العمالة المحلية في القطاع الخاص!


فهد المضحكي
2015 / 12 / 12 - 11:10     

الإحصاءات والأرقام التي زودتها وزارة العمل والتنمية الاجتماعية لمجلس النواب تقول: إن نمو عدد العمال الأجانب في القطاع الخاص خلال الأربع سنوات ونصف الماضية، كان بمعدل 9 اضعاف نمو عدد العمال البحرينيين.
وبشيء من التفصيل توضح الاحصاءات ان عدد العمال البحرينيين منذ مطلع العام 2011 وحتى منتصف 2015، ارتفع في القطاع الخاص بواقع 10 آلاف عامل، حيث كان 79.7 ألف عامل في العام 2011، واصبح 89.5 ألف عامل في النصف الأول من العام الجاري، في حين ارتفع عدد العمال الاجانب من 369 ألف عامل في العام 2011، ليصبح في منتصف العام الجاري 466 ألف عامل، أي بزيادة مقدارها 97 ألف عامل خلال أربع سنوات ونصف!.
وتؤكد الوزارة في تلك الاحصاءات انه خلال 3 اشهر (ابريل، مايو، يونيو) في هذه السنة، دخل سوق العمل 38 ألف عامل أجنبي جديد، بمعدل نمو مقداره 5 في المئة وتظهر الاحصاءات التي اوردها الوزير في رده على سؤال برلماني للنائب جمال داود ان نسبة العاملين البحرينيين في القطاع الخاص اصبحت لا تتعدى 16 في المئة مقابل الاجانب الذين يشكلون نسبة 84 في المئة من مجموع العمال، (نقلاً عن الأيام، السبت 21 نوفمبر 2015).
في البداية، لا نريد من حديثنا - وإن كانت وزارة العمل هي الجهة المسؤولة - ان نلقي اللوم على جهة دون أخرى، ولا نريد ان نطلق احكاماً مطلقة وتضيع (الطاسة)، بل كل ما نريده لمعرفة لماذا اصبحت نسبة البحرينيين متدنية جدًا مقابل العمالة الوافدة في القطاع الخاص؟ وهذا بالطبع يقودنا إلى الكثير من التساؤلات: أين الخلل؟ أسبابه، منذ عقود ونحن نتكلم عن البحرنة، لماذا وإلى الآن لم نتمكن من جني ثمارها؟ والدليل احصاءات وأرقام وزارة العمل!
ومع كل ما حققناه من مكاسب عمالية ونقابية ورصدنا الميزانيات للتدريب والتأمين ضد البطالة، المشروع الذي يعتبر الفريد من نوعه على الصعيد الخليجي والعربي، لماذا لم يستوعب القطاع الخاص نسبة من العاملين البحرينيين تفوق نسبة 16 في المئة؟
وبغض النظر عما يمكن ان يثار من اسئلة اخرى حول هذه المسألة، فان ما نريد من وراء الاشارة إلى واقع نسبة البحرينيين في القطاع الخاص قياساً للعمالة الوافدة هو ان هذه النسبة لم تأتِ من فراغ، بل مرتبطة بسياسة عمالية قديمة وجديدة قد تكون غير قادرة - ولاسباب عديدة - من تأسيس وعي يتجاوز التردد والخوف من الشراكة الفعلية بين القطاعين العام والخاص، ومرتبطة ايضا بعدم الالتزام بما ينص عليه قانون العمل في هذا الشأن، وبالعمالة البحرينية التي لايزال البعض منها يبحث عن وظيفة في القطاع الحكومي، وبالتدريب والتأهيل، وهنا يجب أن لا ننسى ان تراجع نسبة البحرينيين في القطاع الخاص إلى هذا الحد من اسبابه ايضا (مافيا السوق) التي لم تلتزم بالتشريعات والقوانين، وما تجارة (الفيز) الرائجة إلا شكل من اشكال نشاط المتحكمين في هذه التجارة التي تعبر عن تضاعف الفساد والفوضى التي تكشف عن عجز وخلل غير قادرين على حله وعلاجه!
إن كل ما ذكرناه من سلبيات هي في الغالب نتيجة تراكمات من الاخطاء ادت وبعد سنوات طويلة إلى هذه الوضعية وإلى حقائق مؤلمة آن الأوان لاصلاحها بأفضل الحلول التي تلتزم بزيادة نسبة البحرنة في القطاع الخاص، وبحقوق العمالة المحلية والوافدة، وملاحقة المتسببين في تشوه سوق العمالة وشيوع تجارة (العمالة الوافدة) في سوق النخاسة وهي أقرب للعبودية!.
إن هذه المهمة والمسؤولية ليست من اختصاص وزارة العمل فقط، بل تشاركها وزارة الداخلية، وربما وزارات أخرى لها علاقة، والأمر لا يخرج من دائرة القطاع الخاص المعني بأن تحتل البحرنة مكان الصدارة في سلم اولوياته، ولم يعد ممكناً ان تظل هذه القضية قائمة في ظل التحديات الاقتصادية والمالية التي نمر بها بسبب تدني اسعار النفط. وتؤكد كل التجارب ان النهوض بالعمالة المحلية يعد طاقة خلاقة تسهم في تنمية المجتمع، وأن العمالة الوافدة الماهرة التي أسهمت في بناء هذا المجتمع والمجتمعات الخليجية هي مطلوبة.
وإذا ما أردنا ان نوزع المسؤولية في المجتمع، كان تجاوب مجلس النواب مع هذه القضية تجاوباً ملحوظاً وهو ما يؤكدها النائب دواد في مداخلته «من الغريب ان تكون العمالة الاجنبية في القطاع الخاص 466 بينما البحرينيون 87 ألف فقط، الامر الذي يثير تساؤلات كبيرة: أين المشكلة؟ هل انعدمت الثقة في العامل البحريني؟ وهل هناك عزوف من البحرينيين عن وظائف القطاع الخاص؟ وما أسباب هذا العزوف؟»، وأشار النائب إلى ان هناك اعداداً كبيرة من العاطلين من تخصصات جامعية مختلفة، يعانون من البطالة منذ عدة سنوات دون اية حلول، مضيفاً: إذا كنا نعاني اليوم من مشكلة.. فماذا سنصنع للاجيال القادمة؟
لا خلاف فيما قاله النائب وهو محط تقدير ولا نعتقد انه بالامكان حل هذه الظاهرة ما لم نتناول مشكلة البطالة، ولكن ما نريد الوصول إليه هو ما الذي فعله مجلس النواب تجاه البحرنة والبطالة طيلة كل هذه السنوات؟ سؤال طرحناه من قبل ما نزال نطرحه.. سؤال الاجابة عليه يحتاج إلى وقفة برلمانية واضحة تواجه المصالح التي تفتح الباب لكل ما يخل ويشوه سوق العمل بالرقابة والمساءلة والمحاسبة.. سؤال لا يمكن الاجابة عليه في إطار وزارة العمل والتنمية الاجتماعية فحسب، بل ثمة اطراف مباشرة وغير مباشرة لا يمكن القفز عليها أو تجاهلها لانها جزءٌ من هذا المشهد الرمادي!.
إذن كل الاطراف مسؤولة، فهي لا تخرج عن المسؤولية الوطنية التي كلما ترسخت، كلما تجنبنا مخاطر كثيرة تضر سوق العمل!.