حوارات التمدن: حواري مع أحمد بهاء الدين شعبان حول قضايا اليسار في مصر والعالم العربي علي ضوء المتغيرات الجارية..


ماهر عدنان قنديل
2017 / 5 / 30 - 18:15     

الأستاذ أحمد بهاء الدين شعبان ضيف سلسلة حوارات التمدن:

تعريف بالأستاذ أحمد بهاء الدين شعبان: الأمين العام للحزب الاشتراكي المصري وأحد أبرز قيادات اليسار المصري وقيادي في حركة كفاية. له مؤلفات عديدة ومتنوعة عن الحالة السياسية والحركات الطلابية المصرية. (المصادر: الحوار المتمدن، ويكيبيديا العربية).

البداية:

* ماهر عدنان قنديل: تحياتي الأستاذ بهاء الدين شعبان، أؤيد الطرح والتساؤل حول هل أزمة اليسار العربي هي في النظرية أم في التطبيق؟ وأود معرفة رأيك ونظرتك عن ذلك الأستاذ بهاء الدين كناشط مخضرم في الساحة السياسية المصرية والعربية، هل الإشكالية تكمن في النظرية نفسها أم في فهمها؟ وهل هناك خصوصيات لمنطقتنا ونحن بحاجة، مثلًا، إلى بناء نظرية اشتراكية تستند إلى القيم والعادات؟

* أحمد بهاء الدين شعبان: الأستاذ الكريم ماهر عدنان قنديل

بدايةً أشكر لك تفضلك بالمشاركة ومبادرتك بالتواصل، وأود أن أؤكد أن السئوال الذى تفضلت بتوجيهه إلى، هو صلب الحوار الراهن، والذى أتمنى مشاركة كل الرفاق فى محاولة الإجابة عليه، ولدى بالطبع رد اجتهدت فى كتابته، لكنى أستأذنك فى تأجيل نشره إلى آخر الحوار، حتى لا أصادر على المطلوب، كما يقول المناطقة، وحتى نستمع، لمشاركات باقى الزملاء حول هذه القضية البالغة الحيوية، ونستفيد من وجهات نظرهم المتعمقة، التي أثق في أنها ستقربنا من الوصول للرأي الصحيح.

* ماهر عدنان قنديل: أتفهم رغبتك بإبقاء الرد إلى آخر الحوار. من ناحية أخرى، ذكرت أستاذ بهاء الدين، في بداية حديثك في المقدمة، أن اليسار الاشتراكي يمثل أحد المرجعيات الأربع لمقومات الهوية الوطنية إلى جانب المرجعيات الثلاث الأخرى: الإسلامية والقومية والليبرالية. ثم تحدثت عن عجز الأحزاب الاشتراكية على أداء مهامها وأدوارها، وهذا ،صحيح، لكن، في المقابل، وعلى المنوال نفسه، فشلت بقية المرجعيات، التي تشكل الهوية الوطنية في النجاح. التنظيمات الإسلامية، لم تحقق نجاحات كبيرة على المستوى السياسي، واقتصرت بعض نجاحاتها على التأثير الإجتماعي، وما ساعدها على تحقيق ذلك، هو تدين مجتمعاتنا، واستعدادها لاستقبال الخطابات المُقدسة. التنظيمات القومية، من جهتها، حققت بعض النجاح ثم اندثرت. التنظيمات الليبرالية، تحذو على نفس المنوال تقريبًا. وهو الأمر الذي يجعل المشكلة ليست في المرجعيات بقدر ما هي في تركيبة الأنظمة عندنا. التكوين السلطوي في الدول العربية هو من أغرب ما يكون، والمرجعية الوحيدة التي نجحت حتى الآن، هي مرجعية الأنظمة المُسيطرة على الأخضر واليابس، والتي تتدخل في كل شئ تقريبًا، دون امتلاكها لأي لون أو طعم مرجعي مُعين. هذه الظاهرة أظن أنها فريدة ويجب أخذها بالحسبان، فالعجز إلى الآن لا يقتصر على الاشتراكية وحدها، بل يتمدد لبقية التيارات والمرجعيات كذلك.. والسبب حسب رأيي، هو في عدم تقبل التعددية في دولنا بداية أعلى السلطة وصولًا إلى قاع المجتمع.. وهذا راجع إلى عدم وجود تقاليد سياسية تعددية عريقة تحاكي، على سبيل المثال، ما هو موجود في الدول الغربية، حيث التداول على الحكم سمح بخلق ثقافة التنافس السياسي بين المرجعيات ونشوء وتطور ظاهرة التعددية الاجتماعية والشعبية، وهو ما جعل إمكانية تقييم محددات العجز والنجاح للتيارات السياسية ممكننًًا.. فنحن، على سبيل المثال، يمكننا تقييم أداء الحزب الاشتراكي الفرنسي بسهولة من خلال تتبع مسيرة نجاحاته وإخفاقاته طيلة أطوار الجمهورية الخامسة مثلًا، في حين، ما هي الوسيلة التي ستمكننا من تقييم وقياس نجاحات أو تعثرات الأحزاب الاشتراكية في دول عربية لم تشهد أي تغييرات أو تطورات سياسية منذ عقود!

