرن أو يزيد في مدينة "السور" التي رسمها الكاتب على وفق مخيلته التاريخية فجعل حاكمها، وجامع ضرائبها تركيًا عجوزًا يدعى يوسف دامير، كما قسّم المدينة إلى أحياء ثرية وفقيرة لا تخلو من المقاهي، والنوادي، ومنازل المتعة. ولعل أجمل ما فيها هو التعايش السلمي بين أتباع الديانات الأربع، فالمسلم يعيش إلى جوار القبطي، واليهودي، والبوذي، كما أنّ هناك شخصيات أوروبية فضّلت البقاء في هذه المدينة لكن بعضها راح ضحية الإرهاب المتستر بقناع ديني.
وفيما يتعلق بالشخصيات فهي كثيرة جدًا لكن أهمها خميلة جماري عازر، وأمبيكا بسواس، وطائعة، وماريكار فندوري، إضافة إلى شخصيات أخر سنأتي عليها تباعًا. فخميلة قبطية، درست علم الجمال في القاهرة، وتقرأ كُتبًا فلسفية وروايات غامضة، أما شاعرها المفضل فهو الأسباني رامونا ريماس. أحبّت ميخائيل رجائي، مُحاسِب مجلس المدينة، ووافقت حينما تقدّم لخطبتها. وبموازاتها تقف أمبيكا بسواس، الحسناء البوذية التي تزوجت من باسيلي أكرم، وهو مفكر، ومؤلف كتب فلسفية، ومولع بقراءة أشعار ستيوارت جون. وهناك شخصية طائعة التي لم نعرف عنها الكثير لكنها ستلقى لاحقًا مصيرًا تراجيديًا. أما الشخصية الرابعة فهي ماريكار فندوري التي تنشد أشعار توماس براون دائمًا، وهي التي رسمت على ظهر صديقتها خميلة "زهورًا ملونة تأكلها نار كثيفة".
حينما يجتاح جنود المتّقي مدينة السور تؤخذ النساء سبايا إلى بيت "أم الطيبات" حيث يُعدّل اسم خميلة إلى "النعناعة"، وأمبيكا إلى "الخنساء"، وطائعة إلى "رُقيّة"، وماريكار إلى "مِسبحة"، وقد احتُجِزن إلى جانب نساء أخريات لمدة ثلاثين يومًا بهدف تطهيرهن من الأرجاس والذنوب التي ارتكبنها طوال حياتهن السابقة، وقد حان الوقت لتزويجهن لقادة جيش المتقي و"مجاهديه" الذين تكاثروا في غضون أسابيع قليلة.
وإذا كان باسيلي سينقذ زوجته أمبيكا بقناع "جمعة العائد" ويهرب بها إلى خارج السور، فإن طائعة سوف تُدفن في حفرة، ويُقطع رأسها في مكان عام وبحضور والدها العجوز بحجة أنها كافرة، وآثمة، وتقف بالضدّ من الإمام المتقي، وأن ماريكار لم تكن تعرف أنها قد استجارت من الرمضاء بالنار حينما خرجت مع سامع حجيري الذي تبيّن أنه أكثر إجرامًا من "المجاهدين" إذ "قيّدها إلى جذع شجرة ميتة، وانتهكها بعنف" وحينما عاد اخترع حكاية الهمج الذين "اختطفوا الغنيمة النظيفة" لكنه انهار لاحقًا واعترف بتفاصيل الجريمة التي ارتكبها. أما خميلة فهي العمود الفقري للنص الروائي التي لم يأتِ خطيبها ميخائيل رجائي لإنقاذها، بل تطوّع الغازي، وهو أحد الخصيان الذي يكنّونه بـ "لولو"، لتهريبها إلى خارج مدينة السور فيتداخل الحلم بالحقيقة ولا نعرف على وجه الدقة إن كان أنقذها أم لا؟ وهل وصل فعلاً إلى مضارب بئر أولاد جابر في البادية، أم جاء على ذكرهم كي يخبرنا فقط بأنهم لا يناصرون "المجاهدين" ولا يعادونهم في الوقت ذاته؟ كما أن قصة زفافها ظلت غامضة أيضًا ولم نعرف أنها كانت تُقدّم على طبق من ذهب للمتقي أم لأحد من قادته أو جنوده؟
حينما تفحصت أحداث الرواية لم أجد حدثًا مجهولاً ابتكرته مخيلة الروائي فكلها أحداث معروفة سلفًا، ومستهلكة، ونشعر بأنها حدثت أمام أعيننا، فكم من المرّات رأينا سيّافين يحملون رؤوسًا محزوزة من شعورها الطويلة، وكم من المرات شاهدنا نساءً مسبيات يزوجن قسرًا لإمتاع "المجاهدين" أو يبعنَ في أسواق الرقيق الأبيض؟ ربما تكمن القوة السردية، وجمالية اللغة في الفصل الأول الذي تعرّفنا فيه على شخوص الرواية وتبيّنا عمق بعضها، وأدركنا سطحية البعض الآخر، وعرفنا التاجر القبطي، والصائغ اليهودي، والمغني جريح أسعدين. أما الفصل الثاني فقد ركز فيه الكاتب على عمليات القتل والخطف والاغتصاب التي تعرض لها بعض سكّان المدينة مثل المبشرة الفرنسية جيلال، والرسامة كاترين جو، وبائع القدور واتاب عيسى وآخرين فاجأتهم هذه الاغتيالات، وعمليات الدهم والتنكيل بالسكان المحليين والأجانب. أما الفصلان الثالث والرابع فقد رصد فيهما تاج السر جانب القبح الذي طغى على المدينة التي كانت آمنة، وجميلة، وجاذبة للأجانب الذين يحبون التأمل، والرسم، والكتابة، وبساطة العيش بعيدًا عن ضوضاء المدن الأوروبية الصاخبة. ولعل السؤال الأبرز الذي طرحه الكاتب هو: كيف يمكن للأولاد اللطفاء أن يتوحشوا ليتحولوا بين ليلة وضحاها إلى سيّافين وقتلة مع سبق الترصد والإصرار؟