* أحمد بهاء الدين شعبان: لا شك أن الأزمة شاملة، وتضرب فى جذور كل القوى والاتجاهات السياسية فى المنطقة، بل أن أخطاء اليسار، وحتى -خطاياه- لو وُجدت، أهون من جرائم التيارات التكفيرية والدموية التى قدمت خدمات غير مسبوقة لأعداء شعوبنا، فى الداخل والخارج، وجرائم وخطايا باقى التيارات الأخرى أيضاً.
وصحيح أن النظم القمعية التى انفردت بالتحكم فى بلادنا، ونهب ثرواتنا، وإلالتحاق، من موقع التابع المأجور، بركب الإمبريالية، وما أشاعته من مناخات الفساد والاستبداد، تتحمل الجانب الأكبر من مسئولية التردى العام فى الأوضاع بالمنطقة، لكن اسمح لى ياصديقى أن أذكر نفسى وأذكِّرك، بأن كل التجارب الثورية العظيمة فى التاريخ، قامت فى وجه مثل هذه الظروف، وأنجزت أهدافها بتضحيات جسام، من شهداء وضحايا وسجون ومعنقلات، حتى حققت الانتصار.
إذن ماهو الفارق الذى حقق لها النجاح، وألزمنا جانب الفشل؟!. أو -لماذا نجحوا وفشلنا؟!-، هذا السئوال المعضل، الذى طالما طرح نفسه على بساط البحث، دون أن نفلح فى الإجابة الصحيحة عليه.
السئوال مرة اخرى: ماهى العوامل الذاتية والموضوعية، التى أتاحت للتجارب الاشتراكية الناجحة تحقيق غاياتها، وماهى العوامل الذاتية والموضوعية، التى أدت إلى إخفاقنا؟!. ذلك هو السئوال.

* ماهر عدنان قنديل: أوافقك تمامًا التساؤل حول الأسباب الذاتية والموضوعية التي أتاحت للتجارب الاشتراكية النجاح في مناطق من العالم في حين أنها عجزت في المنطقة العربية. من جهتي، أرجع سبب ذلك بنسبة كبيرة إلى الظروف التاريخية والمكانة الجغرافية التي تحظى بها منطقتنا وهو ما جعل منها ساحة لتنافس القوى الكبرى وتصارعها عليها بكل قواها. كما لا يجب إغفال أن الاشتراكية في منطقتنا تصارع على جبهتين وهو ما أثر عليها كثيرًا، ففي الجبهة السياسية هي تتصارع مع الأنظمة الحاكمة. وفي الجبهة الإجتماعية، فهي تصارع التنظيمات الدينية المنتشرة في المنطقة كالنار في الهشيم بسبب استفادتها من تمويل كبير، ومن استعداد المُجتمعات لتقبل خطابها المُقدس. وهو الأمر الذي أدى إلى تقلص أدوار التيارات الاشتراكية في التأثير السياسي والاجتماعي، خصوصًا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وتغير المعالم السياسو-اقتصادية في العلاقات الدولية، على كل سأتابع إجابة حضرتك على هذا التساؤل المصيري في نهاية هذا الحوار..
من ناحية ثانية، وكتساؤل أخير الأستاذ أحمد حتى لن أثقل عليك أكثر، أود معرفة رؤيتك لحال ومستقبل التيارات اليسارية في العالم؟ هل تراها مضيئة أم مظلمة؟ ففي السنوات الأخيرة فقد اليسار جزء من بريقه المُعتاد وذلك حتى في أماكن تأثيراته المُعتادة والتقليدية كالهند وروسيا وتركيا وبعض دول أمريكا الجنوبية، كما جاء فوز ماكرون اليساري في فرنسا تحت شعار وسطي بعد إخفاق الحزب الإشتراكي دليلًا أخر على تراجع تأثير الأحزاب الاشتراكية. هل في رأيك أن الأمر يعتبر مجرد ظاهرة وقتية وسحابة عابرة ستمر بسرعة وتعود المياه إلى مجاريها قريبًا أم أن الظاهرة ستطول وتستوجب تغيير الخطابات والتكتيكات اليسارية برمتها؟

* أحمد بهاء الدين شعبان: أتفق تماماً مع تحليلك لواقع اليسار فى مجتمعاتنا، الذى المترتب على -الظروف التاريخية والمكانة الجغرافية التي تحظى بها منطقتنا، وهو ما جعل منها ساحة لتنافس القوى الكبرى وتصارعها عليها بكل قواها. كما لا يجب إغفال أن الاشتراكية في منطقتنا تصارع على جبهتين وهو ما أثر عليها كثيرًا، ففي الجبهة السياسية هي تتصارع مع الأنظمة الحاكمة. وفي الجبهة الإجتماعية، فهي تصارع التنظيمات الدينية المنتشرة في المنطقة كالنار في الهشيم بسبب استفادتها من تمويل كبير، ومن استعداد المُجتمعات لتقبل خطابها المُقدس. وهو الأمر الذي أدى إلى تقلص أدوار التيارات الاشتراكية في التأثير السياسي والاجتماعي، خصوصًا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وتغير المعالم السياسو-اقتصادية في العلاقات الدولية-.
أما بخصوص -حال ومستقبل التيارات اليسارية في العالم؟ وهل تراها مضيئة أم مظلمة؟-، فلعلى أكثر تفاؤلاً، بسبب يقينى أن السياسات -النيوليبرالية- قد أخفقت فى أن تُقدم حلولاُ مُرضية لمشكلات المجتمعات، وبما يُبرهن على تحقق نبوءة -فرانسيس فوكوياما- المعروفة، حول -نهاية التاريخ-، بل وازدادت تعنتاً وشراسة، مما يستنهض موجات متعاقبة من الاعتراض والمقاومة، ليس فى العوالم الفقيرة وحسب، بل وداخل المجتمعات التى تحكمها الاحتكارات الكبرى ذاتها، كأمريكا والغرب:ما أن صعود مراكز اقتصادية عظمى، منافسة: كالصين، يُعطى الأمل فى نوع من التوازن الإيجابى، لصالح الشعوب والطبقات المسحوقة فى العالم أجمع.
لكن هذا الأمل يحتاج إلى -موضعته- فى الواقع، وإلى تصحيح للمسارات الخاطئة، وإلى الإجابة عن سئوال موضوعى هام: لماذا تعثرت بعض تجارب اليسار والاشتراكيون، فى بعض الدول، وخاصة دول أمريكا الجنوبية، مثلما الحال فى -فنزويلا- و-البرازيل-، رغم نبل الجهود، وتحقيق الإنجازات؟!. أيعود السبب إلى ضراوة الحملة الرأسمالية واليمينية فى مواجهة إنجازاتها وحكمها، أم أن هناك أخطاء ذاتية ساهمت فى هذه النتائج؟.
وعلى كلٍ فأنا متفائل، وأعتقد أن محصلة جهد اليسار فى العالم تضيئ العديد من الجوانب المظلمة فى حياة الشعوب، ومن هنا فأنا متفائلٌ ياصديقى.
مع خالص شكرى واحترامى.

(إنتهى)