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمواج . . . سيرة ذاتية جريئة أثقلتها حروب القائد المتعالي
- باسم فرات. . . جوّاب المدن، وعابر المفازات البعيدة
- الحلقة السادسة من مسابقة شاعر المليون
- التورية والمجاز البصري في تجربة الفنان التشكيلي عبدالكريم سع ...
- الفنان سعد علي يخلّد الحُب في حديقة الحياة
- ساعة بغداد . . رواية تخالف توقعات القرّاء
- تعويم الزمان، وطمس المكان في رواية -بيت البحر- لفاطمة الناهض
- تيريزا أكاديا . . ومغامرة الحُب المستحيل
- أفلام السيرة الذاتية بين الالتزام الحرْفي والتعاطف المُعلن
- -كل المعارك- وهاجس العنف المضمر في الكينونة البشرية
- العراق والعالم العربي بعيون أربع كاتبات غربيّات
- بقايا النهار ونزعة الكتابة البصَرية
- الخطوة الأولى . . ثيمة سلسة ترصد الفوارق الطبقية
- قصص بأقلام الأسيرات المُحرَّرات من السجون الإسرائيلية
- تعالوا معًا. . فيلم يرصد القلق، ويدرس فن العلاقة الاجتماعية
- قصة مُحكمة، وإيقاع سلس في فيلم قبر لاجئ
- لوحتا جواد سليم ومحمود صبري الأغلى ثمنًا في مزاد كريستيز
- 60 فيلمًا في مهرجان الفيلم الكوري بلندن
- ملامح الفن والثقافة العربية في المثلث الذهبي
- خمسة فنانين يخلِّدون ذاكرة المدن السورية


المزيد.....




- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - زهور تأكلها النار. . . رواية ترصد الإرهاب القديم بعين معاصرة